سفسطائيون
عودة للموسوعةالسفسطائي (باليونانية: σοφιστής) كان نوعًا محددًا من المفهمين في اليونان القديمة، في القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد. تخصص الكثير من السفسطائيين باستخدام أدوات الفلسفة والبلاغة، لكن سفسطائيين آخرين علّموا مواضيع كالموسيقا والرياضة البدنية والرياضيات. ادعوا بشكل عام أنهم يفهمون آريتيه («السمو» أو«الفضيلة»، مطبقةً على مجالات مواضيع متعددة)، بشكل رئيسي لرجال الدولة الشباب وطبقة النبلاء.
أتى المصطلح في اليونانية من سوفيزو«أنا حكيم»؛ التي اشتق منها سوفيستيس بمعنى «حكمة-اني، الذي يقوم بالحكمة» وسوفوس التي تعني «حكيم».
نظرة تاريخية
لم تنجُ إلا كتابات قليلة من وعن أوائل السفسطائيين. تقاضى أوائل السفسطائيون أجرًا لقاء التعليم وتلقين الحكمة، لذا كانوا يوظفون عادةً من قبل الأثرياء. أدت هذه الممارسة إلى إدانات وجهها سقراط عبر أفلاطون في حواراته، وكذلك زينوفون في كتابه تذكارات، وأيضًا -وإن كان ذلك محط جدل إلى حد ما- إدانات وجهها أرسطو. يمكن اتهام أرسطوبكونه سفسطائيًّا باعتبار أنه كان يتقاضى أجرًا كمفهم الإسكندر الأكبر. لم يقبل أرسطوفي الواقع أموالًا من فيليب، أبي الإسكندر، لكنه طلب من فيليب إعادة بناء ستاغيرا، مسقط رأس أرسطوكدفعة، وهي بلدة كان فيليب قد دمرها في إحدى حملاته السابقة، وقبل فيليب بهذا الشرط. خط جيمس إيه. هيريك: «في دي أوراتوري أوعن الخطيب، يلوم شيشرون أفلاطون لفصله بين الحكمة والبلاغة في هجوم الفيلسوف المشهور على السفسطائيين في محادثة غورغياس». قدِّم السفسطائيون في أعمال كهذه على أنهم «منمِّقون» أو«مخادعون»، ومن هنا أتى المعنى المعاصر للمصطلح.
يذكر التاريخ التقليدي للبلاغة والهجريب اللغوي الفلاسفة أمثال أرسطووشيشرون وكينتيليان أكثر ما يذكر السفسطائيين. أصبحت الفلسفة تعتبر منفصلة عن السفسطة، والسبب الكبير في ذلك يعود إلى تأثير أفلاطون وأرسطو، إذ تعتبر السفسطة بلاغيةً ومنمقة، وتعتبر مجالًا عمليًّا. لذا، بحلول عهد الإمبراطورية الرومانية، كان السفسطائي ببساطة مفهم بلاغة وخطيبًا عامًّا شعبيًّا. فكان ليبانيوس وهيميريوس وأيليوس أريستيدس وفرونتوبهذا المعنى سفسطائيين. ولكن، رغم معارضة الفلاسفة سقراط وأفلاطون وأرسطو، من الواضح حتى السفسطائيين كان لهم أثر كبير في عدد من المجالات، بما فيها نموالفهم ونظرية السياسة الأخلاقية. كان لتعاليمهم بالغ الأثر على الفكر في القرن الخامس قبل الميلاد. ركز السفسطائيون على الفحص العقلي للعلاقات الإنسانية وعلى خير ونجاح الحياة البشرية. نطقوا إذا الآلهة لا يمكن حتى تكون تفسيرًا للعمل البشري.
