[== بلاد سومر وأكد : ==] د.إسماعيل نوري الربيعي برزت حالة التفاعل البشري مع البيئة المحيطة، وبشكل شديد الوضوح في حضارة وادي الرافدين، حيث بواكير الوعي الذي ظهر وعلى أكثر من صعيد ومجال، ومن واقع التنوع الذي ميز التوجهات البشرية في هذا الحيز الحضاري، فإن المؤرخين لم يترددوا من إسباغ توصيف الحضارة الأصيلة على تلك الحضارة ورديفتها التي ظهرت في وادي النيل.حيث التطلع الذي لازم الجهد البشري نحوتوظيف الإمكانات والطاقات في تنام ، يعكس مدى القدرات والملكات العقلية التي حظي بها العنصر البشري في تلك المنطقة. يعكس نظام الحكم السياسي الذي ظهر في تلك الأنحاء ،عن حالة من تفاعل جملة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، والذي مكن من ظهور نموذج دويلات المدن السومرية، والذي يعد نقطة البدء في تاريخ البشرية، وإذا كان التوكيد الذي يحرص عليه المؤرخون، حول التحقيب الزمني لظهور هذه الحضارة ، والتي يتم تحديدها بالألف السادس قبل الميلاد، باعتبار الوقوف على ظهور نموذج دولة المدينة،إلا حتى القراءة الموضوعية ، تستدعي العناية والالتفات إلى جملة من العوامل التي كان لها الإسهام المباشر في إبراز أنماط التفكير والتوجهات الإنسانية، لاسيما وأن الحقبة التاريخية هنا ، تمثل فترة مبكرة من تاريخ البشرية ، وعلى هذا فإن الأمر هنا يستدعي المزيد من توخي الدقة، لاسيما فيما يتعلق بطبيعة التفاعلات الاجتماعية السائدة، وأنماط العلاقات وأساليب التفكير، وحالات التداول الاقتصادي الشائعة والمتاحة. كان للبيئة الطبيعية أثرها الواضح، في توجيه أبناء المنطقة نحوالتفاعل مع المعطيات المباشرة ، تلك التي تجسدت في الأرض الخصبة والمياه الوفيرة ، وطبيعة التهديدات التي كانت تتبدى في الكوارث والنوازل، التي شكلت تهديدا مباشرا للوجود ، ومن هذا راح العنصر البشري يعمل جهده نحو، التكيف مع الطبيعة من خلال حث الأنشطة والقدرات في سبيل لقاءة الأخطار المحدقة، والتي تمثلت في الفيضانات الهادرة التي تحدث في حوضي نهري دجلة والفرات، ومن هذا توجه العقل البشري نحوتنظيم هذا الخطر المحدق والدائم عبر ، ابتكار قنوات الري، والتي كان لها الإسهام المباشر، في حفز المزيد من المعطيات الفكرية المتعلقة بفكرة الطوفان، والتي مثلت مسألة لها حضورها البارز في تصنيف المعتقدات السائدة ، هذا بالإضافة إلى حالة التفعيل العملي والتي توضحت في تفعيل مجال النشاط الزراعي ، حيث قيض للفلاح الرافديني من إنتاج المزيد من المحاصيل مثل ، القمح والشعير والذرة والتمور وأنواع مختلفة من الخضار.والواقع حتى النظام الزراعي المستند إلى توزيع قنوات الري والسقي المنظم، قد ظهر في الألف الرابع قبل الميلاد ، مما يعكس حالة الأسبقية التاريخية للعقلية المنظمة ، والقادرة على الإفادة الواعية من المعطيات المتاحة والمتوفرة. لقد برع الفلاح في إنتاج الكثير من الوسائل الزراعية ، حيث كشفت الآثار عن استخدام المحراث الذي يتم سحبه من خلال الثيران ، هذا بالإضافة إلى وجود المنجل المصنوع من الطين المفخور، وبقدر براعة الفلاح في الوعي بالمواسم الزراعية ، والقدرة على تحقيق الإنتاج الوفير من الغلال والمنتجات ، فإن الأمر يبقى منوطا بمدى العلاقة القائمة بين الفلاح والحرفي، حيث المهارة التي تحصل عليها الكثير