الأمل هوشعور عاطفي يتفاؤل به الإنسان ويرجوفيه نتائج إيجابية لحوادث الدهر أوتقلباته حتى وإن كانت تلكم النتائج الإيجابية صعبة أومحالة الحدوث.

الأمل أوالراتى مصطلح مشهجر بين معظم الديانات والثقافات. والمرجع الرئيس كتاب "نظرة النعيم في أخلاق الرسول الكريم – مادة الراتى"، مع إضافات من كتاب "العلاج الإيماني للدكتور خالد الجابر" المعاني المشابهة: الأمل والتفاؤل وحسن الظن، ولكن لكل مصطلح دلالة خاصة، وهنا الحديث عن الراتى

معنى الأمل

• المعنى الأول : راتى عفوالله ومغفرته للإنسان، فالإنسان دوماً طالما راتى لله تعالى أنه عز وجل يغفر له ما يحصل منه من أخطاء وذنوب، وهوفي الحقيقة بين الخوف منه ورجائه تعالى. وبهذه الموازنة بين الخوف والراتى ينشط الإنسان للعمل والطاعة ولا يصيبه اليأس أوالقنوط إذا أخطأ أوسقط في معصية، لأنه يعهد أنه إذا تاب توبة سليمة مقبولة، وأدى حقوق الخلق عليه فإن الله يغفر له ويرحمه.
• المعنى الثاني :بمعنى انتظار الفرج وكشف البلاء، وزوال المصيبة والمشكلة التي يعاني منها الإنسان، وتسقط حصول الأفضل.

الراتى لغة

الرّاتى مصدر قولهم رجوت فلانا أرجوه وهومأخوذ من مادّة (ر ج و) الّتي تدلّ على الأمل الّذي هونقيض اليأس، ممدود. ينطق رجوت فلانا رجوا وراتى ورجاوة. وينطق ما أتيتك إلّا رجاوة الخير، وترجّيته، ترجية بمعنى رجوته.

لكن هناك فرق بين الأمل والراتى، فالراتى انفعال متوازن، يجمع بين الحذر والتفاؤل، ويجمع بين التمني والعمل. أما الأمل: فهوانفعال يغلب فيه التفاؤل.

الراتى اصطلاحا

على المعنى الأول: نطق ابن القيّم- رحمه اللّه-: الرّاتى هوالنّظر إلى سعة رحمة اللّه. وقيل: هوالاستبشار بجود وفضل الرّبّ تبارك وتعالى والارتياح لمطالعة كرمه. وقيل: هوالثّقة بجود الرّبّ تعالى. نطق ابن القيم : الرّاتى هوعبوديّة، وتعلّق باللّه من حيث اسمه: البرّ المحسن، ونطق: لولا روح الرّاتى لما تحرّكت الجوارح بالطّاعة. ولولا ريحه الطّيّبة لما جرت سفن الأعمال في بحر الإرادات. "2"

نطق الحافظ ابن حجر- رحمه اللّه-: المقصود من الرّاتى أنّ من سقط منه تقصير فليحسن ظنّه باللّه ويرجوحتى يمحوعنه ذنبه، وكذا من سقط منه طاعة يرجوقبولها، وأمّا من انهمك على المعصية راجيا عدم المؤاخذة بغير ندم ولا إقلاع فهذا في غرور. وما أحسن قول أبي عثمان الجيزيّ: من علامة السّعادة حتى تطيع، وتخاف حتى لا تقبل، ومن علامة الشّقاء حتى تعصي، وترجوحتى تنجو«3».

وعلى المعنى الثاني للراتى: تأمّل الخير وقرب وقوعه، وفي الرّسالة القشيريّة:الرّاتى تعليق القلب بمحبوب في المستقبل.

ونطق الرّاغب: الرّاتى ظنّ يقتضي حصول ما فيه مسرّة. ونطق المناويّ: الرّاتى ترقّب الانتفاع بما تقدّم له سبب ما «1».

الفرق بين الراتى والتمني: والفرق بينه وبين التّمنّي: أنّ التّمنّي يصاحبه الكسل، أما الراتى فهومع البذل والعمل

الراتى في القرآن الكريم

• إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّه وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) «4»
• أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (9) «5»
• إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّه أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّه وَاللَّه غَفُورٌ رَحِيمٌ (218) «6» ان القرآن يساعد على التقكير مثال : في الدراسة وفي مساعده الناس.