القرن الخامس قبل الميلاد
في النصف الثاني من القرن الخامس قبل الميلاد، وبالتحديد في أثينا، أصبحت تسمية «سفسطائي» تدل على طبقة من المثقفين الجوالين الذين أعطوا دروسًا في مواضيع مختلفة، ووضعوا فرضيات عن طبيعة اللغة والثقافة، واستخدموا البلاغة للوصول إلى غاياتهم، وهي غالبًا إقناع الآخرين. «كان للسفسطائيين، على جميع الأحوال، أمر مشهجر واحد: مهما يكن من أشياء أخرى ادعوا أولم يدعوا معهدتها، فقد تميزوا بالفهم العميقة للحدثات التي يمكنها تسلية أوإدهاش أوإقناع جمهور ما». مضى السفسطائيون إلى أثينا ليدرّسوا لأن المدينة كانت تزدهر آنذاك. كانت وظيفةً جيدة لأولئك البارعين في المناظرة، وهي كانت خاصيةً للسفسطائيين الأوائل، ولاقوا الشهرة والثروة التي كانوا يبحثون عنها. يعتبر بروتاغوراس عادةً أول هؤلاء السفسطائيين المحترفين. ومنهم أيضًا غورغياس، وبروديكوس، وهيبياس، وثراسيماخوس، ولايكوفرون، وكاليكليس، وأنتيفون، وكراتيلوس. ادعى بعض السفسطائيين أنهم وجدوا إجابات جميع الأسئلة. ويعهد معظم هؤلاء السفسطائيين اليوم من خلال كتابات خصومهم (وبالتحديد أفلاطون وأرسطو)، ما يجعل من الصعب تكوين نظرة محايدة عن تعاليمهم وممارساتهم. في بعض الحالات، كحالة غورغياس، ما زال هناك أعمال كلامية أصلية، وذلك يسمح بالحكم على المؤلف حسب أقواله. ولكن، في معظم الحالات، تأتي الفهم بما نطقه أوعمله السفسطائيون كأفراد من اقتباسات مجتزأة لا تضع الكلام في سياقه، وعادةً ما تكون عدائية.
يمكن وصف السفسطائيين بأنهم فلاسفة ومفهمون بنفس الوقت، سافروا في أنحاء بلاد الإغريق مفهمين طلابهم مهارات الحياة المتنوعة، وخاصة البلاغة والخطابة. هذه كانت خصالًا جيدةً في تلك الأوقات التي كان لقدرة المرء على الإقناع أثر كبير على سلطته السياسية وثروته الاقتصادية. أصبحت أثينا مركز نشاط السفسطائيين؛ بسبب انتشار حرية التعبير للمواطنين الأحرار (غير العبيد) في المدينة، ولثرائها بالموارد. لم يكن للسفسطائيين كمجموعة تعاليم موحدة ثابتة، وألقوا المحاضرات في مواضيع كانت متنوعة لتضم العلوم من اللسانيات والبلاغة إلى فهم الوجود (الأنطولوجيا) ونظرية الفهم (الإبستيمولوجيا). ادعى معظم السفسطائيين تعليم آريتيه (السمووالفضيلة) وتعدى ذلك إدارة وتنظيم علاقات المرء ليضم إدارة وتنظيم المدينة كذلك. كان يُعتقد قبل القرن الخامس قبل الميلاد حتى ولادة المرء لعائلة أرستقراطية تؤهله للسياسة والأريتيه. لكن بروتاغوراس، الذي يُعتبر السفسطائي الأول، نطق بأن الأريتيه نتيجة التدريب وليست نتيجة الولادة.
القرن الأول للميلاد
من أواخر القرن الأول للميلاد مثلت السفسطائية الثانية -وهي حركة فلسفية وبلاغية- التعبير الرئيسي عن الحياة الفكرية. يأتي مصطلح «السفسطائية الثانية» من فيلوستراتوس، الذي رفض تسمية «السفسطائية الحديثة» ناسبًا جذور الحركة إلى الخطيب إيسخينيس في القرن الرابع قبل الميلاد. ولكن ممثلها الأول كان عمليًّا نيقيتاس السميرني، في أواخر القرن الميلادي الأول. على عكس الحركة السفسطائية الأصلية في القرن الخامس قبل الميلاد، لم تُعنَ السفسطائية الثانية كثيرًا بالسياسة. لكنها كانت، إلى حد كبير، تعنى بالحاجات اليومية وتستجيب للمسائل العملية في حياة المجتمع الإغريقي الروماني. سيطرت الحركة على التعليم العالي وهجرت بصمتها في الكثير من أشكال الأدب. حتى حتى لوسيان، وهونفسه من كتاب السفسطائية الثانية، يدعويسوع «ذاك السفسطائي المصلوب». لكن هذه الموضوعة تتناول فقط سفسطائيي بلاد الإغريق التقليدية.