من الحرفيين ، والذين تمكنوا من تطوير وسائل الإنتاج ، عبر الإفادة مما هومتاح ومتوفر من المعادن، وعليه فإن الكثير من الحرف قد ظهرت ، وكان لها الحضور المهم في رفد القطاع الإنتاجي، إلا أنها ظلت محكومة بواقع البدائية، عملى الرغم من فهم الحرفي من صناعة السبيكة البرونزية، إلا أنه في مجال تصنيع الأدوات الدقيقة كان يعمد لاستعانة بالمواد المكونة من العاج والعظام، ولم يتوقف الأمر على الحرف الرافدة والمعينة للإنتاج الزراعي فقط ، بل فرض التنامي الحضاري ظهور بعض الحرف التي تحتاجها العائلة ، إلى غير ذلك برزت حرفة النسيج وبأنواعه ومتطلباته المتعلقة بالملابس أوالسجاد والفرش المنزلي، مما يعكس حالة الرفاهية التي بلغها الذوق داخل المجتمع الرافديني. يبرز أثر البيئة واضحا في طريقة المعمار السائد، حيث كان الاعتماد المباشر على مادة اللبن المكونة من الطين والقش، في بناء الدور ، فيما كانت بعض المواد الحجرية يتم جلبها من المناطق الشمالية، عبر نهر دجلة لاستخدامها في بناء المعابد، فيما كانت السقوف يتم بناءها اعتمادا على جذوع وسعف النخيل.، وبقدر العناية التي تم إبرازها في مجال تنظيم المدن السومرية ، إلا حتى الحيوانات الداجنة كانت تعيش داخل المنازل.هذا بالإضافة إلى اعتماد السكان على العربات المستندة إلى العجلات الدوارة والتي تسحبها الحيوانات، وقد عهد نظام المواصلات تواصلا لافتا إذا كان على صعيد النقل النهري، أوالبري، حيث برز العلاقة التجارية مع الكثير من المناطق البعيدة مثل مصر والهند، إلى الحد الذي يمكن من خلاله القول بأن التواصل التجاري كان قد استند إلى جملة من السبل التي يدخل فيها عنصر التنويع، والمكون من النهري والبري والنهري. احتلت التجارة حظوة ومكانة رفيعة في الحياة الاجتماعية في بلاد سومر، وهذا ما يتبدى في التنظيم الدقيق والصارم ، الذي درج عليه التاجر الرافديني لاسيما على صعيد كيفية التعامل في عقد الصفقات التجارية، والتي تكشف عنها العقود الموثقة ونظام الفوائد والاستلاف والقروض ، الذي شاع في تلك الأنحاء.فيما كان الاستناد في تصريف التبادل التجاري يقوم على نظام المقايضة، حيث الغطاء النقدي للتبادل يتم استنادا إلى التقدير القائم على القيمة المقدرة للمضى والفضة.ويعكس واقع التداول التجاري عن النشاط الحثيث الذي صدر عن التجار، إلى الحد الذي تراكمت فيه الثروات بشكل واضح، وهذا ما برز على صعيد المقتنيات المضىية والفضية، والمتوفرة بكميات كبيرة ، والتي راحت تظهر على شكل حلي للزينة أوتطعيم بعض الأدوات الشخصية مثل بتر الأثاث أوالأسلحة.ومن واقع التفاعل الاجتماعي والاقتصادي السائد ، فإن العلاقات راحت تتخذ بعدا طبقيا شديد الوضوح لاسيما وأن النشاط التجاري كان في قطاع منه يقوم على تجارة العبيد، إلى الحد الذي تعمقت فيه حدة الفواصل الطبقية ، بين الأغنياء والفقراء من جانب ، والأحرار والعبيد . كان للنشاط الاقتصادي البارز أثره في توجه المزيد من الفئات الاجتماعية، نحوإثبات حضورها وتوكيده داخل هذا الحيز المليء بالفرص، وعليه فإن توجهات الفئة الشابة ، راحت تنزع نحوتحصيل الدرس والذي هجرز في محاولة الانخراط في المجالات التي تحظى بالنفوذ والقوة، حيث السلك الكهنوتي، والذي لم يتوقف عند المعطى الديني والعبادي ، بقدر ما يتيح الفرصة للملتحق به حتى يتعرض على أسرار ومغاليق مهنة الطب، تلك التي كانت محتكرة من قبل الكهنة.مما يعني فسح مجال الفرص للدخول في تثبيت الحضور وامكانية الحصول على المكانة المأمولة والمرجوة. تداخل العامل السياسي بالثقافي، في ترسيم معالم العلاقة مع طبيعة النظرة إلى الدين والمكانة الحظوة التي يتمتع بها، فقد تقمص الحكام السياسيون الدور في سبيل فرض السيطرة والنفوذ والهيمنة ، من خلال عقد التحالفات الوثقى مع طبقة الكهنة ، إلى الحد الذي راح النفوذ يتم تقاسمه في الكثير من الأحيان بين الحاكم والكهنة، وقد عهد السومريون عبادة الشمس وإنليل وإينانا(( الأرض)) وتنجرسو(( الري)) وسن (( القمر))، بالإضافة إلى المزيد والعيد من الآلهة التي راحت تظهر في الكثير من المدن السومرية، ومن واقع العلاقة التي يتحكم بها طبقة رحال الدين، فإن أمر التفسير بقي محصورا بالفئة الكهنوتية ، والتي راحت تصمم نظام القرابين بناء على رغباتها وأهوائها، حتى صارت تضع الشروط حول نوع القربان الذي يتم قبوله من قبل الآلهة.ومن هذا الواقع قيض للكهنة من جمع الأموال الطائلة ، حتى باتوا يمثلون الطبقة الأكثر ثراء ، مما وسع مجال النفوذ لديهم وبشكل ملفت .ولم يقف الأمر عند هذه الحدود بل اجتهد الكهنة في إنشاء نظاما معقدا من الأساطير الملغزة، والتي باتت بمثابة الوسيلة التي يتم من خلالها السيطرة على عقول الناس، وعلى الرغم من الكم المعهدي الذي تحصلت عليه هذه الطبقة في علوم الخط والحساب والهندسة والمكعبات والجذر التربيعي والطب، إلا حتى هذا كله بقي مرتهنا لطبيعة الرغبات نحوالسيطرة ومدى النفوذ. تنوعت مكانة المرأة في المجتمع السومري استنادا إلى المكانة الاقتصادية التي تحظى بها،حيث توفر لها القدرات المالية حتى تعمل مستقلة عن زوجها ، فيما خضعت المرأة الفقيرة للسيطرة الكاملة لنفوذ الزوج، والذي أعطى له العهد حتى يقدم على بيع زوجته في بعض الأحيان ، في سبيل الوفاء ببعض الالتزامات المالية المترتبة بذمته، هذا بالإضافة إلى حتى الكثير من الأسر كانت تقدم على توجيه بناتهم للخدمة في المعبد باعتبارها قربانا للآلهة.وكانت المرأة السومرية قد حظيت بالحياة المرفهة لا سيما المنضويات ضمن الطبقة العليا، حيث امتلكن المزيد من مظاهر الزينة وأدوات المكياج والحلي والمصوغات المؤلفة من المعادن النفيسة كالمضى والفضة بالإضافة إلى الأحجار الكريمة. كان للسومريين الفضل في اكتشاف الكتابة ، تلك التي بدأت على شكل نقوش ، ثم تطورت على شكل كتابة مسمارية ، استوعبتها الألواح الطينية منذ العام 3200 قبل الميلاد، وقد تمت الإفادة من هذا الاكتشاف الذي ساهم في تغيير وجه التاريخ البشري، في الكثير من أوجه التفاعل الحضاري، لاسيما في الدين والتجارة ومن ثم الأدب.وقد ظهرت السجلات والوثائق والعقود المسجلة، وتثبيت الأحكام والمبايعات، مما يبرز حالة التنظيم والدقة التي تبدت عليها طبيعة التفاعل الاجتماعي ، الذي ترسخ من خلال تثبيت الحقوق للأفراد، وإذا كان هذا الحدث يعد من الأهمية البالغة والقصوى ، فإن الأمر يبقى رهنا بطبيعة البدايات ، حيث الكتابة على الألواح الطينية التي يتم تجفيها تحت الشمس أوتعريضها للنار، فيما كانت كيفية التعبير تقوم على التصوير والاستناد على الرموز في توضيح الفكرة المراد تثبيتها.