الأحاديث في راتى عفوالله ومغفرته

عن أنس- رضي اللّه عنه- أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ولج على شابّ وهوفي الموت فنطق: «كيف تجدك؟». نطق: واللّه يا رسول اللّه إنّي أرجواللّه وإنّي أخاف ذنوبي، فنطق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلّا أعطاه اللّه ما يرجووآمنه ممّا يخاف»)* «7».

(عن أنس بن مالك- رضي اللّه عنه- نطق: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «نطق اللّه: يابن آدم إنّك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يابن آدم لوبلغت ذنوبك عنان السّماء ثمّ استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يابن آدم إنّك لوأتيتني بقراب الأرض خطايا ثمّ لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة»)* «8».

ومن كلام الفهماء في النوع الأول من الراتى

(نطق الشّافعيّ- رحمه اللّه- في سقم موته: فلمّا قسا قلبي وضاقت مذاهبي... جعلت الرّجا منّي لعفوك سلّما تعاظمني ذنبي فلمّا قرنته... بعفوك ربّي كان عفوك أعظما) «9». (نطق سفيان- رحمه اللّه-: «من أذنب ذنبا عملم أنّ اللّه تعالى قدّره عليه، ورجا غفرانه، غفر اللّه له ذنبه»)* «10». (نطق أبوعمران السّلميّ منشدا: وإنّي لآتي الذّنب أعهد قدره... وأفهم أنّ اللّه يعفوويغفر لئن عظّم النّاس الذّنوب فإنّها... وإن عظمت في رحمة اللّه تصغر) «11».

الراتى في التراث المسيحي

الراتى في الكتاب المقدَّس هوفي عودة المسيح إلى الأرض (المجيء الثاني للمسيح)؛ حيث سيأتي ويحقق العدل ويحكم على الأرض بالحق، ممجدًا الله وناصرًا المظلوم. إذ سيقيم المسيح حينها الموتى، المؤمنين منهم إلى حياة أبديَّة والخطاة إلى دينونة نار أبديَّة. فيقول الكتاب المقدَّس في تيطس 2: "منتظرين الراتى المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح". ويحوي الكتاب المقدس على حوالي 1518 نبوءة عن المجيئ الثاني للمسيح الرَّب على لسان الأنبياء والموحى لهم على مدى التاريخ. ومن الأسماء التي تطلق على ذلك اليوم، أشهرها: "يوم الرَّب" كما اتى في إشعياء 13: "هوذا يوم الرب قادم قاسيا بسخط وحموغضب ليجعل الارض خرابا ويبيد منها خطاتها". فهويوم دينونة الله على الشَّر الذي في الأرض، أمَّا اللذين يضعون إيمانهم في المسيح الذي توفي مصلوبًا وقام فلهم الحياة الأبديَّة.

أنواع الراتى

-وهناك نوعان من الراتى : راتى سلبي، وهويقتصر على الطلب والتمني ؛ وراتى عامل، ويتضمن التفكير والتخطيط، والتفكيرقد يكون غالبا في اتجاه عكس التيار الفكري العام، ومختلفا عن كيفية تفكير الآخرين. -مثلا : لنتخيل وجود ثلاثة معتقلين محكوم عليهم بالسجن مدى الحياة، الأول فقد راتىه، فأصيب باليأس والإحباط ولم يحتمل عدة سنوات ومات، والثاني، كان لديه إيمان ولكنه لم يعمل شيء وبقي يدعوويصلي كي يخرج من السجن، ولكنه لم يخرج بل استطاع حتى يحتمل الحياة في السجن بقوة الراتى، أما الثالث، فكان لديه راتى قوي وايمان بأنه يفترض أن يخرج من السجن، ففكر وخطط للهروب من السجن، ورغم الصعاب التي قابلته إلا أنه استطاع بعزيمته التغلب عليها والهرب

