هدى غاليا
[1] كلنا شاهدنا هدى غالية عبر الفضائيات وهي تجهش بالبكاء بعد ان تعهدت على أشلاء أسرتها، تنادي والدها الذي فجرت حضنه شظية من قذيفة صهيونية في مجزرة إسرائيلية على شاطئ السودانية بغزة قبل أكثر من شهر· كانت تحاول إدراك حتى من تراهم أنصاف أجساد مرمية على الشاطئ الذي كانوا يلهون عليه قبل دقائق··· إخوتها،يا ترى؟ هدى، أصبحت اليوم رمزاً جديداً لمعاناة الأطفال الفلسطينيين، وإحدى الصور المؤلمة التي لن تبرح أذهاننا شأنها شأن صورة الطفل الشهيد محمد الدرة· مثله صارت هدى عنواناً لقهر الأطفال العزل الذين يحلمون بلعبة وحضن أب، بدفتر تلوين وأقلام بعيدة عن الأحمر القاني··· هدى مثل محمد مع فارق واحد، انها عاشت لتروي الحكاية، حكاية مروعة···حكاية قذائف إسرائيلية غدرت بإجازتهم على شاطىء غزة، وبترت أوصال إخوتها وبقرت حضن والدها· دنيا الاتحاد التقت هدى في مستشفى زايد العسكري بأبوظبي وهي تتلقى العلاج مع من تظل لها من عائلتها، بعد حتى حلت ضيفة على دولة الإمارات برعاية كريمة من سموالشيخ حمدان بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء، ورئيس هيئة الهلال الأحمر الإماراتي·
خدجة الكثيري: تصوير: عبدالعظيم شوكت
فقدت هدى في القصف الإسرائيلي كلا من والدها علي عيسى غالية (47عاماً) وزوجة والدها رئيسة (30عاماً) وأشقاؤها عالية (25عاماً) والهام (16عاماً) وصابرين (عام ونصف) وهنادي ( ثلاثة أعوام ونصف) وهيثم (أربعة شهور)، وبقي لها على قيد الحياة والدتها حمدية، وشقيقتها من أبيها وأمها لطيفة، وأختها من أبيها هديل، وإخوتها من أمها، أماني وأيهم وأدهم، إلا حتى هؤلاء الثلاثة لا يزالون في العناية المركزة وقد فقدوا معظم أطرافهم·
سيرة مجزرة:
هدى التي اغتالت المجزرة الإسرائيلية مشاعر البراءة والطفولة في فؤادها، وعجلت في نضجها فبدت وكأن عمرها 21 عاماً ، وليس 12سنة، بدت قوية متماسكة لا تفتأ تذكر الله، وتردد مثل أمها وباستمرار··· الحمدلله ، الحمدلله· في صوتها حزن متربع وفي عينيها دموع متحجرة··· الا انها كانت تدرك معنى ان تروي الحكاية- المجزرة· نطقت هدى: نجحت وإخوتي الصغار في امتحانات المدرسة، وكان أبي والدا طيبا وحنونا يحبنا كثيرا، ويحب حتى يفرحنا· بعد حتى رأى نتائجنا ونجاحنا بتفوق، وفى بوعده وطلب منا الاستعداد للذهاب في رحلة إلى الشاطئ· وعملا اتى يوم الجمعة وخرجنا مع أبي وأمي وزوجة أبي وأخوتي جميعهم · كنا قرابة العشرين شخصاً· قضينا أمتع الأوقات، أكلنا الذرة وضحكنا ولعبنا··· ولكن بين لحظة وأخرى، رأيت الدخان الأسود يغطي السماء، حتى غدا رمل الشاطئ أسود· حاولت الوصول إلى عائلتي ولكنني لم أر سوى أشلاء متناثرة ومم**ة· أنصاف أجساد· رأس أخي الرضيع هيثم··· ويد أختي هنادي ورجلها، ومخ إلهام ورأس صابرين، ووجه زوجة أبي رئيسة وكأنه قناع منزوع··· لأنني لم أره على رأسها، وأختي علياء مصابة في جميع جسمها· رحت أنادي ابي عله يسمعني ويساعدني، ولكنني وجدته مرمياً على وجهه، وعندما أمسكت به لأوقظه كانت الشظية قد أكلت جميع بطنه··· دمعت عينا هدى وهي تستعيد المشهد- المجزرة، لكنها لم تذرفه، فالدمع جاف في المآقي، هجرها، لتتسمر مكانه صور الاعتداء· وضع هدى وأسرتها على بشاعته بات يشهده في هذه الأيام كثر من أطفال فلسطين، ولبنان، لم تعد لعبهم من بلاستيك اوقماش اوإلكترونيات، بل باتت لعبة التفتيش بين الأشلاء والشهداء عن الأب اوالأم اوالأخ والأخت· استطردت هدى في حديثها: كنا قد تعرضنا سابقاً لوقوع شظية كبيرة من قذائف العدوعلى أرضنا، وأتت على محصولنا من الذرة· اقتلعته من الجذور، وربنا ستر··· وفي مرة أخرى بعد حتى استصلح أبي الأرض، قصفتنا إسرائيل· ولكن في المرة الأخيرة على الشاطئ فقدت أسرتي·
موقف إنساني :
وكان نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس هيئة الهلال الأحمر سموالشيخ حمدان بن زايد آل نهيان قد أعرب عن رغبته لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس بتقديم كافة الرعاية الكاملة للطفلة الفلسطينية· وقد تابع سموه تداعيات المأساة الإنسانية التي تعرضت لها هدى بفقد أسرتها، فأمر سموه باستقدام الطفلة إلى الدولة ووضع الترتيبات اللازمة لاستضافتها ومرافقيها وتوفير أوجه الرعاية الصحية والنفسية لها ولهم· وبمجرد وصولها إلى البلاد واستقرار حالتها استقبل سموه الطفلة وعائلتها في قصره، واستمع منها إلى تفاصيل تلك المجزرة التي ألمت بالأسرة، ووجه لهم جميع الترحيب على إقامتهم بالدولة، مؤكدا أنهم سيجدون جميع الرعاية والمساعدة من أجل تخفيف الآلام والظروف الصعبة·
حياة جديدة :
وعن وجودها في الإمارات ومبادرة سموالشيخ حمدان بن زايد، نطقت هدى: هي مبادرة نبيلة فتحت باب الأمل بالحياة والعيش الكريم· لقد فقدت للحظات إحساسي بالحياة، ولكن اليوم وأنا على هذه الأرض الطيبة وبرعاية الشيخ الكريمة أحس حتى الحياة ابتسمت لي من جديد، فلسموه ولجميع شعب الإمارات جميع الشكر والحب والتقدير· وأضافت هدى: لا أستطيع ومدى حييت حتى أنسى تلك الفاجعة، ولكن من أجل بلدي وإخوتي سأفكر في الحياة والمستقبل عله يحمل لنا ما يخفف عنا، وأمنيتي حتى أكمل تعليمي وأتخرج·
دعم نفسي :
أحمد العلي رئيس قسم الإعلام في هيئة الهلال الأحمر، نطق إذا مبادرة رئيس الهيئة تجيء في إطار اهتمامه بالوضع الإنساني المتأزم على الساحة الفلسطينية، وسعيه الحثيث للحد من معاناة الفلسطينيين وتحسين ظروفهم الإنسانية· ونطق إذا الهيئة قامت مع الجهات الصحية المختصة في الدولة بتوفير الرعاية الصحية اللازمة للطفلة هدى غالية وأسرتها، ونطق إذا مستشفى زايد العسكري يستضيف الطفلة وأسرتها ويوفر لهم العلاج والعناية· وأوضح حتى الهيــــئة أعدت برنامجـــــا للدعم النفسي لهدى وأسرتها يشرف عليه عدد من المختصين في هذا الصدد، بحيث يتم تقديم جميع ما من شأنه حتى يساهم في تجاوز الطفلة وأسرتها لظروف محنتهم الراهنة· وأكد العلي حتى هدى استوعبت الفاجعة، وتحاول بفضل الله تجاوز آثارها، وهي اليوم تبدوكشابه ناضجة تدرك الأمور وحقيقة ما وقع لعائلتها·
الشهيد الذي لا يموت :
من يجلس مع هديل غاليةثمانية سنوات أخت هدى من والدها - فقدت أمها رئيسة ووالدها وأخوتها-، يستطيع ان يرى كيف من الممكن أن تستباح وتغتال براءة الأطفال على يد العدوالإسرائيلي· فهديل باتت تكره الحياة بعد ان خبرتها· سألتها عن طموحها في المستقبل، نطقت بعفوية: أريد حتى أصبح دكتورة علشان أداوي أبوي· فقلت لها لكن أباك ميت الآن، فنطقت: مش هم بيقولوإذا الشهيد مايموت·· إذا سأداويه ! ثم سكتت قليلاً ونطقت: خلاص أنا كرهت الحياة وأريد ان أموت· فقلت لها الحياة جميلة مع أخواتك وباقي عائلتك، فنطقت أريد ان أمـــوت ولكن موتة ربنا··· مش بإيد اليهود لأنهم بيخوفوا وما بيرحموا وببتروا الميت!·· شكر وامتنان :
السيدة حمدية أم هدى غالية التي أصيبت في يدها،نطقت انها تود تقديم الشكر لسموالشيخ حمدان بن زايد آل نهيان الذي وجه باستضافتنا مع هدى واستقبلنا بحفاوة وكرم، وكذلك لحرمه ولشعب الإمارات، فوجودنا اليوم بينهم وعلى أرضهم وتحت رعايتهم يشعرنا بالأمل ويخفف من مصابنا الجلل·
نادىء هدى :
يارب يصير في اسرائيل اللي صار في أهلي··· وكمان اللي صار في جميع طفل وشب فلسطيني··· لأنهم مش بشر وما بيستحقوا يعيشوا···، هذا هونادىء هدى الذي اسمعتنا اياه ونحن نغادر غرفتها، هي الى ما يمكن ان يغسل قلبها وعينيها من آثار الحقد الأعمى الذي أدمى وجدانها، ونحن الى عالمنا·
