ثابت بن سنان
أبوالحسن ثابت بن سنان بنثابت بن قرة (ت. 11 ذي القعدة 365هـ/11 يوليو975م) طبيب ومؤرخ بغدادي.
جمع "ثابت بن سنان" بين عدد كبير من العلوم الإنسانية والتطبيقية، فكان مؤرخًا فيلسوفًا وأديبًا، كما كان طبيبًا وفلكيًا ورياضيًا، وكانت له بصمات واضحة في تلك العلوم والفنون، بالرغم من أنه لم يحقق قدرًا كبيرًا من الشهرة، ولم يبلغ ما بلغه جده "ثابت بن قرة الحراني" من الشهرة والذيوع.
نشأة فهمية في أسرة عريقة
ولد "أبوالحسن ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة" في أسرة عريقة، اشتهرت بالفهم والطب، ونشأ في بغداد حاضرة الخلافة الإسلامية، وموطن الفهم وقبلة الفهماء، كان أبوه "سنان" طبيبًا ماهرًا، وقد خوله الوزير "أبوعيسى بن الجراح" مهمة الإشراف على علاج المساجين في سجون الدولة، وتوفير الدواء والرعاية الصحية لهم.
كما قلده البيمارستانات ببغداد وغيرها، فكان يقوم بعمله بمهارة وإتقان جعلته موضع ثقة الوزير "علي بن عيسى" والخليفة "المقتدر بالله العباسي".
وكان جده هوالطبيب المعروف "ثابت بن قرة" الذي برز كواحد من أكبر الأطباء والمترجمين في القرن (3هـ = 9م)، والذي كان يتميز بالبراعة والذكاء، وقد روي عنه حفيده "ثابت بن سنان" سيرة طريفة مؤداها أنه كان يمر في طريقه دائمًا بجزار يبيع اللحم، وكانت له عادة غريبة، فهويبتر شرائح الكبد ويضع عليها الملح ثم يتناولها نيئة. وتسقط "ثابت" له حتى يصاب بأذى، فجهّز الدواء اللازم له، وكان يحمله معه حدثا مر عليه، وفي أحد الأيام مر ثابت بالجزار فسمع صراخًا وعويلاً، فأدرك أنه صار إلى ما تسقطه له وعندما سأل عن الخبر قيل له: إذا الجزار قد مات، فطلب الدخول عليه، وعلى الفور بدأ بتنشيط نبض الرجل وأعطاه الدواء الذي أعده خصيصًا له، وسرعان ما أفاق الرجل وبدأ يستعيد نشاطه وحيويته.
في بلاط العباسيين
وقد عاصر "ثابت بن سنان" عددًا كبيرًا من الخلفاء العباسيين، وكانت له مكانة وحظوة في بلاط كثير منهم، وجعل فهمه وخبرته ومهارته في خدمتهم، فاتصل بالخليفة "الراضي" [320-322هـ = 932-943م]، كما خدم الخليفة "المتقي بالله" [329-333هـ = 941-944م]، وكذلك الخليفة "المستكفي بالله" [333-334هـ = 944-945م]، والخليفة "المطيع" [334-363هـ = 945-974م].
وتولى "ثابت بن سنان" إدارة بيمارستان بغداد فترة طويلة من الزمان.
وكان "ثابت" طبيبًا نبيلاً، اطلع على خط الأقدمين، وأضاف إليها الكثير من خبراته ومشاهداته، وقد ساعده على التبحر في علوم الطب أنه نشأ في أسرة توارثت هذا الفهم، وقد سلك فيه مسلك جده "ثابت" في نظره في الطب والفلسفة.
ابن سنان مؤرخًا
ولم يمنع اشتغال ثابت بالطب من اشتغاله بفهم آخر بعيد تمامًا عن مجال الطب، وهوفهم التاريخ، وقد وضع "ثابت" كتابًا مشهورًا في التاريخ، أخذ عنه كثير من المؤرخين الذين اتىوا من بعده، وكان كتابه هذا يسجل فترة مهمة من التاريخ الإسلامي في العصر العباسي، بدأه من خلافة المقتدر بالله العباسي سنة [295هـ = 908م] وانتهى قبيل وفاته بنحوعامين سنة [363هـ = 974م]، وقد جعله ذيلاً على "تاريخ الطبري"، ونسج فيه على منواله، واتبع طريقته في التصنيف، إلا حتى هذا الكتاب فُقد، ولم يصلنا منه سوى بعض النقول ولكن تظل مهنة الطب هي المسيطرة على فكر ابن سنان وثقافته فهي تطل من ثنايا كتاباته في التاريخ، وبدا جليًا تأثره الواضح بمهنته كطبيب، فكان يهتم بالأخبار الطبية الطريفة، فينساب قلمه في وصفها شارحًا ومحللاً، من ذلك قوله: "حدثني جماعة من أهل الموصل ممن أثق به حتى بعض بطارقة الأرمن أنفذ في سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة إلى ناصر الدولة رجلين من الأرمن ملتصقين".
ويهتم "ثابت" بوصف صفة التصاق التوأمين، وكيفية تحركهما وتناولهما الطعام، ويتحدث عن اختلاف طبائعهما وتباين مزاجهما، واختلافهما في الميول والاهتمامات.
وفي موضع آخر يقول: "ورأيت في صدر أيام المقتدر ببغداد امرأة بلا ذراعين ولا عضدين، وكان لها كفان بأصابع تامة معلقتان رأس كتفيها لا تعمل بهما شيئًا. وكانت تعمل أعمال اليدين برجليها ورأسها تغزل برجلها وتمد الطاقة وتسويها وتسرّح امرأة برجليها".
ابن سنان مفهمًا وطبيبًا
وكان "ثابت بن سنان" أستاذًا للعديد من الدارسين والأطباء، وكان يفهم خط أبقراط وجالينوس، وكان أحمد وعمر ابنا يونس بن أحمد الحراني ممن قرأ عليه خط جالينوس في بغداد، كما شارك في ترجمة كثير من الخط الطبية من اللغات السريانية واليونانية وشرحها وإضافة معلومات جديدة إليها.
وكان لبراعته ومهارته وفهمه أكبر الأثر في توليه رئاسة بيمارستان بغداد خلفًا لأبيه ليكون عميدًا لأطباء بغداد.
وتوفي "ابن سنان" في (11 ذي القعدة 365هـ/11 يوليو975م).
وقد رثاه "أبوإسحاق إبراهيم بن هلال الصابئ" بأبيات، منها:
أثابت بن سنان دعوة شهدت
لديها أنه ذوعلة أسف
ما بال طبك لا يشفي، وكنت به
تشفي العليل إذا ما شفّه الدنف
غالتك غول المنايا فاستكنت لها
وكنت ذا يدها والروح تختطف
أهم مصادر الدراسة:
إخبار الفهماء بأخبار الحكماء: علي بن يوسف القفطي، مخطة المتبني – القاهرة: [د. ت].
سير أعلام النبلاء: شمس الدين محمد بن أحمد المضىي. إشراف/ شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة – بيروت: [1410هـ=1990م].
شذرات المضى في أخبار من مضى: أبوالفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي – دار إحياء التراث العربي – بيروت: [د. ت].
عيون الأنباء في طبقات الأطباء: موفق الدين أبوالعباس أحمد بن القاسم بن خليفة. تحقيق: د. نزار رضا، دار مخطة الحياة – بيروت: [د. ت].
المنتظم في تاريخ الملوك والأمم: أبوالفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، دراسة وتحقيق: محمد عبد القادر عطا – مصطفى عبد القادر عطا. دار الخط الفهمية – بيروت.
وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: أحمد بن محمد بن خلكان. تحقيق: د. إحسان عباس – دار الثقافة – بيروت: [د. ت].
الوافي بالوفيات: صلاح الدين خليل بن أبيك الصفدي. دار النشر فرانز شتاينز – شتوتجارت: [1411هـ = 1991م].
إسلام أون لاين: ثابت بن سنان.. الطبّ ميراثا تصريح