دستور مصر 1882
دستور مصر الصادر في عهد الخديوي توفيق ليحل محل دستور سنة 1879. ويعد هذا الدستور حلقة في تاريخ القانون الدستوري في مصر ويعد جزءا من مراحل تطوره، وهومحاولة متواضعة لتطبيق نظام ديمقراطي في ظل حكم دكتاتوري يمثله أسرة محمد علي، وهذا الدستور تم إصداره كمحاولة لتأكيد عدم تبعية مصر [عثمانيون|للدولة العثمانية] وفي محاولة متجددة من الخديوي توفيق ليحصل على استقلال ذاتي وجعل الحكم في مصر قائما على أسس أهمها رقابة مجلس النواب لعمل الحكومة الذي يمثله مجلس النظار، أوالوزراء، الأمر الذي يجعل هذا الدستور قريبا من النموذج الدستوري لدولة قانونية -نسبيا- وإن كان لا يرقى إلى المستوى المطلوب للدولة القانونية. ويستشرف من الدستور تبنيه لوظيفة الرقابة من ناحية والتشريع من ناحية أخرى لمجلس النواب، وجعل الحكومة متمثلة في مجلس النظّار مسئولة أمام مجلس النواب الذي هوممثل للأمة المصرية. ولعل أبرز دلالات هذا الدستور هوتبنيه وسط عراك وجدل سياسي في خضم أزمة التدخل الأجنبي، ووجود الثورة العرابية في الساحة، وهوكدستور يعد قاصرا عن تلبية تام طموحات المجتمع المصري وقتئذ. كما حتى هذا الدستور حمل توجهات الخديوي توفيق ورغبته في السيطرة على منطقيد حكم مصر، التي ورثت ديون الخديوي إسماعيل الفاحشة، وعانت من تفكك سيطرة الحكم على أجزاء من الإقليم المصري. ولعل أبرز ما تضمنه دستور مصر سنة 1882 هو ايجاد مجلس للنواب وبيان العلاقة بينه وبين الحكومة (مجلس النظّار) ولكنه دستور قاصر عن ان يضم الحقوق والحريات الأساسية للمواطن في مصر حيث لم يتطرق إليها.
مجلس نيابي يمثل الأمة المصرية
أوجد الدستور مجلسا نيابيا أسماه مجلس النواب ، مقره محروسة مصر (أي القاهرة) يعتمد على انتخاب النواب ، ويستمر عمل المجلس مده خمس سنوات، ولا يتم حل هذا المجلس إلا في حالة الخلاف المستحكم بين مجلس النظار وبينه ، فإذا استمر الخلاف ولم تقم النظارة(الوزارة) بالاستعفاء (الاستنطقة) يقوم الخديوي بفض المجلس والدعوة لانتخاب مجلس نواب حديث يمثل سيادة الأمة المصرية.بحيث إذا اتى مجلس حديث وأقر رأي المجلس السابق الذي كان محل خلاف بينه وبين مجلس النظّار(الحكومة)أصبح رأي المجلس نهائيا ويتم العمل به..
ويقوم المجلس بدور تمثيلي للأمة المصرية ككل ، وله مساءلة الحكومة (النظّار) وطلب ايضاحات. وعلى النظّار (الوزراء) الاستجابة لدعوات مجلس النواب بالحضور ، ليقوم مجلس النواب بعمله.
وظائف المجلس النيابي
وقد تبني الدستور وظيفتي الرقابة من ناحية ، ووظيفة سن القوانين ووضع التشريعات من ناحية أخرى ، وذلك وفق آليات وطرق معينة تعد وفق النظر الدستوري ، ممارسة مقيدة لوظائف البرلمان ( مجلس النواب)، مما استتبع القول بأن ما نص عليه الدستور بخصوص هاتين الوظيفتين الطبيعيتين لمجلس النواب ما تكريس لسيطرة الخديوي ومجلس النظار( الوزراء) الذي يأتمر بأوامر الخديوي وينحوعلى هواه ورغبته.
الوظيفة الرقابية لمجلس النواب
محدودة ولا توصف الا بأنها تغليب للسيطرة الخديوية ونظّاره على شئون الأمة.
الوظيفبة التشريعية وسن القوانين
وضع الدستور تنظيما إجرائيا وموضوعيا لعمل المجلس في خصوص إقتراح اوسن القوانين واللوائح حيث بين الدستور إجراءات عرض القوانين واللوائح على المجلس.وكذلك بيّن الدور المتبادل بين مجلس النواب ومجلس النظّار في سن التشريعات واقتراح تعديلاتها.
مباديء أساسية تبناها الدستور
مبدأ سيادة الأمة
بموجب هذا الدستور ، فان السلطة تستمد من الأمة ويكون الحكم باسمها والأمر يصدر تعبيرا عنها كلها، ارتكازا على ان أمة قديمة مثل مصر لاتتكون فقط من شعب اليوم اوالمواطنين الذي يعيشون الآن بل تضم إلى جانب ذلك أجيال الأمس وأجيال الغد، ولذلك فإن جيل اليوم الحاضر عندما يتخذ قرارات سياسية معينة فانه إنما يمثل في ذلك تنطقيد وثقافة وقيم المجتمع في الماضي والحاضر والمستقبل. ويتوافق هذا الدستور في هذا المنحى نحوسيادة الأمة مع إعلان حقوق الإنسان والمواطن التي اعلنتها الثورة الفرنسية في سنة 1789 م، فقد نص هذا الاعلان في مادته الثالثة على أن: «مبدأ السيادة كلها يكمن أساسا في الأمة ولا تستطيع أي هيئة أوفرد حتى يمارس سلطة لا تكون الأمة مصدرها الصريح».
ويعيب هذا المنحى الذي تبناه الدستور الذي سمي بدستور 1882 أنه يمكن الحاكم من السلطة المطلقة إذ أنه سيحكم باسم الأمة (الشخص المجرد المستقل في وجوده عن افراد الشعب والمواطنين) والحاكم باعتباره ممثلا لصاحب السيادة الكاملة ستكون له جميع السلطات دون حدود ولا رقيب ولا مسئولية مما فتح بابا كبيرا للظلم وعدم احترام الحقوق والحريات. فالخديوي وهوالذي بيده وتحت نفوذه مجلس النظار، استجمع سلطات الحكم جميعها، وما كان مجلس النواب إلا تنفيسا للثورة الشعبية العرابية أويمكن وصفه بأنه صورية سياسية وزيف قانوني، ولهذا لم يرتق هذا بمصر إلى مستوى الدولة القانونية التي تكون فيها السيادة للقانون أيا كان مصدر هذه السيادة سواء الأمة أوالشعب.
مبدأ الانتخابات والتمثيل النيابي
وقد ترتب على الارتكاز على نظرية سيادة الأمة في هذا الدستور حتى الانتخابقد يكون وظيفة وواجب، فالتصويت فيه إلزامي، وقد هجر الدستور تحديد شروط الانتخاب لقانون يصدر لاحقا على هدى من هذا الدستور. حيث يقع على عاتق الشخص هذا الواجب وهوجميع من تتوافر فيه شروط الانتخاب، وعليه حتى يقوم باختيار النواب الذين سيمثلون الأمة كلها ويعبرون عن آرائها ومصلحتها وهذا مرجعه نص المادة السادسة من هذا الدستور, بما مفاده حتى تمثيل النائب ووكالته عن الأمة كلها: «كل نائب يعتبر وكيلاً عن عموم الأمة المصرية وليس فقط عن الجهة التي انتخبته». وبهذا فان النائب يمثل الامة كلها كوحدة كاملة وليس دائرته الانتخابية فهونائب عن الامة كلها وليس عن الدائرة التي رشح نفسه ونجح فيها.
حصانة النواب واستقلالهم
تبنى الدستور مبدأين أساسيين هما:
- حصانة النائب (عضومجلس النواب) ضد أية إجراءات تقوم بها الحكومة تتعلق بالمساس بحريته الشخصية من جراء اتهامه بجريمة. وعلّق الدستور اتخاذ إجراءات تتعلق بوقوع جناية أوجنحة من النائب على إذن من المجلس، تأكيدا لمبدأ الحصانة، وبهذا تبنى الدستور أبرز وسائل الحصانة البرلمانية وهوالإذن. وهوبحد ذاته قيد على الحكومة من النيل من النواب، وهوضمانة لحسن سير عمل المجلس النيابي.
- استقلال النائب، بمعنى عدم تبعيته لسلطان ناتج من أوامر أوتعليمات تصدر إليه بشأن ممارسة وظيفته كنائب في مجلس النواب، وله في مجال الاستقلال؛ مطلق الحرية في إبداء رأيه غير مرتبط بأي وعد اوتهديد (وعيد) ولا يجوز التعرض للنائب بأي شكل من الأشكال.
وهذا ما عبر عنه الدستور في مادتيه الثالثة والرابعة.