فهم نفس النمط الأولي، هي حركة مستقلة نشأت في بداية سبعينيات القرن العشرين على يد جيمس هيلمان، وهوعالم نفس حاصل على تدريب في فهم النفس التحليلي، وهوأول مدير لمعهد يونغ في زيورخ. يُشير هيلمان إلى انبثاق هذا النوع من فهم النفس من تعاليم يونغ في فهم النفس التحليلي بالإضافة إلى تعاليم ومراجع مستقاة من مصادر وشخصيات أخرى مثل هنري كوربين وفيكووأفلوطين.

يتعامل فهم نفس النمط الأولي نسبيًا مع مفهوم الأنا ويُركز على ما يُدعى النفس أوالروح والأنماط الغامضة (أوالمعقدة) للوظيفة النفسية «المخيلة الأم التي تحيي الحياة». يتشابه فهم نفس النمط الأولي مع ميثولوجيا تعدد الآلهة من خلال محاولته الإقرار بالعدد الضخم من المخيلات والأساطير –الآلهة والإلهات وأنصاف الآلهة والمخلدون والحيوانات– التي تُشكل حياتنا النفسية وتتشكل منها في الوقت ذاته. في هذا المجال، يُمثل الأنا مخيلةً نفسية واحدة من بين مجموعة كبيرة من المخيلات. وفقًا لأندروسامويلز، فإن فهم نفس النمط الأولي هوواحد من المدارس النفسية الثلاثة المنبثقة بعد مدرسة فهم النفس اليونغي، إلى جانب المدرستين الكلاسيكية والتطويرية.

المؤثرات

المؤثر الأساسي في نشوء فهم نفس النمط الأولي هوفهم النفس التحليلي لكارل يونغ. أثرت الفلسفة اليونانية الكلاسيكية وأدبيات عصر النهضة وأفكار الحركة الرومانسية بقوة في نشوء هذه المدرسة النفسية. تأثرت هذه الحركة أيضًا بمجموعة من الفنانين والشعراء والفلاسفة وفهماء النفس أمثال تخصصه وهنري كوربين وكيتس وشيلي وبتراركا وبراكلسوس. يختلف هؤلاء الأشخاص في نظرياتهم ورؤاهم النفسية، لكنهم يُبدون اهتمامًا مشهجرًا بالنفس أوالروح.

كارل غوستاف يونغ

كارل غوستاف يونغ هوعالم نفس سويسري وهوالأب الأول لفهم نفس النمط الأولي. أنماط يونغ الأولية هي أنماط تفكير ذات سعي نحوإيجاد أوجه شبه بين الأفراد أوالمجتمعات على نطاق عالمي. تظهر هذه الأنماط الأولية في الأحلام والديانات والفنون وفي الأعراف الاجتماعية للناس جميعًا، وتبرز بصورة اندفاعية لدى الأشخاص المصابين باضطرابات عقلية. وفقًا ليونغ، تقطن الأنماط والأفكار الخاصة بالنمط الأولي في اللاوعي الجمعي، وهومخطط متأصل في جميع الأفراد، على العكس من اللاوعي الشخصي الذي يشير فرويد إلى احتواءه على أفكار ورغبات وذكريات مكبوتة خاصة بفرد واحد فقط. يختلف فهم النفس اليونغي عن فهم نفس النمط الأولي بإيمان يونغ حتى الأنماط الأولية هي أنماط مجتمعية وأنثروبولوجية غير خاضعة لقواعد العالم التطبيقية من الزمان والمكان وغير قابلة للرصد بالتجربة (لا ظواهرية). في اللقاء، يعتقد فهم نفس النمط الأولي حتى الأنماط الأولية ظواهرية على الدوام.

هنري كوربين

هنري كوربين، هوباحث وفيلسوف فرنسي وهوالأب الثاني لفهم نفس النمط الأولي. ادعى كوربين وجود عالم موازٍ أسماه «عالم المثال» الذي يُمثل نطاقًا مستقلًا من الحقائق المُتخيلة، مضفيًا طابعًأ وجوديًا على مكان وجود الأنماط الأولية للنفس. وفّر عالم المثال أسسًا كونية وتقييمية للأنماط الأولية. تمثلت المساهمة الثانية لكوربين في هذا المجال بإتيانه بفكرة إمكانية الوصول إلى الأنماط الأولية عبر المخيلة، إذ إنها تبرز على شكل صور في البداية، لذا يجب حتى يعتمد نهج فهم نفس النمط الأولي على البلاغة والشاعرية لا على الاستدلال المنطقي، ويجب حتى يهدف العلاج النفسي إلى استعادة المريض لحقائقه المُتخيلة. لذا يتمثل هدف العلاج النفسي في أرضية مشهجرة بين الحقائق النفسية، ما ينمي الإحساس الداخلي بالروح. وفقًا لكوربين أيضًا، تعتمد طريقة العلاج على تنمية المُخيلة.

إدوارد كيسي

عُرف إدوارد إس. كيسي بتفريقه بين فهم نفس النمط الأولي ونظريات نفسية أخرى عبر وصفه للصورة على أنها طريقة للرؤية بدلًا من كونها شيئًا مرئيًا. وفقًا لكيسي، تُفهم الصورة من خلال المُخيلة فقط؛ لأن الصورة ليست ما يراه الشخص بل هي ما يستخدمه للرؤية. يُشير أيضًا إلى حتى المُخيلة هي نشاط روحي لا مقدرة بشرية فقط. تبدوالصورة في المخيلة أكثر عمقًا وقوةً وجمالًا من فهمها وفهمها. يُفسر هذا الدوافع الموجودة لوضع ضوابط ضامنة لإبراز تعقيد الصورة في مختلف أنواع الفنون.

