السريان (شعب)

عودة للموسوعة

السريان (شعب)

دورها في نقل العلوم اليونانية إلى السريانية أولاً ثم إلى العربية، وشكل هذا الدور مثاقفة حضارية، و«جسرًا» بين العالمين اليوناني الغربي، والعربي الشرقي، ومعلوم حتى علوم اليونان وفلسفتهم وبعضًا من آدابهم وصلت إلى أوربا بفضل أولئك النقلة في العصرين الأموي والعباسي، وخلال فترة وجود العرب في اسبانيا، حيث حتى الكثير من النصوص ذات الأصل اليوناني قد وصلت إلى أوربا بفضل نقلها من العربية إلى اللاتينية في القرن الناثي عشر الميلادي، وترجمة النصوص السريانية الموجودة مخطوطاتها بكثرة في الكثير من الكنائس والأديرة والأماكن في سورية ولبنان سينشط فكرة إعادة صياغة للتاريخ المتبادل بين أوربا والعرب، وسيؤدي إلى مزيد من التفاهم والوعي بينهما.

لقد ثبت من خلال الدراسات التي نشرت حول السريانية، قربها الشديد من اللغة العربية، وكانت في الأصل «الآرامية» قبل ميلاد السيد المسيح (عليه السلام) التي ظلت لغة التواصل الرئيسة في العالم القديم منذ القرن السابع قبل الميلاد حتى القرن السابع الميلادي، وقد شهدت هذه اللغة، مولد عدد النصوص والأعمال الأدبية، أقدمها «سيرة أحيقار» الحكيم الآرامي- التي لاتزال شذرات منها محفوظة على ورق البردي منذ القرن الخامس قبل الميلاد.

تتكون «سيرة أحيقار» من إطار روائي ومجموعتين من الأمثال، ويرى العالم في اللغات القديمة «سيباستيان بروك» حتى هذه السيرة أقدم من القرن الخامس بكثير.. لقد كان لها شعبية كبيرة على مرّ القرون، وتمت ترجمتها إلى مختلف اللغات (مصرية- يونانية)، وإلى عدد كبير من اللغات في القرون الوسطى.

لقد ورثت السريانية، الآرامية، منذ القرن الرابع الميلادي، ونستشف من «سيرة أحيقار» أنها وصلت إلى السريانية مباشرة من لهجة آرامية أقدم، وقد أطلق مصطلح «السريان» و«السريانية» منذ القرنين الثاني والثالث الميلادي، على الآراميين وعلى الآرامية، أي على اللغة والثقافة اللتين سادتا المنطقة، وتجلّتا في أدب رفيع، خصوصًا في منطقة الرُها السورية حيث تطورت اللغة بصورة مستقلة وفرضت نفسها كلغة مكتوبة مزدهرة بفنونها، بعد حتى أصبح سكان المقاطعة مسيحيين وجعلوها لغة الناس والكنيسة، بها وعظ وخط «الإكليروس» وقد أثّرت هذه اللهجة في المدن والقرى المسيحيّة المنتشرة في طول بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام، وصارت لغة رسمية لهم، ولها يعود الإرث الأكبر من أدب هذه اللغة، بينما بقي الإسم الآرامي القديم غير مستحب ومرتبطًا بالوثنية، وبالتالي يحسب السريان أنفسهم ورثة الآراميين مباشرة، والتسمية الحالية «السريان» أتت من سورية، موطنهم الأصلي.

بسبب الانقسامات الممضىية التي حصلت في القرن الخامس الميلادي. سمي بعض السريان، بالسريان الشرقيين، نسبة إلى شرق نهر الفرات حتى إيران، وهم الكلدان والآشوريين، تمييزًا لهم عن السريان الغربيين، نسبة إلى غرب نهر الفرات وحتى البحر المتوسط، وهم الموارنة والسريان الأرثوذكس والسريان الكاثوليك والروم الأرثوذكس والروم الكاثوليك الذين كانوا في الماضي يتحدثون السريانية، واتخذ جميع من الشرقيين والغربيين نمطًا متميزًا في كتابة اللغة السريانية ولفظها.

واستنادًا إلى ما تقدم يمكن تحديد مواطن السريان، شرقًا: بلاد فارس، غربًا: البحر المتوسط، وشمالاً (آسيا الصغرى)، وجنوبًا: شبه الجزيرة العربية، ومن المدن المهمة التي كانوا فيها: مراغة، أورميا، سُوسة، آفاميا جنديسابور، الأحواز، طرابلس، بيروت، سُميساط، الرُها، منبج، قنسرين، سروج، الرقة، البتراء، وديار بكر، ماردين، رأس العين، دهوك، المجدل.. وغيرها من المدن التي لا تزال حتى اليوم تحمل الاسم السرياني..

وعندما نذكر السريانية، نذكر اللغة السريانية، التي كان العرب يدرسونها، يقول الباحث سليم مطر: «لقد طورت اللغة العربية نفسها وكونت نحوها من خلال تجربة اللغة السريانية» وقد يحدث هذا التأثير حصل عندما اعتنق قسم من الآراميين (السريان) الإسلام، وأصبحوا موالين لإحدى القبائل العربية، يقول المطران لويس ساكو: «للسريان إسهام واسع في الرصيد الحضاري الإقليمي مع العرب أبناء عمومتهم، فهم يشكلون حالة متميزة في التفاعل الثقافي في العالم، وتعترف جميع المصادر التاريخية القديمة والحديثة بدورهم المرموق في عملية الترجمة والنهضة الكبرى التي قادها الخلفاء العباسيون، فقد قاموا بنقل ما لا يحصى من الخط من اليونانية إلى السريانية، ثم إلى اللغة العربية».

لم يكن السريان مجرد نقلة، بل كانوا عنصر إبداع حقيقي، فقد أضافوا إلى ما نقلوه خبرتهم، ومعارفهم، وطوروه، ورفدوا العالم بكل نافع من العلوم والفقه والفلسفة والمنطق والطبيعة والرياضيات والفلكيات والطب والفيزياء والكيمياء والهندسة والعمارة والموسيقا، والأدب والزراعة والتجارة، وكان لنشاطهم الاقتصادي والثقافي والتجاري والاجتماعي، الأثر البليغ في الدول الفارسية، ثم في الدولة العربية، خصوصًا في العصر العباسي، حيث اهتم الخلفاء بالفهم والأدب والثقافة، فقاموا بإرسال الفرق لجمع الخط وترجمتها، وقام السريان بدور كبير في هذا المجال التي أقاموا مراكز حضارية وفهمية لنشر الفهم الدينية والمدنية، وأهم هذه المراكز كانت في إنطاكيه والرُها، ونصيبين، التي أفرزت مجموعة من مشاهير الفهماء مثل: حنين بين اسحاق، وأفرام السرياني، وأفراهاط الحكيم، ويعقوب السروجي، وبولس الرُقي، وأطباء آل بختيشوع، ويحيى بن عدي، ومتى بن يونس، ويوحنا بن حيلان وغيرهم..

لقد هجر هؤلاء الفهماء وغيرهم مجموعات كبيرة من الخط والمخطوطات الحافلة بالتراث الإنساني المدونة بالخط السرياني المسمّى «إسترانجيلي» التي نجدها في القرن الثالث الميلادي، مدونة في رقوق، وتحتوي الكتابة السريانية مثل جميع الكتابات الآرامية على /22/ حرفًا، ولا تخط إلى الحروف الصوامت، أوالمصوِّتات الطويلة، مفضية عن استخدام أشباه المصوّتات، وكذلك عن وضع علامات لبعض الحروف الحنجرية، لكن الكتاب استشعروا ضرورة تدوين جميع المصوتات (حروف العلة) بطريقة دقيقة، فوضعت منظومات من الحركات، ومنها تلك التي وضعها يعقوب الرهاوي في القرن السابع الميلادي.

ثمة أمر جدير بالملاحظة تتعلق بطريقة النسخ، على الأقل في العصور القديمة، حيث كانت الصفحة توجه أفقيًا، وكان الناسخ يخط عموديًا سطورًا تتجه من الأعلى إلى الأسفل، حتى ولوكانت القراءة تجري بعد ذلك أفقيًا، وفي المخطوطات السريانية كان الكتاب يستخدمون الرق حتى القرن العاشر الميلادي حيث حلّ الورق، وهواختراع صيني، في المشرق العربي، محل الرق، ويشار إلى حتى البردي استخدم أيضًا في تدوين الأدب السرياني، واستخدم الناسخون أنواعًا من الحبر الأسود تميل إلى حتى تصبح سُمرًا مع تقادم العهد.

يغطي مضمون المخطوطات السريانية جميع مجالات الأدب والثقافة، والقسم الأكبر منها ينتمي في مجمله إلى تلك التي كانت تستخدمها جماعات كنسية، فكل كنيسة وكل جماعة ورعية كانت تمتلك بعض المخطوطات، والقسم الآخر ينتمي إلى المخطوطات المخصصة للقراءة الفردية والدراسة وتضم الأدب السرياني، وكتابات آباء الكنيسة، ومجموعات العظات والمؤلفات الفلسفية أوالنحوية، والتفاعل الثقافي كان قويًا ومهمًا مع اللغة العربية، فمنذ القرن السابع الميلادي، صار مسيحيوسورية وبلاد الرافدين يعتمدون على اللغة العربية في المخطوطات السريانية، تحت أشكال مختلفة، وكانت النصوص ثنائية اللغة موجودة أيضًا، أي مكررة باللغتين.

وثمة ظاهرة خاصة يجب حتى نشير إليها، وهي استعمال المسيحيين نظام الكتابة الكرشونية (أصل حدثة كرشوني ما زال موضع خلاف) فبعدما صار المسيحيون ينطقون باللغة العربية حافظوا، مع ذلك، على كتابتها بالأحرف السريانية، لكن هذا النظام لم يكن كثير التجانس وفق رأي الأب فرانسوا بريكل شاتونيه، لأن الأبجدية السريانية تحتوي /22/ حرفًا، فيما الألف باء العربية تحتوي /28/ حرفًا، فكانت بعض بالحروف السريانية تستخدم مكان حرفين أوثلاثة حروف عربية، الأمر الذي يزيد الغموض في لغة خالية من المصوتات، وليست العربية اللغة الوحيدة التي تظهر في المخطوطات السريانية، أوالكرشونية، فحسب الأماكن التي تجذرت فيها أيضًا الكنائس السريانية، نجد أيضًا مخطوطات يكرشن فيها الخط السرياني نصوصًا هجرية أوإيرانية أوهندية.

يعد الشعر أحد مفاخر الأدب السرياني، وإحدى أقدم المقطوعات الأدبية الباقية فيه «أنشودة اللؤلؤة في أعمال توما» تعبير عن شعر، وقد استمر في الكتابة المعاصرة بالسريانية الكلاسيكية.

المبدأ الأساسي للشعر السرياني وفق دراسة حديثة لعالم اللغات الشرقية القديمة «سباستيان بروك» هوحساب التفعيلات، أما الطول والنبرة، وهما المبدآن الساريان في لغات كثيرة أخرى، فلا قيمة لهما في الشعر السرياني، ويستخدم الكتّاب الأوائل من السريان لونين مختلفين من الشعر: المبتري، والثنائي، ومن الواضح حتى اللون الأول، كان يغنّى، حيث يشار عادة إلى عناوين الألحان.. ويقل نسبيًا عدد الكتّاب السريان الذي خطوا بالتحديد في الشعر وأوزانه المتنوعة بعد القرن التاسع الميلادي.

أقدم شاعر سرياني هو«برديصان-222م» المعروف باسم «الفيلسوف الآرامي» الذي لم يبق من شعره سوى اقتباس قصير جدًا عند الشاعر والأديب والفيلسوف «أفرام- 373م» الذي أبلغنا حتى «برديصان» قد نظم /150/ قصيدة، وكان «برديصان» متضلعًا في الفهم اليونانية، وهوأول من ذلّل لسان وطنه للأوزان الشعرية والقوانين الموسيقية، ويأتي بعده «أفرام» الذي أصبح شاعرًا عالميًا، وقد تظل من أعماله نحو/400/ من المخطوطات التي يعود تاريخها إلى الفترة الواقعة بين القرنين السادس والسابع الميلاديين، ومن أشهرها «قصيدة اللؤلؤة» التي يقول فيها:

«ذات يوم، يا إخوتي، التقطت لؤلؤة في يدي،

فيها لمحت رموزًا تحكي عن الملكوت،

صورًا، ورموزًا لجلال الله.

ثم صارت نبعًا

منه رموز الابن».

بلغ الشعر السرياني أوجه في القرون، الرابع والخامس والسادس والسابع الميلادي، ومن الشعراء الذين بقيت أعمالهم: نرساي الآشوري، الذي امتدت حياته فضمت القرن الخامس الميلادي كله، ويعقوب السروجي الذي توفي سنة 521 ميلادي، وسمعان الفاخوري، الذي أثّرت أناشيده البسيطة التي كان ينشدها، وهويعمل على دولاب الفخاري في نفس يعقوب السروجي أشد الأثر، وما حتى يطالعنا القرن السابع الميلادي، حتى يشعر المرء بفقدان النضارة، فيتخذ الشعر طابعًا تعليميًا نفعيًا أكثر من ذي قبل، كما يميل أيضًا إلى التبحّر في الفهم، وقد أنتجت القرون التالية الكثير من المؤلفين النابهين الذين خطوا الشعر مثل: جرجس أسقف العرب، وإلياس الأنباري، وسعيد ترصابوني.

وكان الشعر الأخلاقي محببًا بشكل خاص في الأدب السرياني، ومن الأمثلة الكثيرة عليه، كتاب «التعليمات» لإيليا الأنباري، الذي يعطينا فكرة جيدة عن الأسلوب المقتضب الساخر، يقول:

«الخبز المكتسب بالعرق يلذ لمن يعمل في الأرض،

أما للعامل من أجل الحق، فالجهاد في سبيل العدل أفضل،

أفخر بالحسب والنسب، أقصد ما للروح لا ما للحسد،

فإن حفظت الروح رونقها، فهذا في حد ذاته نسب عريق،

إذا تضايق منك جار، فثار عليك بحدثات غاضبة،

حافظ على مظهر المحبة في وجهه، من الممكن أنك تنال فائدة مضاعفة».

المصادر

  1. ^ د. علي القيم (2009-07-25). "السريان نقلة حضارات وجسر بين العالمين اليوناني الغربي، والعربي الشرقي". الباحثون (مجلة). Retrieved 2010-06-03.
تاريخ النشر: 2020-06-04 08:44:47
التصنيفات: سكان سوريا, شعوب سامية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

أسعار بيع المواد الغذائية الأساسية بجهة مراكش آسفي ليومه السبت

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-19 12:15:25
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 43%

روسيا تستخدم السلاح الذي أعجز أنظمة الدفاع الجوي

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-19 12:15:22
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 42%

ميسي يختار التحدي ويحدد موقفه مع باريس سان جيرمان

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-03-19 12:16:21
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 70%

مصير كوتينيو من العودة إلى برشلونة مرتبط بنادي برايتون

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-03-19 12:16:17
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 55%

مكارثي: "الرجاء كان أفضل منا وأثبت لماذا فاز بهذه المسابقة عدة مرات"

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-03-19 12:16:16
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 68%

ميتر جيمس يعرض فيلته في مراكش للبيع و هذا هو السعر المطلوب

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-19 12:15:28
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 45%

بشار الأسد في زيارة تاريخية لدولة لإمارات العربية

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-19 12:16:31
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 90%

لم يخسر منذ 2020.. السد بطلٌ لا يقهر في الدوري القطري

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-19 12:16:34
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 88%

المغاربة يتصدرون قائمة المجنسين في الاتحاد الأوروبي 

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-19 12:15:26
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 41%

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية