إپيقورية

عودة للموسوعة

إپيقورية

إپيقور

ممضى الإپيقوريين يُنسب إلى إبيقور (340 ق.م. - ~270 ق.م.)، وقد ساد ستة قرون. وإذا كانت لإبيقور ومن تبعه من تلاميذه نظرية في الطبيعة، مقتضاها إرجاع جميع شيء في عالمنا إلى ذرات، إلا حتى اهتمامهم انصرف أساساً إلى الأخلاق. ونطقوا فيها إذا أساسها اللذة، واللذة هي هدف الإنسان في حياته. واللذة ليست مقصورة على اللذة الجسدية، بل تسموعليها اللذة العقلية. وليس الأمر بالسعي إلى اللذة الوقتية، بل قد يحدث بالعمل على منع الألم. وخير اللذات هي في هدوء البال، وطمأنينة النفس. وهدوء البال بدوره يتحقق بالحد من الرغبات، والحاجات، والبساطة، والاعتدال في العيش.

وكما حتى اللذة هي غاية الحياة، فإن الفهم لا تتحقق إلا عن طريق الحواس. والحواس ترشد المرء إلى تحديد طبيعة الشيء، فيصدر حكمه بعد الإدراك الحسي. غير أنه إذا أخطأ فليس الخطأ بناجم عن الإدراك الحسي، وإنما ينتج من الحكم والإدراك الحسي والشعور باللذة، هما مقياسا الحقيقة، وأسلوب الوصول إلى الفهم.

الدين

الفلسفة

الأخلاق

الفيزياء الإپيقورية

التسمية

Tetrapharmakos

فرار الإپيقورية

لقد أخطأ بولبيوس إذ افترض حتى المسائل الأخلاقية قد فقدت إغراءها للعقل اليوناني، وإن كان قد وصف للأجيال التالية الكثيرة صاحب النظريات الذي يضيع حياته في دياجير البحث النظري المعقد. ودليلنا على خطئه في هذا الظن حتى النغمة الأخلاقية نفسها هي التي حلت في ذلك العهد محل النغمتين الفيزيقية والميتافيزيقية فكانت النغمة السائدة في الفلسفة. والحق حتى المشاكل السياسية قد خمدت نارها لأن حرية الكلام قد قضى عليها وجود الحاميات الملكية في البلاد أوذكرى وجودها، وفهم الناس ضمناً حتى الحرية القومية إنما تقوم على الهدوء والاستقرار. يضاف إلى هذا حتى مجد الدولة الأثينية كان قد انقضى عهده، وأن الفلسفة كان عليها حتى تقابل تلك البترية التي لم يكن لبلاد اليونان عهد بها من قبل ونعني بها البترية بين السياسة الأخلاق. وكان عليها حتى تجد أسلوباً للحياة يجمع بين رضاء الفلاسفة وعدم التعارض مع العجز السياسي. ولذلك لم تفهم المشكلة التي تقابلها على أنها لم تعد معضلة بناء دولة عادلة، بل فهمتها على أنها تكوين الفرد الراضي القانع المنطوي على نفسهِ.

وقد سار التطور الأخلاقي وقتئذ في اتجاهين متضادين؛ فسلك أحدهما السبيل التي يتزعمها هرقليطس، وسقراط، وأنستانس، وديجين، ووسع نطاق الفلسفة الكليية التي أضحت هي الفلسفة الرواقية. وتفرع الطريق الآخر من دمتريطس ومال ميلاً شديداً نحوأرستبوس واجتذب العقيدة القورينية إلى العقيدة الأبيقورية. واتىت النزعتان من آسية وكانت كلتاهما تعويضاً فلسفياً عن التدهور الديني والسياسي الذي حل في ذلك الوقت. فاشتقت الرواقية من العقيدة السامَّية عقيدة وحدة الوجود، والجبرية، والاستسلام للقضاء والقدر؛ واشتقت الأبيقورية من طبيعة اليونان المستوطنين شواطئ آسية وما فطروا عليه من حب اللذة.