جيمس هيلمان

أشار هيلمان باختصار في إحدى كتاباته إلى أصل فهم نفس النمط الأولي: عند ذكري ليونغ في البداية، فإنني أعترف جزئيًا بالدور الجوهري الذي لعبه في نشوء فهم نفس النمط الأولي. يُعد يونغ السلف الأحدث لفهم النفس هذا من بين أسلافٍ آخرين كُثر مثل فرويد ودلتاي وكولريدج وشيلن وفيكووفيسينووأفلوطين وأفلاطون وهيراقليتوس، بالإضافة إلى تفرعات أخرى من الأسلاف لم تُكتشف بعد.

فهم النفس متعدد الآلهة

يُشير توماس مور إلى مساهمة الكيفية التي يستعملها جيمس هيلمان في تدريسه في «تصوّر النفس على أنها متعددة بطبيعتها». تمتلك النفس أوالروح -في نظرة هيلمان لتعددية الآلهة- اتجاهات عديدة ومصادر كثيرة للمعنى فيحس الشخص أنه في حالة مستمرة من الصراع مع نفسه. وفقًأ لهيلمان، «يُمكن لفهم النفس متعدد الآلهة حتى يُعطي تفاضلًا مقدسًا لاضطراباتنا النفسية الشديدة». يقول هيلمان: تكمن قوة الخرافة في قدرتها على التأثير والاستيلاء على الحياة النفسية. علِم الإغريق بهذا جيدًا، لذا لم يكن لديهم دراية بفهم عمق النفس ولا بفهم نفس الأمراض. امتلكوا خرافات، في حين امتلكنا دراية بفهم عمق النفس وفهم نفس الأمراض بدلًا من الخرافات التي كانت لديهم. لذا يُظهر فهم النفس خرافاتهم بطراز جديد، في حين تُظهر الخرافات فهم عمق النفس الخاص بنا بطراز قديم.

يقول هيلمان حتى إشاراته الكثيرة للآلهة مختلفة عن الاستعمال الأدبي لها، إذ يعتبرها كمفكرة، أوكألواح مضخمة للصوت «لتضخيم صوت الحياة كما هي اليوم أوكنغمات البيس التي تعطي رنينًا لأنغام الحياة الصغيرة». يُصر هيلمان على أنه لا ينظر إلى مجمع الآلهة على أنه مصفوفة مسيطرة يجب حتى نقيس أفعالنا على أساسها ونشجب خسائرنا الحديثة للغنى.

النفس أوالروح

يقول هيلمان إنه انتقد النظريات والحركات النفسية للقرن العشرين (مثل فهم النفس الحيوي والسلوكية وفهم النفس المعهدي) التي تبنت فلسفةً وممارسةً فهمية طبيعية. كانت الأسباب الرئيسة لانتقاده لهذه الحركات هوكونها مختزلة ومادية وحرفية؛ إذ إنها علوم نفسية مجردة من النفس ومن الروح. سعى هيلمان عبر أعماله إلى إعادة النفس لمكانها السليم ضمن فهم النفس. يرى هيلمان نشاط الروح عبر حضورها في الصور الذهنية والمُخيلة والخرافة والاستعارات المجازية. ويراها في فهم نفس الأمراض ضمن أعراض الاضطرابات النفسية. يحاول هيلمان في جزءٍ كبيرٍ من أعماله حتى يُنصت إلى حديث الروح الذي يُكشَف عن طريق الصور والمُخيلات.

يمتلك هيلمان تعريفه الخاص للروح. يُشير إلى حتى الروح ليست «شيئًا» ولا كيانًا وليست شيئًا ما موجودًا في داخل الشخص. بدلًا من هذا كله، يرى هيلمان الروح على أنها «منظور مجرد من المادة، ووجهة نظر تجاه الأمور ... إذ إذا الروح تأملية تتوسط الأحداث وتصنع الفوارق..». على سبيل المثال، لا توجد الروح في الدماغ أوفي داخل الرأس (كما حددت أغلب علوم النفس الحديثة مسقطها)، بل إذا البشر هم من في داخل النفس. ويُشار إلى العالم بروح العالم الذي يُمثل الصلة الجوهرية بين كافة الكائنات الحية على كوكب الأرض. يقتبس هيلمان تعبير للشاعر الروماني جون كيتس إذ يقول: «سموا العالم بالوادي الصانع للأرواح». بالإضافة إلى هذا، يُلاحظ هيلمان حتى الروح:

تشير إلى تعميق الأحداث وتحولها إلى خبرات. وبسبب أهميتها، فإن الروح قادرة على جعل جميع الأمور ممكنة، سواءً في الحب أوفي أمور متعلقة بالدين، ويأتي هذا من علاقتها المميزة بالموت. وأعني بالروح جميع الاحتماليات التخيلية التي تضم التجربة عبر التخمين التأملي والحلم والصورة والمُخيلة، ذلك النهج الذي يرى حتى جميع الحقائق هي رمزية واستعارية في الأصل.

أطلق هيلمان على مفهوم الروح -الممثَّلة بالاحتمالية التخيلية المعتمِدة على الأنماط الأولى والاستعارات الجذرية- تسمية «الأسس الشاعرية للذهن».

المراجع