ربيعة بن نصر
كان ربيعة بن نصر ملك اليمن بين أضعاف ملوك التبابعة ، فرأى رؤيا هالته ، وفظع بها فلم يدع كاهنا ، ولا ساحرا ؛ ولا عائفا ولا منجما من أهل مملكته إلا جمعه إليه ، فنطق لهم : إني قد رأيت رؤيا هالتني ، وفظعت بها ، فأبلغوني بها وبتأويلها ؛ نطقوا له: اقصصها علينا نخبرك بتأويلها ؛ نطق : إني إذا أبلغتكم بها لم أطمئن إلى خبركم عن تأويلها ، فإنه لا يعهد تأويلها إلا من عهدها قبل حتى أبلغه بها . فنطق له رجل منهم : فإن كان الملك يريد هذا فليبعث إلى سطيح وشق ، فإنه ليس أحد أفهم منهما ، فهما يخبرانه بما سأل عنه.
فبعث إليهما ، فقدم عليه سطيح قبل شق ، فنطق له: إني رأيت رؤيا هالتني وفظعت بها ، فأبلغني بها ، فإنك إذا أصبتها أصب تأويلها .
نطق : أعمل ، رأيت حممه خرجت من ظلمه ، فسقطت بأرض تهمه، فأكلت منها جميع ذات جمجمه؛ فنطق له الملك : ما أخطأت منها شيئا يا سطيح ، فما عندك في تأويلها ؟ فنطق : أحلف بما بين الحرتين من حنش ، لتهبطن أرضكم الحبش ، فلتملكن ما بين أبين إلى جرش ؛ فنطق له الملك : وأبيك يا سطيح ، إذا هذا لنا لغائظ موجع ، فمتى هوكائن ؟ أفي زماني هذا ، أم بعده ؟ نطق : لا ، بل بعده بحين، أكثر من ستين أوسبعين ، يمضين من السنين ، نطق : أفيدوم ذلك من ملكهم أم ينبتر ؟ نطق : لا ، بل ينبتر لبضع وسبعين من السنين ، ثم يقتلون ويخرجون منها هاربين؛ نطق ، ومن يلي ذلك من قتلهم وإخراجهم ؟ نطق : يليه إرم ذي يزن ، يخرج عليهم من عدن ، فلا يهجر أحدا منهم باليمن ؛ نطق : أفيدوم ذلك من سلطانه ، أم ينبتر ؟ نطق : لا، بل ينبتر ؛ نطق : ومن يبتره ؟ نطق : نبي زكي ، يأتيه الوحي من قبل العلي ؛ نطق : وممن هذا النبي ؟ نطق : رجل من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر ،قد يكون الملك في قومه إلى أخر الدهر ؛ نطق : وهل للدهر من أخر ؟ نطق : نعم ، يوم يجمع فيه الأولون والآخرون ، يسعد فيه المحسنون ، ويشقى فيه المسيئون ؛ نطق : أحق ما تخبرني ؟ نطق : نعم، والشفق والغسق ، والفلق إذا اتسق ، إذا ما أنبأتك به لحق .
ثم قدم عليه شق ، فنطق له كقوله لسطيح ، وكتمه ما نطق سطيح ، لينظر أيتفقان أم يختلفان ؛ فنطق : نعم ، رأيت حممه، خرجت من ظلمه، فسقطت بين روضة وأكمه، فأكلت منها جميع ذات نسمه نطق : فلما نطق له ذلك ،وعهد أنهما قد اتفقا وأن قولهما واحد إلا حتى سطيحا نطق : «سقطت بأرض تهمه، فأكلت منها جميع ذات جمجمه» . ونطق شق : « سقطت بين روضة وأكمه، فأكلت منها جميع ذات نسمه » .
فنطق له الملك : ما أخطأت يا شق منها شيئا ، فما عندك في تأويلها ؟ نطق : أحلف بما بين الحرتين من إنسان ، لينزلن أرضكم السودان ، فليغلبن على جميع طفلة البنان ، وليملكن ما بين أبين إلى نجران .
فنطق له الملك : وأبيك يا شق ، إذا هذا لنا لغائظ موجع ، فمتى هوكائن؟ أفي زماني ، أم بعده ؟ نطق : لا ، بل بعده بزمان ، ثم يستنقذكم منهم عظيم ذوشأن ، ويذيقهم أشد الهوان ؛ نطق : ومن هذا العظيم الشان ؟ نطق : غلام ليس بِدَنيِّ، ولا مُدَنِّ، يخرج عليهم من بيت ذي يزن، فلا يهجر أحدا منهم باليمن ؛ نطق : أفيدوم سلطانه ، أم ينبتر ؟ نطق: بل ينبتر برسول مرسل يأتي بالحق والعدل ، بين أهل الدين والفضل،قد يكون الملك في قومه إلى يوم الفصل ؛ نطق : وما يوم الفصل ؟ نطق : يوم تجزى فيه الولاة ، ويدعى فيه من السماء بدعوات ، يسمع منها الأحياء والأموات ، وُيجمع فيه بين الناس للميقات ،قد يكون فيه لمن اتقى الفوز والخيرات ؛ نطق : أحق ما تقول ؟ نطق : إي ورب السماء والأرض ، وما بينهما من حمل وخفض ، إذا ما أنبأتك به لحق ما فيه أمض.
فسقط في نفس ربيعة بن نصر ما نطقا ، فجهز بنيه وأهل بيته إلى العراق بما يصلحهم ، وخط لهم إلى ملك من ملوك فارس ينطق له سابور بن خُرَّزاذ ، فأسكنهم الحيرة .
مصدر
- السيرة النبوية لإبن هشام, عبد الملك بن هشام المعافري
هذه بذرة منطقة عن التاريخ بحاجة للنمووالتحسين، فساهم في إثرائها بالمشاركة في تحريرها. |