وقد ولد أبيقور في جزيرة ساموس عام 341. وشغف بالفلسفة وهوفي الثانية عشر من عمرهِ؛ ولما بلغ التاسعة عشر رحل إلى أثينة وقضى عاماً في مجمعها الفهمي، وكان كفرنسيس بيكن يفضل دمقريطس عن أفلاطون وأرسطو، وعنه أخذ بعض اللبنات التي شاد بها فلسفته، كما أخذ عن أرستبوس حكمة اللذة، وعن سقراط لذة الحكمة، وعن بيرون عقيدة الهدوء، واسمها الطنان الرنان أهجرسيا Ataraxia. وما من شك في أنه كان يرقب بكثير من الاهتمام حياة معاصره ثيودورس القوريني، الذي كان يخطب في أثينة داعياً إلى الخروج على الدين والأخلاق جهرة وفي صراحة جعلت الجمعية توجه إليه تهمة الإلحاد(15)- وكان درساً لم ينسه أبيقور قط. ثم عاد إلى آسية وأخذ يلقي محاضرات في الفلسفة في كلوفون Colophon. وقد بلغ من تأثر اللمبسكيين بآرائه وأخلاقه حتى شعروا بوخز ضميرهم على أنانيتهم إذ يحتفظون به في مدينتهم النائية، فجمعوا مبلغاً من المال قدره ثمانون مينا (4000 ريال أمريكي)، واشتروا به بيتاً وحديقة في ضواحي أثينة، وأهدوهما إلى أبيقور ليكونا له مدرسة ومنزلاً. ولما بلغ أبيقور الخامسة والثلاثين من عمرهِ في عام 306 اتخذ هذه الدار مسكناً له وأخذ يفهم الأثينيين فلسفة لم تكن أبيقورية إلا في اسمها؛ وكان من أدلة تحرر النساء في ذلك الوقت أنه كان يرحب بهن حين يجئن للاستماع إلى محاضراته، بل كان يرحب بهن في الجماعة القليلة العدد التي كانت تسكن معه. ولم يكن يفرق بين الناس بسبب مراكزهم أوأجناسهم، فكان يقبل العاهرات والزوجات، والأرقاء والأحرار، وكان أحب تلاميذه إليه عبده ميسيس Mysis. وأضحت العاهر ليونتيوم Leontium عشيقته وتلميذته، ووجدت فيه رفيقاً شديد الغيرة كأنه قد حصل عليها بالطريقة القانونية المرسومة. وولدت منه طفلاً واحداً، وبتأثيره ألفت عدة خط لم يتأثر فيها أسلوبها بفساد أخلاقها.

وأما فيما عدا هذا فقد عاش أبيقور عيشة الرواقيين البسيطة، واتخذ له شعاراً "عش معتدلاً". وكان يؤدي واجبه في طقوس المدينة الدينية، ولكنه لم يلوث يديه بشؤونها السياسية، ولم يقيد روحه بشؤون العالم. وكان يقنع في غذائهِ بالماء وقليل من الخمر، والخبز والجبن. وكان منافسوه يتهمونه بأنه يملأ معدته بالطعام حين كان ذلك في مقدورهِ، وأنه لم يتعفف عن الإكثار منه إلا حين أتلف جهازه الهضمي بكثرة الأكل. ولكن ديجين ليرتيوس يؤكد لنا: "أن الذين يقولون هذا مخطئون جميعهم" ويضيف إلى ذلك قوله: "إن كثيراً من الناس ليشهدون بما ينطوي عليه قلب الرجل من شفقة، ليس بعدها شفقة، على الناس جميعاً- سواء في ذلك أهل بلاده التي كرمته بإقامة التماثيل، وأصدقاؤه الذين كانوا من الكثرة بحيث تضيق بهم مدن برمتها(17)". وكان باراً بأبويه، سخياً مع أخوته، رفيقاً بخدمة الذين كانوا يشهجرون معه في دراساتهِ الفلسفية. ويقول سكنا إذا تلاميذه كانوا ينظرون إليه نظرتهم إلى إله قائم بينهم، وكان شعارهم بعد موته هو: "عش كأن عين أبيقور ترقبك".