شخصيات كبرى
معظم ما معروف عن السفسطائيين يأتي من شروحات وتعليقات الآخرين. في بعض الحالات، كما هوالحال مع غورغياس، تنجوبعض أعمال المحرر، ما يسمح بالحكم عليه حسب أقواله. في إحدى الحالات، نجا نص سفسطائي هام يدعى «الحجج المتناقضة» (أوديسوي لوغوي) لكن اسم محرره مجهول. تأتي معظم معهدتنا بالفكر السفسطائي من اقتباسات مجتزأة دون سياق. والكثير من تلك الاقتباسات تأتي من أرسطو، الذي يظهر أنه لم يكن يقدر السفسطائيين.
بروتاغوراس
كان بروتاغوراس أحد أشهر وأنجح السفسطائيين في زمنه؛ لكن فلاسفةً لاحقين، كسيكستوس إمبيريكوس عاملوه كمؤسس فلسفة بدل اعتباره سفسطائيًّا. فهم بروتاغوراس طلابه المهارات الضرورية والمعارف اللازمة لحياة ناجحة، وخاصةً في السياسة. درب تلاميذه على النقاش من وجهتي النظر المختلفتين لأنه كان يؤمن حتى الحقيقة لا يمكن حتى تكون مقتصرةً على أحد وجهي النقاش. خط بروتاغوراس عن الكثير من المواضيع وطور عدة أفكار فلسفية، وخاصة في نظرية الفهم. نجت بعض أجزاء أعماله. هوقائل المقولة الشهيرة: «الإنسان مقياس جميع شيء»، وهي الجملة الافتتاحية لعمل أسماه الحقيقة.
غورغياس
غورغياس سفسطائي معروف عرضت كتاباته قدرته على جعل المواقف والحجج غير الشعبية وعكس البديهية تبدوأقوى. ألف غورغياس عملًا مفقودًا يعهد باسم عن اللاموجود، يقول فيه بعدم وجود شيء، ويحاول فيه إقناع قرائه حتى الفكر يختلف عن الوجود. وخط أيضًا مدح هيلين الذي يعرض فيه جميع الأسباب الممكنة التي يمكن حتى تلام بها هيلين على التسبب بحرب طروادة وينقض كلًّا منها.
النقد
فهم كثير من السفسطائيين مهاراتهم لقاء ثمن. وعادةً ما تقاضى الممارسون أسعارًا باهظة لأهمية تلك المهارات في الحياة الاجتماعية في أثينا والتي تقوم على التحاج. أدت ممارسات السفسطائيين من التشكيك في الوجود وأدوار الآلهة التقليدية والبحث في طبيعة السماوات والأرض لقيام ردود عمل ضدهم. وأدى تهجم بعض أتباعهم على سقراط إلى إدانات حادة من أتباعه، بما فيهم أفلاطون وزينوفون، إذ كانت هناك نظرة شعبية إلى سقراط على أنه سفسطائي. على سبيل المثال، نقد محرر المسرحيات الهزلية أريستوفان السفسطائيين بقوله بأنهم متلاعبون بالكلام يعتنون بأتفه التفاصيل، وجعل سقراط ممثلهم. في النهاية، أدى سلوكهم، بالإضافة إلى الثروة التي جمعها الكثير من السفسطائيين، إلى احتقار شعبي لممارسي السفسطة والكتابات والأفكار المرتبطة بالسفسطائية.
المراجع
- ^ A Lexicon Abridged from Liddell and Scott's Greek-English Lexicon, Oxford: Clarendon, 1996, s.v.v. σοφίζω and σοφιστής.
- ^ Plato protagoras, intro by N Denyer, p. 1, Cambridge UP, 2008
- ^ Lucian, Peregrinus 13 (τὸν δὲ ἀνεσκολοπισμένον ἐκεῖνον σοφιστὴν αὐτὸν), cited by Guthrie p. 34.
- ^ 'Outlines of Pyrrhonism' Book I, Chapter 32.
- ^ Gaines, Robert N. (1997). Philosophy & Rhetoric. Pennsylvania: Penn State University Press. صفحات 1–12.
- ^ Aristophanes' "clouds"; Aeschines 1.173; Diels & Kranz, "Die Fragmente der Vorsokratiker", 80 A 21
- صور وملفات صوتية من كومنز
التصنيفات: سفسطائيون, معلمون إغريق, بوابة اليونان القديم/مقالات متعلقة, بوابة فلسفة/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات, صفحات تستخدم خاصية P244