أثره

1. الراتى قوة عظيمة، فبه يعيش الإنسان، ومن خلاله يستمد رغبته في الحياة، ينطق حتى الإنسان يموت عندما يشعر بأنه لا يوجد لديه سبب في الحياة، فالسبب هوالراتى.
2. الراتى هوالطاقة المحركة لعربة الحياة، ولكن من هوالسائق ،يا ترى؟ أهوالجسد ،يا ترى؟ فيكون الراتى هوالعاطفة المنشطة لكل خطية خرجت من صندوق باندورا، أم هوالروح ،يا ترى؟ فيكون الراتى هوالايمان والثقة بالله وبوعوده التي تفوق أي احتياج أرضي وأي رغبة عاطفية.
3. هناك راتى عامل نشط مفكر ومخطط وواعي يهرب من القيود ويصل الي الحرية، وراتى كسول وخامل يبقى في الأسر الي الابد.
4. هناك راتى حقيقي عاقل، يفهم بما يثق وبما يرجو، وراتى كاذب مبني على الطموحات الانانية الزائفة والخيالية.
5. حياة الراتى هي الحياة بحسب مشيئة الله، وليس فقط وضع أهداف زائفة ومنتهية لا تشبع الفرد بل تحوله الي أهداف أخرى وأخرى ليشبعها، بل الايمان بأن نهاية الطريق ستكون مليئة بالخير والبركة والسعادة، حتى ولوكان ذلك الطريق مجهولا. وذلك الراتى لا يسرق في سبيل المال، ولا يغش من أجل النجاح، ولا يزني باسم الحب، ولا يخون من أجل المصلحة، فينطبق عليه تعاليم (مكافلي) الشيطانية : " الغاية تبرر الوسيلة "، بل يسير في الطريق الذي رسم له بايمان وراتى، واثقا أنه رغم جميع العقبات والتضحيات، فان الهدف الحقيقي يفترض أن يتحقق

الراتى عند الرومان والإغريق

-وقد اعتبر الرومان والإغريق الراتى الها يقدسونه، فقد سماه الإغريق بالإله Elpis، وتقول الأسطورة الاغريقية حتى Elpis كان موجودا في صندوق باندورا (الصندوق الذي عندما فتحته باندورا ملأ الشر الأرض) لذلك أخرجت باندورا جميع الشرور وأبقت على Elpis فأصاب اليأس والإحباط جميع البشر، فعادت باندورا مرة أخرى الي الصندوق لتخرج Elpis فخرج ضعيفا بطيئا، إلا أنه أزداد قوة وتأثير وأصبح أشد من باقي الشرور. -وقد سمي الرومان الراتى الالهة Spes، واعتبروها آخر الالهة Ultima Dea، مما يعني حتى الراتى هوالملاذ الأخير الذي يحتاجه الإنسان. وفي الفن الروماني، تصور الالهة Spes وهي تمسك بيدها الخير والزهور، رمزا للجمال والوفرة معا.

الراتى في كتابات فهم النفس الغربي

في عام 2006 قام أحد فهماء النفس الدكتور (Anthony Scioli) بوضع نظرية تسمي بعناصر الراتى Hope، حيث يرى حتى الراتى تعبير عن أربعة عناصر مترابطة ومتكاملة هي : (الترابط Attachment، السيادة Mastery، البقاء Survival، والروحانية Spirituality).

الكيمياء الحيوية للراتى

المراجع

1. مدارج السالكين (1/ 37)، التوقيف على مهمات التعاريف (174)، والمفردات (19)، والتعريفات للجرجاني (109).
2. انظر مدارج السالكين: (1/ 43- 44).
3. انظر فتح الباري لابن حجر (11/ 301).
4. البقرة: 218 مدنية
5. فاطر: 29- 30 مكية
6. الزمر:تسعة مكية
7. الترمذي (983) ونطق: هذا حديث حسن غريب، ونطق النووي: إسناده جيد.
8. الترمذي (3540) ونطق: حديث حسن، ونطق محقق رياض الصالحين (178): للحديث شاهد من حديث أبي ذر عند أحمد وآخر من حديث ابن عباس عند الطبراني فالحديث حسن.
9. دليل الفالحين، لابن علان (2/ 361).
10. إحياء علوم الدين، للغزالي 1 (145).
11. حسن الظن، لابن أبي الدنيا (ص 106).