وقد عثر بين دروسه وحبه من الوقت ما يؤلف فيه ثلاثمائة كتاب. وحفظ لنا رماد هركيولانيوم بتراً متفرقة من أبرز كتاب له وهوالمسمى "في الطبيعة". وورث المتأخرون عن ديجين ليرتيوس، أفلوطرخس الفلسفة، ثلاثة من خطاباتهِ، وأضافت إليها الاستكشافات المتأخرة عدداً آخر من هذا كله حتى لكريشيوس خلد أفكار أبيقور في قصيدة له تعد أعظم القصائد الفلسفية على الإطلاق.

ولعل أبيقور قد استوعب وقتئذ حتى فتوح الإسكندر كانت تطلق من الشرق على بلاد اليونان ما لا يحصى من الطقوس الغامضة الخفية، فبدأ بتقرير المبدأ القائل إذا هدف الفلسفة هوحتى تحرر الناس من الخوف- وخاصة من خوف الآلهة؛ وهويكره الدين لأن الدين، في رأيهِ، يقوم على الجهل، ويزيده، ويظلم الحياة بما يبثه في النفس من رهبة جواسيس السماء، والأقدار الصارمة القاسية، والعقاب الذي لا يقف عند حد. ويقول أبيقور إذا الآلهة موجودة، وأنها تستمتع في مكان بعيد بين النجوم بحياة صافية هادئة منزهة عن الموت، ولكنها أعقل من حتى تشغل نفسها بشؤون البشر وهم ذلك النوع الصغير التافه من الخلائق. وليست الآلهة هي التي أنشأت العالم وليست هي التي ترشده وتسيره. وكيف يستطيع هؤلاء الأبيقوريون المقدسون حتى يخلقوا هذا العالم الوسط، وهذا المشهد المسكون من خليط من النظام والفوضى؛ والجمال والألم(10)؟؛ يضيف أبيقور إلى ذلك قوله: "فإن كان هذا لا يرضيكم، فلتعزوا أنفسكم بأن تفكروا في حتى الآلهة بعيدة عنكم بعداً لا تستطيع معه حتى تضركم أوتنفعكم، ذلك أنها لا تستطيع حتى تراقبكم، أوحتى تحكم على أعمالكم، أوحتى تقذف بكم إلى الجحيم. أما الآلهة الخبيثة أوالشياطين فهي أوهام تسعة تصورها لنا أحلامنا".

وبعد حتى رفض أبيقور الدين رفض أيضاً الميتافيزيقا. وحجته في هذا أننا عاجزون عن فهم شيء عن العالم الذي لا تدركه الحواس؛ ولذلك يجب ألا نشغل عقولنا بغير التجارب الذي تدركها الحواس، وأن نعد هذه التجارب آخر محك للحقيقة. ويجمع أبيقور في جملة واحدة جميع المسائل التي ناقشها لك Locke وليبنتز Leibnitz بعد ألفي عام من ذلك الوقت: إذا لم تأتِ الفهم من الحواس، فمن أي طريق آخر تأتي إذن،يا ترى؟ وإذا لم تكن الحواس هي الحكم الأخير في الحقائق، فكيف نجد هذا الحكم في العقل الذي لا تصل إليه المعلومات إلا عن طريق الحواس؟.

ومع هذا فهويرى حتى الحواس لا تمدنا بمعلومات أكيدة عن العالم الخارجي، فهي لا تمسك بالذرات الدقيقة التي يقذف بها جميع جزء من سطحهِ، والتي تطبع على حواسنا نسخة صغيرة من طبيعته وشكله فإذا كان لا بد لنا والحالة هذه حتى نكون لأنفسنا نظرية عن العالم (وليس تكوين هذه النظرية في واقع الأمر ضرورياً) فخير لنا حتى نأخذ برأي دمقريطس القائل بأن لا شيء موجود، أويمكن حتىقد يكون معروفاً لنا، بل لا شيء يمكن حتى نتخيله، اللهم إلا الأجسام والفضاء، وبأن الأجسام كلها تتألف من ذرات لا تنقسم ولا تتغير... وليس لهذه الذرات لون، ولا حرارة، ولا صوت، ولا ذوق، ولا رائحة. وإنما تنتج كلها من الكريات المشعة من الأجسام والتي تلقى على أعضاء الحس في أجسامنا. ولكن الذرات تختلف في حجمها، ووزنها وشكلها؛ لأن هذا الفرض وحده هوالذي نستطيع حتى نفسر به بين الأمور من اختلاف لا آخر له. وكان أبيقور يحب حتى يفسر عمل الذرات على مبادئ آلية خالصة، ولكنه لما كان مولعاً بالأخلاق أكثر من ولعهِ بنظام الكون، ولما كان حريصاً على حتى يستمسك بحرية الإدارة بوصفها مصدر التبعة الأخلاقية ونادىمة الشخصية، فإنه يهجر دمقريطس معلقاً بين السماء والأرض، ويفترض وجود نوع من التلقائية في الذرات: فهي تحيد قليلاً عن الخط العمودي حين تهوي في الفضاء، وبهذا تدخل في التراكيب التي تتكون منها الأركان (العناصر) الأربعة، والتي تتكون منها- عن طريق هذه الأركان- المشاهد الخارجية(20). وهناك عوالم كثيرة، ولكن ليس من العقل في شيء حتى نشغل بها أنفسنا. وفي وسعنا حتى نفترض حتى حجمي الشمس والقمر يقربان من حجميهما اللذي يبدوان لنا، فإذا عملنا هذا كان في مقدورنا حتى نصرف وقتنا في دراسة الإنسان.

والإنسان نتاج طبيعي في جزئياته ومجموعه. وأكبر الظن حتى الحياة قد بدأت بالتوالد التلقائي، ثم ارتقت على غبر خطة مرسومة بالانتخاب الطبيعي لأصلح الأشكال(21). وليس العقل إلا نوعاً آخر من المادة، والروح جسم مادي رقيق منبث في جميع أجزاء الجسم(22)، وهي لا تستطيع حتى تحس أوتعمل إلا بواسطة الجسم، وتموت بموتهِ. ولكن علينا بالرغم من هذا كله حتى نقبل ما ندركه إدراكاً مباشراً من أننا أحرار فيما نريد، وإلا كنا ألاعيب على مسرح الحياة لا قيمة لها ولا معنى لوجودها. وخير لنا حتى نكون عبيداً للآلهة التي يقول بها الخلق، من حتى نكون عبيداً للأقدار التي يقول بها الفلاسفة(23).

على حتى وظيفة الفلسفة الحقيقية ليست هي تفسير العالم، لأن الجزء لا يستطيع قط حتى يفسر الكل، بل وظيفتها حتى تهدينا بحثنا عن السعادة. "وليس الذي نضعه نصب أعيننا هومجموعة من النظم والآراء التي لا جدوى منها، بل الذي يجب علينا حتى نعنى به هوالحياة المبرأة من جميع نوع من أنواع الجزع والاضطراب(24)". وقد خطت على مدخل حديقة أبيقور تلك الخرافة الجذابة "أيها الزائر، ستكون هنا سعيداً، لأن السعادة هنا تعد أعظم خير"؛ وليست الفضيلة في هذه الفلسفة غاية في ذاتها، بل هي وسيلة لا بد منها للوصول إلى الحياة السعيدة(25). وليس في وسع الإنسان حتى يحيا حياة سارة من غير حتى يحيا حياة تتصف بالفطنة، والشرف والعدالة؛ وليس في وسعه حتى يحيا حياة متصفة بالفطنة والشرف والعدالة من غير حتى يحيا حياة سارة(26)". وليس في الفلسفة إلا قضيتان اثنتان مؤكدتان، وهما حتى اللذة خير ،وأن الألم شر؛ والملاذ الجنسية في ذاتها مشروعة، وستجد الحكمة لها مكاناً فيها؛ غير أنه لما كانت هذه الملاذ قد تؤدي إلى عواقب وخيمة، فإنها في حاجة إلى جهاد حصيف فطين لا يستطيعه إلا صاحب الذكاء. "فإذا قلنا إذن اللذة هي أعظم خير، فلسنا نقصد بذلك لذات الرجل الفاجر الداعر، أواللذات التي تقع في مجال المتعة الجنسية... ولكننا نقصد تحرر الجسم من الألم، والروح من الانزعاج. ذلك حتى الشراب والمرح الدائمين أوالاستمتاع بصحبة النساء أوولائم السمك وغيره من الأطعمة الغالية ليست هي التي تجعل الحياة سارة لذيذة، بل يجعلها كذلك هوالتفكير الهادئ الرزين، الذي يفحص عن مسببات اختيار هذا الشيء وتجنب ذاك، والذي يطرد الأفكار الباطلة التي ينشأ عنها معظم ما يزعج النفس من اضطراب.

ونخلص من هذا إذن إلى حتى الفهم ليس هوأسمى الفضائل فحسب، بل إنه أيضاً أسمى أنواع السعادة، لأنه يعيننا أكثر مما تعيننا أية موهبة أخرى من مواهبنا على تجنب الألم والحزن. والحكمة هي وسيلتنا الوحيدة إلى الحرية: فهي تحررنا من رق الانفعالات، ومن خوف الآلهة، والفزع من الموت؛ وهي تفهمنا كيف من الممكن أن نتحمل مصائب الدهر، وكيف نستمد من طيبات الحياة البسيطة ولذات العقل الهادئة لذة عميقة خالدة. وليس الموت مخيفاً رهيباً كما نظنه إذا نظرنا إليه نظرة عاقلة قائمة على الذكاء والفطنة؛ فقد يحدث ما ينطوي عليه من الألم أقصر أمداً وأخف سقطاً مما عانيناه المرة بعد المرة في أثناء حياتنا. والذي يخلع على الموت ما يعلق به من رهبة هوأوهامنا السخيفة عما قد يحدث وراء الموت. ثم انظر إلى القليل الذي تحتاجه القناعة الحكيمة- إنها لا بحاجة إلا إلى الهواء الطلق، وأرخص الطعام، ومأوى متضع، وفراش، وقليل من الخط، وصديق "وكل شيء طبيعي يسهل الحصول عليه، والعديم النفع وحده هوالكثير النفقة". وعلينا ألا نقضي حياتنا في نكد مستمر نحاول حتى نحقق جميع شهوة تطوف برؤوسنا: "وفي وسعنا حتى نغفل الشهوات متى كان عجزنا عن إشباعها لا يسبب لنا ألماً بحق(29)"، وحتى الحب، والزواج، والأبوة أمور يمكن الاستغناء عنها، فهي تعود علينا بلذائذ متبترة، وبحزن لا ينتهي أبداً(30). وإذا تعودنا المعيشة البسيطة، والأساليب غير المعقدة، فذلك طريق لا يكاد يخطئ يوصلنا إلى صحة الجسم(31). والرجل الحكيم لا يحترق قلبه بالمطامع أوشهوة الصيت؛ وهولا يحسد أعدائه على ما نالوه من حظ طيب، بل إنه لا يحسد أصدقائه على هذا الحظ؛ وهويتجنب ما في المدينة من حمى المنافسات وضوضاء المنازعات السياسية، بل يطلب هدوء الريف، ويجد أوكد السعادة وأعمقها في هدوء الجسم والعقل. ولما كان هوالمسيطر على شهواتهِ، فإنه يعيش بعيداً عن الانادىء الكاذب، ويطرح وراءه جميع المخاوف، وتجزيه "حلاوة الحياة" Hedone الطبيعية بأعظم أنواع الخير وأعلاها شأناً وهوالسلم.

تلك عقيدة شريفة جديرة بالحب، ومما يملأ النفس شجاعة حتى يجد المرء فيلسوفاً لا يخاف اللذة ومنطقياً ليه حدثة طيبة يقولها عن الحواس. وليس في هذا الكلام غموض وليس فيه تمجيد شديد للفهم، بل إذا الأبيقورية، على الرغم من أنها هي التي نقلت النظرية الذرية من العهد القديم إلى العصر الحديث، كانت نقطة تحول من نزعة النشوف القوية التي أنشأت الفهم اليوناني والفلسفة اليونانية. وأكبر عيب في هذه الفلسفة هوسلبيتها: فهي تفكر في اللذة على أنها التحرر من الألم، وفي الحكمة على أنها فرار من مخاطر الحياة وامتلائها؛ وهي خطة صالحة طيبة للفردية ولكنها لا تصلح للمجتمع. وكان أبيقور يحترم الدولة لأنه يراها شراً لا بد منه، يستطيع تحت حمايتها حتى يعيش آمناً من الأذى في حديقته، ولكن يظهر أنه لم يكن يعنى بالاستقلال القومي، بل يظهر حتى مدرسته كانت في واقع الأمر تفضل الملكية المطلقة عن الديمقراطية، لأن الأولى أقل من الثانية ميلاً إلى اضطهاد الإلحاد(32)- وهوقلب للعقائد الحديثة يستلفت الأنظار. وكان أبيقور على استعداد لأن يقبل أية حكومة لا تضع أية عقبة في سبيل طلب الحكمة والصداقة طلباً مطلقاً من القيود والعوائق. وكان إخلاصه للصداقة يعدل إخلاص الأجيال التي سبقته للدولة: "إن الصداقة أبرز الوسائل التي تهيئها الحكمة لسعادة الحياة بأجمعها(33)". وكانت صدقات الأبيقوريين مضرب المثل في دوامها، ورسائل زعيمهم مليئة بعبارات الحب الخالص القوي(34). وقد بادله مريدوه هذا الشعور بالقوة التي نعهدها في مشاعر اليونان. وحسبنا دليلاً على هذا حتى الشاب كولوتيز Colotes حين سمع أبيقور لأول مرة خر راكعاً، وبكى، وحياه بأنه إله(35). وظل أبيقور ثلاثين عاماً يفهم في حديقته ويفضل المدرسة عن الأسرة حتى إذا كان عام 270 قاسى أشد الآلام من حصوة في المثانة، ولكنه تحمل الألم بصبر عجيب، ووجد وهوعلى فراش الموت متسعاً من الوقت للتفكير في أصدقائهِ: "أخط إليكم في هذا اليوم السعيد الذي هوآخر أيام حياتي. إذا انسداد مثانتي، وآلامي الداخلية قد وصلا إلى غايتهما، ولكنهما يقف في سبيلهما ابتهاج عقلي حين أفكر في حديثي معكم. اعتنوا بأطفال متردوروس العناية الخليقة بإخلاصكم لي وللفلسفة طوال حياتكم"(36). وأوصى بما يملك للمدرسة راجياً "ألا يشعر أي واحد من الذين يدرسون الفلسفة بالحاجة... على قدر ما تصل إليه قوتنا لمنعها"(37).

وهجر أبيقور وراءه مريدين خلف بعضهم بعضاً زمناً طويلاً، وقد بلغ من وفائهم لذكراه حتى ظلوا قروناً طوالاً يأبون حتى يغيروا حدثة واحدة من تعاليمهِ. وكان أشهر تلاميذه كلهم مترودوروس اللمبسكي Metrodorus of Lampascus، وقد أدهش بلاد اليونان كلها أوأثار ضحكها بتلخيصهِ الأبيقورية كلها في قولهِ إذا "كل الطيبات ذات صلة بالبطن"(38)، ولعله كان يقصد بهذا حتى الملاذ كلها جسمية وأنها في آخر الأمر معوية. ورد عليهِ كريسبوس بتسميتهِ فهم البطنة الذي تخصص فيهِ أركستراتوس "مركز الفلسفة الأبيقورية"(30). وأساء الجمهور فهم الأبيقورية فنددوا بها علناً وساروا على سننها في أوساط كبيرة في جميع أنحاء هلاس. واتبعها كثيرون من اليهود الهلنستيين، وبلغ من كثرتهم حتى أضحت حدثة أبيقور عند الأحبار مرادفة لحدثة مرتد عن الدين(40). وفي عام 137، أو155 أخرج من رومة اثنان من فلاسفة الأبيقوريين بحجة أنهم كانوا يفسدون أخلاق الشباب(41). وبعد مائة عام من ذلك الوقت ألقى شيشرون هذا السؤال: "لماذا كان لأبيقور أتباع بهذه الكثرة؟"(42)، وخط لكريشيس أكمل وأظرف عرض بقي حتى الآن للطريقة الأبيقورية. وظل لمدرستهم أتباع ينتمون إليها جهرة إلى عهد قسطنطين، منهم من سوأ اسم أستاذه فجعله مرادفاً للنهم في المأكل والمشرب، ومنهم من ظل أميناً يفهم الحكم البسيطة التي لخص فيها فلسفته "الآلهة لا ينبغي حتى تخاف؛ والموت لا يمكن الشعور به؛ والخير يستطاع نيله؛ وكل ما نرهبه يمكن التغلب عليهِ"(43).


مشاهير الإپيقوريين

الاستخدام الحديث والمفاهيم الخاطئة

أپيقور

الهوامش

المصادر

  • ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)
  • Stevenson, Jay. The Complete Idiot's Guide to Philosophy. 3. Indianapolis: Alpha Books, Penguin Group, 2005.
  • Howard Jones, The Epicurean Tradition, Routledge, London 1989.
  • Long, A.A. & Sedley, D.N. The Hellenistic Philosophers Volume 1, Cambridge University Press, 1987. (ISBN 0-521-27556-3)

قراءات إضافية

  • Zeller, Eduard; Reichel, Oswald J., , Longmans, Green, and Co., 1892


وصلات خارجية

  • Epicureans on PhilPapers
  • Epicurus.info - Epicurean Philosophy Online
  • Epicurus & Epicurean Philosophy
  • The Epicurean Garden of Contentment
  • Karl Marx's Notebooks on Epicurean Philosophy
  • Marx's Doctoral Dissertation On the Difference between the Democritean and Epicurean Philosophy of Nature
تاريخ النشر: 2020-06-04 09:23:54
التصنيفات: Pages with citations using unsupported parameters, إبيقورية, فلسفة هيلينية, مذاهب فلسفية, فلسفة العصر الروماني, منطق

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

السودان: قوات الدعم السريع تعلن سيطرتها على مطار غربي الخرطوم

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-10-31 06:07:26
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 86%

آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /31.10.2023/

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-10-31 06:07:38
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 86%

بنك الشركة العامة: توظيف أطر وأطر عليا في عدة مجالات وتخصصات

المصدر: الوظيفة مروك - المغرب التصنيف: وظائف وأعمال
تاريخ الخبر: 2023-10-31 03:24:57
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 85%

20 مليار ريال القيمة السوقية للتعليم الأهلي السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-10-31 03:24:25
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 50%

ميسي يفوز بالكرة الذهبية للمرة الثامنة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-10-31 03:24:24
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 62%

ختام دورة الألعاب العالمية القتالية بحضور بن جلوي - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-10-31 03:24:21
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 68%

35 دولة تشارك في معرض البناء السعودي السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-10-31 03:24:26
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 52%

96.3% زيادة المستثمرين بالصناديق الاستثمارية السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-10-31 03:24:29
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 57%

«خصخصة» المطارات والخدمات الأرضية.. ورفع جودتها - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-10-31 03:24:16
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 55%

مندوب الأردن بمجلس الأمن: لن تتوقف أعمال القتل طالما تسمع إ

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-10-31 03:22:16
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 54%

بدء تطبيق جدول الجزاءات المحدث بأنشطة الصحة - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-10-31 03:24:17
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 52%

مواعيد القطارات المتجهة من الإسكندرية إلى محافظات الصعيد

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-10-31 03:22:04
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 41%

هل تناول الدجاج يرفع الكوليسترول؟ - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-10-31 03:24:18
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 58%

157 دولارا للنفط في أسوأ سيناريو للبنك الدولي السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-10-31 03:24:27
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 57%

مكتب نتنياهو: المساعدات الإنسانية تتيح لإسرائيل تحقيق أهدافه

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-10-31 03:22:22
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 68%

ميسي يعانق الثامنة - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-10-31 03:24:22
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 51%

17مليار ريال استثمارات في قطاع الدواجن السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-10-31 03:24:28
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 70%

سلوفاكيا تعزّز مراقبة حدودها مع المجر لمكافحة الهجرة غير الشرعية

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-10-31 06:07:25
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 91%

سي إن إن: جهود إخراج الرهائن من غزة تعقدت بسبب العملية البري

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-10-31 03:22:27
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 68%

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية