علوم الرومان

عودة للموسوعة

علوم الرومان

كان سنكا الأصغر عالماً طبيعياً بجانب كونه فيلسوف ورجل دولة. ذلك انه أخذ يسلي نفسه في السنين الخصيبة الواقعة بين اعتزاله شؤون الحكم وموته بالتفكير في المسائل الطبيعية كالبحث عن تفسير للمطر، والبرد، والرياح، والمذنبات، وأقواس قوس قزح والزلازل، والأنهار، والينابيع، وقد أشار في مسرحية ميديا Medea إلى الوجود قارة أخرى على الجانب الآخر من المحيط الأطلنطي(60). وبنفس هذه اللقانة الطبيعية خط وهويتأمل ملايين النجوم في السماء: "كم من كرات تتحرك في أعماق الفضاء لم تصل بعد إلى عيون بني الإنسان"(61). ثم يضيف إلى هذا وكأنه قد كشف عن بصره الغطاء: "كم من أشياء سيتفهمه أبناؤنا ولا نستطيع الآن حتى نتصورها في خيالنا!-وكم من أشياء أخرى ستظل مجهولة مئات السنين بعد حتى تنسى أسماؤنا!...ويدهش أبناؤنا من جهلنا"(62)، ولقد صدق في قوله هذا، فنحن يدهشنا جهله. ذلك حتى سنكا رغم بلاغته لا يضيف شيئاً إلى ما نطقه أرسطاطاليس وأراتس Aratus، وهويستعير الشيء الكثير من بوسيدونيوس Poseidonius. ويؤمن بأن في مقدور الإنسان حتى يتنبأ بالغيب بالرغم من معارضة شيشرون لهذه العقيدة، ويتورط في بيان العلل النهائية للمعلولات مخالفاً بذلك عقيدة لكريشيوس، وكثيراً ما يبتر أقواله الفهمية بما يضيفه فيها من وصايا أخلاقية، فهوبنتقل بحذق عظيم من الكلام على بلح البحر إلى الكلام في الترف، ومن المذنبات إلى مسببات الانحطاط. وكان آباء الكنيسة يحبون هذا الخلط بين الأجرام السمأوية والأخلاق، ولذلك جعلوا كتاب المسائل الطبيعية أشهر كتاب فهمي في العصور الوسطى.

وكان في رومة عدد قليل من الرجال ذوي النزعة الفهمية والولع بالعلوم، ومن هؤلاء فارو، وأجربا، وبمبنيوس ميلا Pomponius، وسلسس Celsus، ولكن فهمهم لم يكن يتعدى نطاق تقويم البلدان، وفلاحة البساتين، والطب.أما فيما عدا هذا فلم يكن الفهم الطبيعي قد انفصل بعد عن السحر، والخرافات، والدين، والفلسفة، وكان قوامه ما تجمع من المشاهدات والروايات؛ وقلما كان يضم بحوثاً جديدة عن حقائق الأمور، وكانت التجارب فيه جد نادرة. وبقي الفلك حيث هجره البابليون واليونان، فكان الوقت يقاس بالساعات المائية، وبالمزأول، وبالمسلة الكبرى التي اختلسها أغسطس من مصر وأقامها في ميدان المريخ؛ وكان ظلها يقع على طوار نقشت عليه علامات من نحاس، تدل على ساعات النهار وعلى فصول السنة(63). وكان النهار والليل يحددان بشروق الشمس وغروبها، وينقسم جميع منها إلى اثنتي عشرة ساعة، وبذلك كانت تطول ساعة النهار، وتقصر ساعة الليل في فصل الصيف عنها في فصل الشتاء. وكان التنجيم من المعتقدات الشائعة التي يكاد يؤمن بها جميع إنسان. وفي هذا يقول بلني ان الناس كلهم في أيامه (70م) - السذج منهم والمتفهمون - يعتقدون ان مصير الانسان يقرره النجم الذي يولد هوساعة مطلعه(64). وكانوا يؤيدون هذه العقائد بـحجج طلية كقولهم إذا نموالنبات، مرده إلى الشمس ، ولعل فصول التزأوج عند الحيوانات مردها إليها كذلك، وإن خصائص الناس الجسمية والخلقية تتأثر بعوامل المناخ التي تتأثر هي أيضاً بالشمس، وإن أخلاق الأفراد ومصائرهم لا تختلف عن هذه الظواهر العامة في أنها نتيجة لأحوال جوية لا نعهدها حق الفهم. ولم يرفض أحد التنجيم إلا المتشككون أتباع الأقدمية المتـأخرة الذين أنكروا ما يدعيه رجاله من فهم، والمسيحيون الذين سخروا منه وأعدوه ضرباً من الوثنية. أما الجغرافية فكانت دراستها أكثر واقعياً وكان الغرض منها ان يستعان بها على الملاحة. وقد نشر بمبنيوس ميلا Mela Pomponius (43م) خرائط قسم فيها سطح الأرض إلى منطقة حارة في الوسط، ومنطقتين معتدلتين شمالية وجنوبية. وكان الجغرافيون الرومان يعهدون أوربا وشمالي آسيا الغربية، وشماليها الشرقي، أما سائر أجزاء العالم فكانت لديهم عنها أفكار غامضة، وأقاصيص خرافية غريبة. وقد وصلت السفن الأسبانية والأفريقية الصغيرة إلى جزائر مديرة Madeira وقناريا أوالخالدات (Canary) (65)، غير انه لم يقم في ذلك الوقت رجل مثل كولمبس ليحقق حلم سنكا.

وكان أوسع المنتجات الفهمية الإيطالية وأكثرها دلالة على الجد، وأبعدها عن الفهم السليم كتاب التاريخ الطبيعي Historia Naturalis(67) الذي وضعه كيوس بلنيوس سكندس Caius Plinius Secondus. وقد قضى كيوس حياته كلها تقريباً جندياً، ومحامياً، ورحالة، وحاكماً، وقائداً للأسطول الروماني في غربي البحر المتوسط، ولكنه رغم هذه المشاغل كلها ألف رسائل في الخطابة، والنحو، والحرب، وخط تاريخاً لروما، وتاريخاً أخر لحروب روما في ألمانيا، وسبعة وثلاثين "كتاباً" في التاريخ الطبيعي هي جميع ما بقي من هذا الفيض العظيم من المؤلفات. أما كيف من الممكن أن استطاع ان يعمل هذا كله في خمس وثلاثين سنة فيفسره خطاب خطه ابن أخيه يقول فيه:

لقد كان سريع الفهم، متحمساً حماسا لا يكاد يصدقها العقل، وله القدرة على هجر النوم منبترة النظير. وكان يستيقظ من نومه في منتصف الليل أوفي الساعة الواحدة صباحاً، ولم يحدث قط حتى ظل نائماً إلى ما بعد الساعة الثانية، ثم يبدأ عمله الأدبي... وقبل حتى يطلع النهار يمثل بين يدي فسبازيان، وكان هوأيضاً يختار ذلك الوقت لتصريف شؤون الدولة. فإذا انتهى من الأعمال التي عهدها إليه الإمبراطور عاد إلى منزله وواصل الدرس. وكان يتنأول في الظهيرة... وجبة خفيفة لا تستغرق إلا القليل من الوقت، فإذا كان الفصل صيفاً... فإنه كثيراً ما يستريح قليلاً في الشمس؛ ولكنه كان في أثناء ذلك يستمع إلى كتاب يقرأ له، ويقتبس منه بعض عبارات، ويخط عنه بعض مذكرات... وتلك كانت عادته في جميع ما يقرأ. وكان بعد ذلك يستحم عادة بالماء البارد، ويتنأول بعض المرطبات الخفيفة، ويستريح قليلاً، ثم يواصل الدرس حتى موعد العشاء، كأنه يبدأ يوما جديداً. وفي أثناء العشاء يقرأ له كتاب آخر يخط عنه مذكرات... تلك كانت خطته في الحياة وسط ضجيج المدينة وصخبها. أما في الريف فكان يقضي وقته كله في الدرس اللهم إلا حين كان يستحم عملاً. وحتى في ذلك الوقت الذي كان يدلك فيه جسمه ويجفف كان يستمع فيه إلى كتاب يقرأ له أويملي هوشيء من عنده. وكان يرافقه في أسفاره على الدوام محرر ملم بطريقة الاختزال يجلس معه في عربته أوفي هودجه... وقد لامني في يوم من الأيام على المشي ونطق لي: "لم يكن لك ان تضيع هذه الساعات" لأنه كان يرى حتى جميع وقت لا يصرف في الدرس وقت ضائع(66).

وكتابه هذا في جملته وتفصيله دائرة معارف خطها رجل واحد، وجمع فيها خلاصة فهم زمانه وأخطائه. زفي ذلك يقول: "إن الغرض الذي أرمي إليه هوحتى أعرض وصفاً عاماً لكل ما نعهد أنه موجود على سطح الأرض"(67). فهويبحث في عشرين ألف موضوع ويعتذر عما هجره من الموضوعات الأخرى، ويشير في هذا الكتاب إلى ألفي مجلد خطها 473 مؤلفاً، ويعترف بدينه إلى من عاد إليهم من الكتاب ويذكر أسمائهم جميعا بصراحة لا نظير لها في الأدب القديم، ويشير عرضاً إلى انه عثر حتى كثيراً من المؤلفين نقلوا أقوال من سبقوهم بنصها دون حتى يعترفوا بهذا النقل. أما أسلوب الكتاب فثقيل ممل وان كان منمقاً في بعض المواضيع؛ ولكننا ليس من حقنا حتى ننتظر حتى تكون دوائر المعارف جذابة الأسلوب ساحرته.

ويبدأ بلني بالكفر بالآلهة، ويظن أنها لا تعدوحتى تكون ظواهر طبيعية، أوكواكب سيارة، أوخدمات جسدت وألهت. والإله الأوحد في رأيه هوالطبيعة، أي مجموع القوى التي في الكون، ويلوح حتى هذا الإله لا يعنى عناية خاصة بالشؤون الدنيوية(68). ويرفض بلني في تواضع حتى يقيس الكون، وليس ما يورده من معلومات فلكية إلا خليطا من السخافات والمحالات (كقوله "إن الشمس في أيام الحرب التي شبت بين أكتافيان وأنطونيوس ظلت قائمة ما يقرب من عام كامل"(69))، ولكنه يشير إلى الشفق القطبي ويقدر الزمن الذي يستغرقه جميع من المريخ، والمشتري، وزحل في دورته بسنتين واثنتي عشرة سنة وثلاثين سنة على التعاقب، ويورد بعض البراهين على كرية الأرض(71). ويحدثنا عن جزائر خرجت من قاع البحر الأبيض المتوسط في أيامه، ويظن حتى صقلية وإيطاليا؛ وبوشيا وعوبيا؛ وقبرص وسوريا قد انفصلت جميع واحدة من الثانية بعمل مياه البحر على مدى الأحقاب الطوال(72). ويتحد عن أعمال التعدين الشاقة المذلة ويذكر في ألم وحسرة ان "كثيراً من الأيدي تبلى لكي يزين مشروح صغير(72)، ويتمنى ان لوكان الناس لم يعثروا على الحديد، لأنه جعل الحرب أشد هولاً مما كانت عليه قبل ان يعثروا عليه، "كأننا أردنا ان نعجل بموت الناس، فجعلنا للحديد أجنحة وفهمناه الطيران"(74) وهويشير بقوله هذا إلى القذائف الحديدية التي تجهز بريش من الجلد يساعدها على الاحتفاظ بخط سيرها. ويذكر كما يذكر ثيوفراستس Theophrastus تحت اسم انتراسيت Anthracitis "حجراً يحترق"(75)، ولكنه لا يذكر عن الفحم شيئاً غير هذا. ويشير إلى نوع من "الكتان لا يحترق" يطلق عليه اليونان اسم أزبستنون Asbestinon "ويستخدم فيه تحنيط جثث الملوك"، ويصف كثيرا من الحيوانات ويورد قوائم باسم حيوانات أخرى ويمتدح ذكاءها، ويذكر الكيفية التي يستطاع التحكم في نسلها، فنجعلها ذكوراً أوإناثاً طبقاً لإرادتنا: "فإذا أردت حتى تكون صغارها إناثاً فلتولي الأم وجهها نحوالشمال في أثناء الوثب"(76). وله أثنا عشر كتاباً عجيباً في الطب، أي في القيمة العلاجية لمختلف المعادن والنباتات، فالخط المرقومة من 20 إلى 25 كلها في النباتات الرومانية، التي انتقلت من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة، وأضحت بداية المعلومات النباتية في الطب الحديث. وعنده علاج لكل شيء من السُّكر والبَخَر(77) إلى "آلام العنق"(78). ويصف بعض منبهات الغريزة الجنسية(79). ويحذر النساء من العطس بعد الجماع خشية ان يجهضن لساعتهن، قبل ان يقمن من مقامهن(80). ويصف الجماع علاجاً للتعب، وبحة الصوت، وآلام الحقوين، وضعف البصر، والاكتئاب، واختلال القوى العقلية(81).

وقصارى القول حتى في هذا الكتاب دواء لكل داء وانه من هذه الناحية يضارع ما نطقه الأسقف بيركلي في فوائد ما القطران. ولكننا نجد في وسط هذا الهراء كثيراً من المعلومات النافعة وخاصة ما كان منها متصلاً بالصناعات القديمة والأخلاق والعقاقير، وفيه إشارات طريفة لعقيدة التأسل في الوراثة Atavism وإلى الزيت المعدني، وإلى تغيير الشخص بعد مولده من ذكر إلى أنثى أوالعكس.

ويحدثنا مسيانس Muscianus انه رأى في أرجوس Argos يوما من الأيام شخصاً كان يسمى وقتئذ أرسكون Arescon ولكنه كان يسمى قبل أرسكوزا Arescusa؛ وان هذا الشخص تزوج من قبل برجل، ولكنه لم يلبث ان نبتت له لحية، وبعض خصائص الذكران الأخرى، وانه اتخذ لنفسه بعدئذ زوجة(82). ونجد في مواضيع متفرقة من الكتاب بعض إشارات قيمة. من ذلك حتى هلمي Hilmy (1800) حين قرأ في كتاب بلني فقرة (83) عن استخدام عصير اللبين (Anagalis) قبل عملية الكهجرتا (إظلام العين)(84) حمله ذلك على حتى يبحث عن مفعول نباتي السكران Jusquiamus، و"ست الحسن" Belladonna في إنسان العين. وفي الكتاب أيضاً فصول قيمة عن التصوير والنحت تعد أقدم وأهم ما وصل إلينا من وصف الفن القديم.

ولم يقنع بلني بدراسة التاريخ الطبيعي، بل أراد بعد ذلك حتىقد يكون فيلسوفاً، ولذلك تراه ينثر في جميع صحف كتابه معلومات عن الآدميين. ويرى ان حياة الحيوان أفضل من حياة الإنسان لأنها "لا تفكر قط في المجد أوالمال أوالمطامع أوالموت"(85)، ولأن في وسعها ان تتفهم دون حاجة إلى مفهم، وأنها لا تضطر إلى ارتداء الملابس، ولا تشن الحرب على أبناء جنسها، وهويقول إذا اخترع النقود كان ضربة قاضية على سعادة بني الإنسان، فهي التي أوجدت الربا، وبه استطاع بعض الناس حتى يعيشوا من كد غيرهم، دون حتى يقوموا بعمل ما(87). وكانت نتيجة ذلك ان وجدت الضياع الواسعة التي يمتلكها الكبراء الغائبون عنها، وان حلت المراعي محل الزراعة فجر ذلك على الأهلين الخراب والدمار. ويقول بلني إذا الحياة تجلب للإنسان من الحزن والألم أكثر مما تجلبه من السعادة، وان الموت والنعمة الكبرى(88)، وان ليس شيء قط وراء الموت.

وكتاب التاريخ الطبيعي أثر خالد لجهل الرومان، ففيه يجمع بلني الخرافات والتنبؤات، ورقى الحب، والعلاج بالسحر، ويجدّ في جمعها كجده في غيرها من المعلومات. ويلوح انه يؤمن بمعظمها، فهويضن مثلاً ان في مقدور الإنسان-وخاصة إذا كان صائماً-أن يقتل الأفعى إذا بصق في فمها(89). "ومن المعروف جيداً ان إناث الخيل تحمل في في لوزنانيا Lusitania بعمل ريح الشمال(91). وهي مسألة غفل عنها شلي Shelley في أغنيته. ويندد بلني بالسحر ولكنه يقول لنا انه "إذا أقبلت المرأة الحائض حَمض عصير العنب وفسدت البذور التي تلمسها فلا تنبت، وسقطت الثمار من الشجرة التي تجلس تحتها؛ وإذا نظرت إلى الصلب تثلم حده، وإلى العاج مضى لمعانه وصقله؛ وإذا سقطت على ثول من النحل توفي من فوره"(92). وهولا يؤمن بالتنجيم ولكنه يملأ صفحات من كتابه بالحوادث "المنذرة" المستمدة من مظاهر الشمس والقمر(93). كقوله: "حدث في عهد قنصلية م. اسليوس M. Acilius وفي عهود أخرى كثرة حتى أمطرت السماء لبناً ودماً"(94)، وإذا ما ذكرنا ان هذا الكتاب هووكتاب المسائل لسنكا أبرز ما خلفه الرومان للعصور الوسطى من فهم التاريخ الطبيعي، ثم فاضلنا بينهما وبينما يماثلهما من خط أرسطووثيوفراطس وبين عقلية هذين الرجلين وقد عاشا قبل عهد بلني وسنكا بأربعمائة عام، إذا ما عملنا ذلك بدأنا نشعر بالمأساة المروعة مأساة موت الثقافة موتاً بطيئاً. لقد فتح الرومان العالم اليوناني، ولكنهم خسروا قبل فتح أثمن تراث في العالم.

علوم اليقظة الهلنستية في المشرق

كانت الإسكندرية زعيمة العالم الهلنستي في العلوم لا ينازعها في هذه المكانة منازع، ومن أكبر فهمائها في ذلك العصر كلوديوس بطليموس الذي يُعَد بلا جدال من أعظم فهماء الفلك الأقدمين، وذلك لأن العالم لا يزال على الرغم من كشوف كوبرنيق يتكلّم في الفلك بلغة بطليموس. وكان مولد هذا العالم في بلدة بطليموئيس على شاطئ النيل (ومنها اشتق اسمه)، ولكنه عاش معظم حياته في الإسكندرية، وظل يرصد فيها الأجرام السماوية من عام 127م إلى عام 151م. وأهم ما يذكره به العالم إنه رفض نظرية أرستاركس القائلة بأن الأرض تدور حول الشمس. وقد دوِّنت هذه الفلسفة الخالدة في كتاب بطليموس المعروف باسم النظام الرياضي Mathematike` Syntaxis للنجوم. وكان العرب إذا تحدّثوا عنه نعتوه بإسم التفضيل اليوناني المجسطي Al.megiste` "الأعظم". وحرّف الناس في العصور الوسطى هذا اللفظ فصارت الماجست Almagest وهوالاسم الذي يُعهد به الكتاب في التاريخ. وظلّت لهذا الكتاب السيطرة على السماء حتى قَلَبَ كوبرنيق العالم رأساً على عقب. ومع هذا فإن بطليموس لم يدّعِ أنه عمل أكثر من تنظيم أعمال من سبقوه من فهماء الفلك وأرصادهم، وأخصهم بالذكر هباركس. وقد صوّر الكون في شكل كروي يدور مرة في جميع يوم حول أرض كروية ثابتة لا تتحرك. ومع حتى هذا القول يظهر لنا غريباً (وإن كنا لا نعهد ما يفترض أن يعمله كوبرنيق آخر في المستقبل ببطالستنا المحدثين)، فإن النظرية القائلة بأن الأرض مركز الكون قد يسّرت في ضوء المعلومات الفلكية المعروفة في ذلك العصر تحديد مواضع النجوم والكواكب تحديداً أدق مما كانت تستطيعه النظرية القائلة بأن الشمس هي مركز العالم(20). وعرض بطليموس فوق هذا لنظرية (الانحرافات) ليفسر بها أفلاك الكواكب، واستطاع حتى يكشف انحراف فلك القمر. وقاس بُعد القمر عن الأرض بطريقة الزيغان التي لا تزال مستخدمة إلى يومنا هذا، وقدّر هذا البعد بما يعادل نصف قطر الأرض تسعاً وخمسين مرة، وهويعادل تقديرنا الحاضر بوجه التقريب؛ وإن كان بطليموس قد اتبع بسيدونيوس في تقدير طول قطر الأرض بأقل من طوله الحقيقي. وقد لخّص بطليموس في كتابه الموجز الجغرافي جميع ما كان يعهده الأقدمون عن سطح الأرض، كما لخّص في نظامه الرياضي ما كانوا يعهدونه في الفلك وصاغه في صيغته الأخيرة. وهنا أيضاً أخطأ أخطاء جسيمة في أزياجه التي بذل فيها جهداً كبيراً والتي حدد فيها خطوط الطول ودوائر العرض لكبريات المُدن على سطح الأرض، وكان سبب هذا الخطأ قبوله تقدير بسيدونيوس حجم الأرض بأقل من حقيقته. ولكن هذه الغلطة المشجعة التي نقلها عنه بطليموس هي التي يرجع إليها الفضل في اعتقاد كولمبس حتى من المستطاع الوصول إلى جزائر الهند في وقت قصير بالسير في اتجاه الغرب(21). وكان بطليموس أول من استخدم لفظي "متوازيات" (Parallela) و"خطوط الزوال" meridians في فهم الجغرافية، وقد نجح في حتى يصوّر على خرائطه جسماً كروياً على سطح مسوٍ. ولكنه كان في الواقع عالماً رياضياً أكثر منه فلكياً أوجغرافياً؛ وكان أبرز جزء من عمله هوصياغته القوانين الرياضية. وقد وضع في كتاب النظام زيجاً دقيقاً لقياس الأقواس، وذلك بأن قسّم نصف قدر الأرض ستين قسماً أولي صغيرة Partes minutae primal، هي التي صارت الدقائق عندنا، ثم قسّم جميع واحدة من هذه الدقائق "أقساماً صغيرة ثانية" "الثواني" عندنا.

وسقط بطليموس في أخطاء كثيرة، ولكنه كان له بلا ريب مزاج الفهماء الحقيقيين وصبرهم. وقد حاول حتى يعتمد في استنتاجاته على الأرصاد وقلما كان هوصاحبها وقد قام في أحد الميادين بسلسلة طويلة من التجارب، ووُصِفَ كتابه البصريات Optica وهودراسة في انكسار الضوء بأنه "أعظم البحوث التجريبية في التاريخ القديم"(22). ومما هوجدير بالذكر حتى هذا الرجل الذي يُعَد من أعظم العظماء في الفلك والجغرافية والرياضيات في عصره قد خط أيضاً "أربعة خط" Tetrabiblios فيما للنجوم من سلطان على حياة بني الإنسان. وفي هذه الأثناء كان أرخميدس أصغر يهيئ للعالم القديم فرصة ثانية للقيام بانقلاب صناعي. وكان هذا الرجل مخترعاً أوجامعاً بارعاً وإن كنا لا نعهد عنه إلا اسمه الوحيد هيرون Hero. وقد أصدر هذا لرجل وقتئذ في الإسكندرية سلسلة من الرسائل في الرياضة والطبيعة، بقي لنا عدد منها مترجماً إلى اللغة العربية وقد حذّر قرّاءه في صراحة بأن النظريات والاختراعات التي يعرضها عليهم ليست كلها من اختراعه، بل إنها قد تجمّعت على مدى القرون الطوال. ووصف في كتابه الديوبترا Dioptra آلة شبيهة بالمزواة Theodolite وصاغ عددا من القوانين لقياس الأبعاد التي بين الإنسان وبين النقط التي لا يستطيع الوصول إليها ومساحة هذه الأبعاد. وبحث في كتابه الحيَل Mechanisa في طريقة استخدام أدوات سهلة، والجمع بينها؛ ومن هذه الأدوات العجلة، ومحورها، والرافعة، والبكرة والاسفين، واللولب. ودرس في كتابة الهوائيات Pneumatica ضغط الهواء في سبع وثمانين تجربة معظمها من الحيل والالاعيب؛ منها أنه عرض كيف من الممكن أن يمكن جعل جميع من النبيذ أوالماء يخرج من فتحة صغيرة واحدة في قاع وعاء وذلك بسد ثقب أوآخر في أعلى الوعاء المقسّم قسمين. ثم تدرّج من هذه اللعب المسلّية لصنع مضخة رافعة، ومضخة لآلة إطفاء الحريق ذات مكبس وصمّامات، وساعة مائية، وأرغن مائي، وآلة بخارية. وفي هذا المخترع الأخير كان البخار الناشئ من الماء المسخّن ينتقل من خلال أنبوبة إلى كرة تدور في اتجاه مضاد لاتجاه البخار المطرود. وقد حال إحساس هيرون الفكاهي الشديد بينه وبين ترقية هذا المُخترَع حتى يمكن الاستفادة منه في الأغراض الصناعية. ومن أعماله أيضاً أنه استخدم البخار لوقف كرة في الهواء ومنعها من السقوط، وجعل طائر آلي يغرّد، وتمثال ينفخ في بوق. ودرسَ في كتابه المرايا Catoptrica انعكاس الضوء، وشرح كيف من الممكن أن تصنع المرايا التي يستطيع الناظر فيها حتى يرى ظهره، أويظهر فيها ورأسه إلى أسفل، أوله ثلاث أعين، أوأنفان الخ. وعلّم المشعوذين كيف من الممكن أن يقومون بالألعاب بأجهزة مخبأة عن الأعين. وقد جعل الماء يخرج من حوض إذا وُضِعت بترة من النقود في فتحة فيه. وصنع آلة مخبأة تجعل الماء المسخن يفيض إلى جردل، ويفتح أبواب هيكل بما يزيد من وزنه، وبوساطة مكبرات. وبفضل هذه الأساليب ومائة أخرى من نوعها استطاع هيرون حتىقد يكون مشعوذاً بارعاً، ولكنه عجز عن حتىقد يكون مخترعاً من طراز جيمس وت James Watt.

وكانت الإسكندرية منذ زمن بعيد أبرز مركز لدراسة الطب. نعم إنه كانت في مرسيليا، وليون، وسرقسطة، وأثينة، وأنطاكية، وكوس، وإيفوس، وأزمير، وبرجوم مدارس طب شهيرة ولكن طلاب الطب كانوا يهرعون إلى الإسكندرية من جميع ولايات الإمبراطوريّة، بل إنّا لَنَجد أميناس مرسلينس Ammianus Marcellinus في القرن الرابع الميلادي، حين أخذت مصر تسير في طريق الاضمحلال، يتحدّث عن الإسكندرية بقوله:

"حسب الطبيب تنويهاً ببراعته حتى يقول إنه قد تعلّم في الإسكندرية"(24). وكان المجال في الطب يسير قدما، وشاهد ذلك ما يقوله فلستراتس (حوالي 225م): "لا يستطيع إنسان حتىقد يكون طبيباً لكل سقم، بل يجب إذاقد يكون هنا أخصائيون في الجروح، والحميّات، والعلون، والسل"(25). وكان تشريح الجثث الميّتة يحدث في الإسكندرية، ويبدوأنه كان يجري فيها أياً تشريح للأحياء(26).

ولم تكن الجراحة في القرن الأول الميلادي أقل رُقيّاً في الإسكندرية منها في أي مكان في أوربا قبل القرن التاسع عشر. ولم تكن الطبيبات نادرات؛ وقد خطت واحدة منهنّ تدعى مترودورا Metrodora رسالة في أمراض الرحم لا تزال باقية إلى اليوم(27). ويزدان تاريخ الطب في هذا العصر بأسماء عظيمة: منها روفس الافسوسي الذي وصف العين، وميّز أعصاب الحركة من أعصاب الحس، وحسّن طرق وقف النزيف في الجراحة، ومنها مرينس Marinus الإسكندري الذي اشتهر بجراحات الجمجمة، وأنتيلس Antylus أعظم الرمديين في عصره. وقد خط ديوسكريدز Dioscorides القليقيائي (من 40 إلى 90م) كتاباً في العقاقير وصف فيه وصفاً فهمياً ستمائة من النباتات الطبيّة وصفاً بلغ من الدقّة حداً أوصى في هذا الكتاب باستخدام "الصوفات) لمنع الحمل(8). وقد استخدم للتخدير وصفه لنبيذ البيروج Mandragora استخداماً ناجحا في عام 1874.

ونشر سورانس الافسوسي حوالي عام 116م رسالة في أمراض النساء، وفي مولد الأطفال والعناية بهم، ولا يعلوعن هذه الرسالة من المؤلفات الطبية القديمة الباقية إلى اليوم سوى مجموعات أبقراط ومؤلفات جالينوس. ويصف المؤلف فيها منظاراً مهبلياً وكرسياً للتوليد، ويصف الرحم من الناحية التشريحية أجود وصف، ويقدم نصائح عملية وغذائية لا تكاد تختلف عما يقدمه الأطباء في هذه الأيام، منها غسل عيني الطفل الحديث الولادة بالزيت(30)، ويذكر أسماء نحومائة وسيلة لمنع الحمل معظمها أدوية للمهبل(31)، وهويجيز الإجهاض إذا كان الوضع يعرض حياة الأم للخطر (على عكس ما يراه أبقراط)(32).

وقصارى القول حتى سورانس كان أعظم الأخصائيين في طب النساء في الزمن القديم، ولم يفقه أحد في هذا الفهم حتى اتى باريه Pare` بعده بخمسة عشر قرناً؛ ولوحتى رسائله الأربعين قد بقيت إلى هذا اليوم لوضعاه في أكبر الظن في منزلة جالينوس.

وكان أعظم أطباء ذلك العصر ابن مهندس معماري من برجموم، وقد سماه جلينوس Galenus أي الهادئ المسالم، لأنه كان يأمل ألا يتخلّق بأخلاق أمه(33). ولما بلغ الشاب الرابعة عشرة من عمره شغف لأول مرة بالفلسفة، ولم يتحرر قد من غوايتها الخطرة؛ وفي السابعة عشرة تحوّل عنها إلى الطب، ودرسه في قليقية، وفينيقية، وفلسطين، وقبرص، وكريد، وبلاد اليونان والإسكندرية (وكان هذا الانتنطق في طلب الفهم من طبيعة الفهماء الأقدمين)، ثم اشتغل جراحاً في مدرسة المجالدين في برجموم، ومارس صناعته فترة من الزمن (من 164 إلى 168م) في روما. وفي هذه المدينة أقبل عليه أغنياء السقمى لنجاحه في صناعته، كما أقبل عليه كثيرون من علية القوم ليستمعوا إلى محاضراته، وذاعت شهرته ذيوعاً جعل الناس يخطون إليه من كافة الولايات يطلبون إليه النصائح الطبية، فكان يصف لهم العلاج الناجع بالبريد، وكان والده الصالح قد نسي ما كان يدور بخلده حين اختار له اسمه فنصحه ألا ينضم إلى شيعة أوحزب، وأنقد يكون صادقاً في جميع ما يقول، وصدع جالينوس بأمر أبيه، وأخذ يُشهّر بجهل كثيرين من أطباء روما وشرههم حتى اضطر بعد سنين قلائل إلى الفرار من أعدائه. ولكن ماركس أورليوس إستنادىه ليعنى بكمودس الصغير (126)، وحاول حتى يأخذه معه في إحدى الحملات المركمونية، ولكن جالينوس كان مت الدهاء بحيث استطاع حتى يعود مسرعاً إلى روما. ومن هذا الوقت لا نعهد عنه غير مؤلفاته.

وتكاد هذه المؤلفات حتى تبلغ من الكثرة ما بلغته مؤلفات أرسطو، وقد بلغت خمسمائة أونحوها، وبقي منها 118 كتاباً تحوي عشرين ألف صفحة، تشتمل على جميع فروع الطب وعلى عدد من ميادين الفلسفة، وليس لهذه الخط قيمة طبية في هذه الأيام. ولكنها تشتمل في مواضع منها متفرقة على معلومات تافهة، وتكشف عن روح قوية ذات حيوية عظيمة، مولعة بالبحث والجدل. وقد عوده ولعه بالفلسفة عادة سيئة هي استخلاصه نتائج كبرى من معلومات قليلة، وكثيراً ما ساقه إيمانه بفهمه وقواه إلى تعسّف لا يليق بعقلية الفهماء، وكان سلطانه على من اتى بعده سبباً في بقاء أخطائه الشنيعة ذائعة قروناً عدة. لكنه كان على رغم هذه الأخطاء دقيق الملاحظة، كما كان أكثر الأطباء الأقدمين اعتماداً على التجارب الفهمية. ومن أقواله في هذا المعنى: "إني لأعترف بذلك السقم الذي قاسيت منه الأمرّين طوال حياتي وهوأني لا أثق... بأي قول حتى أجرّبه بنفسي على قدر استطاعتي"(34). ولما حرّمت عليه الحكومة الرومانية حتى يشرّح أجسام الآدميين أحياء كانوا أوأمواتاً، عمد إلى تشريح الحيوانات الحية والميّتة، وكثيراً ما كان يتعجّل فيطبّق على تشريح الجسم الآدمي ما تسفر عنه دراسته للقردة، والكلاب، والبقر، والخنازير.

وقد أفاد فهم التشريح من جالينوس رغم قصوره أكثر مما أفاده من أي مشاهد آخر في التاريخ القديم؛ ذلك أنه وصف بغاية الدقة عظام الجمجمة والعمود الفقرة، والجهاز العضلي، والأوعية اللبنية، والغدة اللسانية، والغدة اللعابية تحت الفك الأسفل، وصمّامات القلب؛ وأثبت حتى القلب إذا فُصِل عن الجسم يمكن حتى يظل ينبض في خارجه، وبرهن على حتى الأوردة تحتوي دماً لا هواء (كما ظلّت مدرسة الإسكندرية تفهم الناس مدى أربعمائة عام)، لكنه قد فاته حتى يسبق هارفي إلى كشف الدورة الدموية، فقد افترض حتى معظم الدم يسير في الأوردة إلى أجزاء الجسم المتنوعة ثم يعود فيها أيضاً؛ وأن البقية الباقية منه التي تختلط بهواء الرئتين تسير في الشرايين إلى أجزاء الجسم وتعود منه في الشرايين نفسها. وكان هوأول من شرح الجهاز التنفسي، ودلّ على حصافة وبراعة حين نطق إنه يظن حتى العنصر الفعال في الهواء الذي نستنشقه هونفسه العنصر الفعال في الاحتراق(35)؛ وميّزَ التهاب الرئة، ووصف الورم الوعائي ، والسرطان، والتدرّن، وعرّف ما في ثانيهما من خطر العدوى، وأهم من هذا كله أنه وضع أساس مبحث الأعصاب التجريبي، فهوأول من أجرى التجارب على قطاعات من النخاع الشوكي، وعيّن الوظيفة الحسّية والحركيّة لكل جزء منه، وعهد الأعصاب السمبثاوية، وميّزَ سبعة أزواج من الأثني عشر زوجاً من أعصاب الجمجمة، وعهد كيف من الممكن أن يستطيع حبس النطق ببتر عصب الحنجرة، وبرهن على حتى الضرر الذي يصيب أحد نصفي المخ يُحدث اختلالاً في النصف المضاد له في الجسم وعالج السفسطائي بوسنياس من خَدَرٍ في خنصر يده اليسرى وبنصرها بتنبيه الضفيرة العضدية التي يخرج منها العصب الزندي الذي يتحكّم في هاتين الإصبعين(36). وقد برع في درس أعراض الأمراض براعة آثر معها حتى يُشخّص علة المريض دون حتى يوجّه إليه أسئلة(37). وكان كثير الاعتماد على التغذية، والرياضة، والتدليك ولكنه كان خبيراً في العقاقير، كثير الأسفار للحصول على الأدوية النادرة. وندّدَ باستخدام البراز والبول في العلاج، وكان ذلك لا يزال شائعاً عند بعض معاصريه(38)، وأوصى باستعمال الكداس الجاف لمعالجة المغص، ووضع روث المعز على الورم، وهجر ثبتاً طويلاً بالأمراض التي يمكن علاجها بالترياق - وهودواء ذائع الصيت في ذلك الوقت خلق لمثرداتس الأكبر ليقاوم به السم، وكان يقدّم لماركس أوليوس جميع يوم ويدخل فيه لحم الأفاعي(39).

