القدوس
تقدس في اللغة يعني تطهر, ومنها (التقديس) أي التطهير, والقدس بسكون الدال وضمها تعني الطهر ومنها سميت الجنة حظيرة القدس .. وسمى جبريل روح القدس. والقداسة تعني الطهر والبركة .. وقدس الرجل لله أي طهر نفسه بعبادته وطاعته، وعظمه وكبره ومنها قوله تعالى: {وإذ نطق ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة نطقوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك نطق إني أفهم ما لا تفهمون "30" (سورة البقرة) و(القدوس) بالضم والشد اسم من أسماء الله الحسنى وهويعني المطهر. ولكن نبادر فنقول: إذا مفهوم الطهارة الإلهية يختلف عن مفهوم الطهارة البشرية .. الطهارة البشرية لها أكثر من معنى .. منها الطهارة من الدنس .. ومن جميع ماقد يكون سببا للإصابة بالآفات والأمراض كما في قوله تعالى: {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به (سورة الأنفال ـ 11) وقوله سبحانه وتعالى: {وثيابك فطهر "4" والرجز فاهجر "5" (سورة المدثر) وقوله جل وعلا: {فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن (سورة البقرة ـ 222) ومنها أيضا الطهارة من الآفات القلبية والنفسية كالحقد والحسد والبغض والبخل .. كما في قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها (سورة التوبة ـ 102) وكما في قوله: {أولئك الذين لم يرد الله حتى يطهر قلوبهم (سورة المائدة ـ 41) ومنها أيضا التخلص من جميع عبادة غير عبادة الحق جل وعلا .. والتخلص من معصيته. كما في قوله تعالى على لسان قوم لوط: {أخرجوا آل لوطٍ من قريتكم إنهم أناس يتطهرون (سورة النمل ـ 56) أي يتطهرون من المعاصي. وقوله تعالى: {إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا (سورة آل عمران ـ 55) ومن الطهارة البشرية أيضا .. الطهارة من الجنابة .. كما في قوله تعالى: {وإن كنتم جنباً فاطهروا (سورة المائدة ـ 6) هذا عن الطهارة البشرية .. فماذا عن مفهوم القداسة الإلهية،يا ترى؟ هل يمكن حتى تكون بمعنى الطهارة من الدنس أوالجنابة أوالمعصية أوغير ذلك من الوجوه المبطلة للطهارة البشرية،يا ترى؟ بالبتر لا يمكن حتى تكون القداسة أوالطهارة الإلهية بهذا المعنى، بل أنها تختلف اختلافا مطلقا عن الطهارة البشرية. ولكي نفهم هذا الاختلاف ينبغي حتى ندرك حتى النجاسة ـ خاصة المادية ـ كالبول والبراز وخلافه مرتبطة بالبنية المادية للإنسان، فلولا الجسد لما كان هناك بول أوبراز أوعرق أودم الحيض. ونظرا لأن الإنسان يتكون من روح وجسد فإنه لم يخل من كافة وجوه الدنس المرتبطة بهجريبه المادي. أما الحق جل وعلا فهومبرأ من المادة .. أي حتى المادة لا تدخل في هجريبه، وكيف تدخل المادة في هجريبه وهي مخلوق من مخلوقاته عز وجل .. ولقد كان الحق تبارك وتعالى ولم يكن معه شيء على الإطلاق .. كان الله ولم تكن هناك مادة. وكونه سبحانه وتعالى مبرأ من المادة يجعله مبرأ تبعا لذلك من جميع وجوه النجاسة والدنس التي تصيب البشر بسبب بنيتهم المادية. وإذا انتقلنا إلي النجاسة أوالدنس المعنوي كالكفر والشرك والمعصية نجد أنها منتفية في حق الله عز وجل لأنه غير خاضع لتكليف حتى يوصف بهذه الأوصاف. وبالنسبة للآفات القلبية فهي أيضا منتفية في حقه تعالى، لأنه واحد أحد فرد صمد وليس له شبيه أومثيل حتى ينظر إليه نظرة الحاسد أوالحاقد. فإذا كانت الطهارة الإلهية تختلف هذا الاختلاف الجذري عن مفهوم الطهارة البشرية .. فماذا تعني القداسة أوالطهارة الإلهية إذن،يا ترى؟ نجيب على هذا السؤال فنقول: حتى القداسة الإلهية تعني حتى الحق جل وعلا مبرأ من جميع عيب أونقص يتعارض مع كماله المطلق. ولكن ما هي العيوب أوالنقائص التي تتعارض مع الكمال الإلهي،يا ترى؟ قلنا من قبل: إذا الكمال المطلق للحق تبارك وتعالى يقتضي كمال صفاته العلية، وهذا يعني حتى جميع صفات الله عز وجل مطلقة وليست نسبية. خذ على سبيل المثال صفة القدرة .. هذه الصفة نسبية لدى الإنسان بمعنى أنه يقدر على أشياء ولا يقدر على أخرى .. بينما نجد صفة القدرة لدى الحق جل وعلا مطلقة .. بمعنى أنه سبحانه قادر على جميع شيء .. فلا يعجزه شيء .. ولا يقف ضد إرادته حائل. والقدوس في هذا الصدد تعني أنه تبارك وتعالى مطهر عن النقص والعجز في الصفات .. فجميع صفاته مطلقة .. أي تبلغ منتهى الكمال في الوصف، فرحمته مطلقة وفهمه مطلق، وحكمته مطلقة وسمعه مطلق، وعزته مطلقة وعدله مطلق، إلى غير ذلك شأن جميع صفاته تبارك وتعالى. وقلنا أيضا: إذا صفات الحق جل وعلا تنقسم إلي قسمين .. قسم لقاء .. وهوالأسماء الحسنى التيقد يكون عملها في مخلوقات الله عز وجل .. ومنها المعز المذل .. النافع الضار .. فالحق سبحانه وتعالى يعز من خلقه من يشاء ويذل من يشاء .. وينفع من يشاء ويضر من يشاء وقسم لا يقبل العكس أي أسماء ليس لها لقاء .. وهذه الأسماء هي أسماء للذات الإلهية العلية .. فمن أسمائه عز وجل (الحي) بينما ليس من أسمائه (الميت) .. لأن اسمه (الحي) من أسماء ذاته .. وأسماء الذات لا تقبل العكس. ومثل ذلك أيضا (العزيز) لا يصح حتى نقول إذا من أسماء الذليل. والقدوس في هذا الصدد تعني المطهر عما يناقض أسماء ذاته العلية .. فهوسبحانه وتعالى (الحي) المطهر عن الموت .. (العزيز) المطهر عن الذل .. (القادر) المطهر عن العجز ..(الكريم) المطهر عن البخل .. (العليم) المطهر عن الجهل .. إلى غير ذلك شأن سائر أسماء ذاته الإلهية العلية. وهوسبحانه وتعالى مطهر عن حتىقد يكون له مثيل أوشبيه. ونؤكد على هذه الحقيقة نظرا لأن هناك عقائد عبر التاريخ يعتقد معتنقوها حتى الحق جل وعلا خلق الإنسان على صورته ومثاله. فتقول لهم حتى هذا الاعتقاد باطل من جميع الوجوه، لأنه إذا قيل إذا المماثلة في النطقب المادي .. قلنا لهم حتى الحق عز وجل ليس بمادة .. أي لا تدخل المادة في تكوينه على الإطلاق .. فالمادة مخلوق من مخلوقاته عز وجل .. فكيف يدخل المخلوق في تكوين الخالق تبارك وتعالى عما يصفون علوا كبيرا. إذن المماثلة الشكلية يرفضها العقل متفقا مع ما قرره القرآن الكريم. وإذا قيل حتى المقصود المماثلة في الصفات .. قلنا لهم: إذا هذه أيضا يرفضها العقل .. ولتوضيح ذلك ينبغي حتى نفهم حتى صفات الحق تبارك وتعالى قسمين: قسم خاص به .. وهومجموعة الصفات الخاصة به والتي لا توجد في أي من مخلوقاته بأي درجة من الدرجات .. ومن هذه الصفات الوحدانية والخلق من العدم والإحياء والإماتة والبعث والأزلية والأبدية والقيومية. وأنه سبحانه وتعالى لا تأخذه سنة ولا نوم، وأنه سبحانه فعال لما يريد، وكونه سبحانه الأول والآخر. جميع هذه الصفات خاصة بالحق جل وعلا ولا توجد لدى مخلوقاته مطلقا .. وهذه الصفات لا يمكن حتى نتصور فيها المماثلة بين الله عز وجل والإنسان لأنها غير موجودة لدى الإنسان. أما القسم الثاني فهوالصفات الموجودة لدى الله والإنسان كالسمع والبصر والكلام والقدرة وغيرها من الصفات المشهجرة. ونقول لأنصار المماثلة: أنه حتى بالنسبة لهذه الصفات أيضا لا يمكن تصور المماثلة بين الله عز وجل والإنسان .. لأن الاشتراك هنا اشتراك لفظي أومجازي فقط وليس اشتراكا أومماثلة حقيقية. خذ على سبيل المثال صفة القدرة لدى الإنسان .. تجد حتى جميع ما توصل إليه الإنسان من مبتكرات قد توصل إليه بقدرته العقلية أوالبدنية أوالاثنين معا .. فإذا تساءلنا من خلق الإنسان وخلق له قدرته العقلية والبدنية،يا ترى؟ فسنجد حتى الله سبحانه تعالى هوالذي خلق الإنسان ومنحه القدرة العقلية والبدنية. إذن انتفت لدينا قدرة الإنسان وصارت مظهرا من مظاهر قدرة الله عز وجل .. وانتفت المماثلة تماما. وشتان بين حتى نقول: إذا الصفة لدى الإنسان تمثل مظهرا من مظاهر الصفة لدى الله عز وجل وبين حتى تقول إذا الصفة لدى الإنسان مماثلة للصفة لدى الله تبارك وتعالى. فالحق سبحانه وتعالى ولوكره الكافرون (ليس كمثله شيء وهوالسميع البصير) .. وهوجل وعلا منزه ومطهر عن المثيل والشبيه والند والسمي والكفؤ والمضاد، فتباركت ربنا وتعاليت .. لا نتقول عليك شيئا فنتبوأ مقعدنا من النار، ولا نصفك إلا بما وصفت به نفسك في كتابك أوعلى لسان نبيك .. وقد وصفت نفسك فقلت وقولك الحق: {هوالله الذي لا إله إلا هوالملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون "23" (سورة الحشر)