لكنه لوّث سجلّه الحافل بالتجارب وشهرته فيها بسيل من النظريات التي تعجّل في وضعها. وكان يسخر من السحر والرقى، ويقبل التنبؤ بالغيب عن طريق الأحلام، ويظن حتى أوجه القمر تؤثر في أحوال السقمى؛ وصدّق فكرة أبقراط عن الأخلاط الأربعة (الدم، والبلغم، والسائل الصفراوي الأسود الأصفر) ، وعمل على سرعة انتشار عقيدة فيثاغورس في الأركان (العناصر) الأربعة (التراب، والهواء، والنار، والماء)، وحاول حتى يرد الأمراض كلها إلى اختلال في تلك الأخلاط أوهذه الأركان. وكان قوي الاعتقاد بوجود الروح، مؤمناً بأن النفس (pneuma) أوالنفَس الحيوي أوالروح تسري في جميع جزء من أجزاء الجسم، وتبعث فيه النشاط والحركة. وكان كثيرون من الأطباء قد أخذوا يفسّرون نظريات فهم الأحياء تفسيراً آلياً؛ ومن هؤلاء أسكلبياديز الذي كان يرى حتى فهم وظائف الأعضاء يجب حتى يُنظر إليه على أنه فرع من الطبيعة، ولكن جالينوس اعترض على هذه الفكرة؛ ونطق إذا الآلة ليست إلا مجموعة أجزائها، وأما الكائن العضوي فإنه يشتمل أيضاً على الإشراف الغائي على جميع أجزاء الكل. وكما حتى الغاية وحدها هي التي مكن بها تفسير منشأ الأعضاء وهجريبها، ووظيفتها؛ فكذلك يرى جالينوس حتى الكون لا يمكن حتى يُفهَم إلا على أنه تعبير عن خطّة إلهية وأداة لتطبيق هذه الخطّة. لكن الله لا يعمل إلا بوساطة قوانين طبيعية، وعلى هذا ليس ثمة معجزات، وخير وحي هوالطبيعة نفسها.

وأحبّ المسيحيون جالينوس لإيمانه بالغائية وبالوحدانية في الدين، كما أحبه المسلمون بعدئذ لهذا السبب عينه؛ وقد فقدت أوربا جميع كتاباته تقريباً في أثناء الفوضى التي أعقبت غزوات البرابرة، ولكنّ فهماء العرب حفظوها لبلاد الشرق، ثم ترجمت هذه المؤلفات من اللغة العربية إلى اللاتينية في القرن السابع والقرون التي تلته، وأصبح جالينوس بعدئذ المرجع المعترف به الذي لا يوجّه إليه نقد، فكان هوأرسطوالطب في العصور الوسطى.

واختتم آخر عصر مبدع من عصور الفهم اليوناني ببطليموس وجالينوس، ومن بعدهما انتهى عصر التجارب وساد عصر العقائد التحكّمية؛ وانحطّ فهم الرياضة فأصبح مجرّد ترديد للهندسة، كما انحطّ فهم الأحياء فأصبح ترديداً لأقوال أرسطو، وإنحطّت العلوم الطبيعية فأصبحت ترديداً لأقوال بلني؛ ووقف الطب جامداً حتى اتى أطباء العرب واليهود في العصور الوسطى فجددوا هذا الفهم الذي يعدّ أشرف العلوم على الإطلاق.

تاريخ النشر: 2020-06-04 07:14:40
التصنيفات: الحضارة الرومانية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

بوتين وسر كامن في ترانسنيستريا.. ما الذي تخشاه مولدوفا؟

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-24 12:16:52
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 88%

مستشار زيلينسكي: ندعو لفتح ممرات وهدنة حقيقية بماريوبول

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-24 12:16:53
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 85%

مؤشرات الركود الاقتصادي العالمي ترتفع

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-24 12:17:29
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 94%

خربت مقراتهم.. ميليشيات إيران تطرد عناصر النظام شرقي سوريا

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-24 12:17:09
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 95%

مدرب صن داونز: لا أهتم بما قاله بيتسو موسيماني

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-04-24 12:18:00
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 40%

طعن كاهناً في صدره.. فرنسا تعتقل مشتبهاً به في نيس

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-24 12:16:52
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 88%

رصانة المالية: هذا ما ينتظره المستثمرون من مجموعة سليمان الحبيب

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-24 12:17:35
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 94%

بريطانيا: الروح المعنوية للروس تتراجع وتؤخر تقدمهم شرقا

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-24 12:16:55
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 88%

المبعوث الأممي: قلقون من تأجيل رحلات مطار صنعاء

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-24 12:16:54
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 98%

من يحسم السباق إلى الإليزيه؟ | آخر الأخبار

المصدر: CNBC عربية - الإمارات التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-24 12:17:48
مستوى الصحة: 62% الأهمية: 72%

أكبر صندوق سيادي في العالم يخسر 74 مليار دولار

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-24 12:17:27
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 99%

شحنات "مجهولة".. هكذا يباع نفط روسيا في زمن الحرب

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-24 12:16:53
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 85%

كييف: موسكو نشرت صواريخ إسكندر-إم بالقرب من الحدود

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-24 12:16:55
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 87%

حل غريب للتغلب على أزمة نقص الرقائق الإلكترونية

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-24 12:17:36
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 86%

مفاوضات "شل" تفتح طريق الصين إلى الغاز الروسي مباشرة

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-24 12:17:33
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 91%

وزيرة خارجية بريطانيا: روسيا ارتكبت فظائع مروعة بأوكرانيا

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-24 12:16:51
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 85%

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية