معايير تعريف القانون الدستوري

اختلف المفكرون وتباينت إتجاهاتهم تبعًا للمعيار اللذي إستند عليه جميع فريق وإتخذوها أساسًا لتعريف القانون الدستوري وتحديد مضمونه وهي أربع معايير.

المعيار اللغوي

يرى أنصار هذا الإتجاه بتعريف القانون الدستوري بالدستور نفسه، فحدثة دستور اختلف أصحاب القواميس حول معناها، ويقصد بها بالأساس أوالقاعدة أوالنظام، وهي تعني التأسيس أوالتكوين أوالتنظيم. واتى في تعريفها: تطلق على الأصل والقانون، والوزير الكبير الذي يرجع في أحوال الناس إلى ما يرسمه.، ونطق الفيروز آبادي في القاموس المحيط: «الدُّستور، بالضم: النسخة المعمولة للجماعات التي منها تحريرها، مُعَرَّبة، وجمعها دساتير»، ونطق الزبيدي في تاج العروس: «المعمولة للجماعات، كالدفاتر التي منها تحريرها، "ويجمع فيها قوانين الملك وضوابطه"». ويستخلص من المعنى اللغوي حتى لكل جماعة إنسانية منظمة دستورها الخاص، اللذي يبين طريقة نشأتها والقواعد اللتي تحكم وتنظم شؤونها، فهنالك دستور للأسرة، دستور للنقابة، دستور للحزب، دستور للجمعية، وانتهاء بالدستور العام للدولة.

وانطلاقًا من هذا المعيار، يعهد القانون الدستوري بأنه"مجموعة من القواعد القانونية اللتي تنظم أسس تكوين الدولة ومقومات بنائها، والقواعد اللتي يقوم عليها نظامها"

يتمحور القانون الدستوري حول الموضوعات اللتي تتعلق بوجود الدولة وعناصر تكوينها وشكلها وعلاقة السلطات التشريعية والتطبيقية والقضائية فيما بينها واختصاصات جميع منها، كما يضم القانون الدستوري النظام الإداري والقضائي للدولة، وقوانين الجنسية فيها.

لما كان المعنى اللغوي للقانون الدستوري-اللذي يعطي مفهومًا واسعًا له- يتعارض مع الوضع العملي فإن معظم الفقه لا يعتمد هذا المعيار اللغوي لأسباب عديدة أهمها:

يجعل هذا المعيار من القانون الدستوري مادة واسعة المجال لا تقتصر على دراسة نظام الحكم في الدولة، بل تضم أيضا دراسة نظامها الإداري والقضائي ونظامها الخاص بالجنسية، أي دراسة بقية الموارد والاختصاصات التي تعنى بها القوانين والعلوم الأخرى.
لا يجوز تفسيرالمصطلحات القانونية تفسيرًا لغويًا بحتًا، فلكل فهم لغته ومدلولاته الخاصة، ولمصطلح القانون الدستوري معنى خاص متعارف عليه في العلوم يختلف عن المعنى يتضمنه التفسير اللغوي.
يربط المعيار اللغوي القانون الدستوري بالدستور، مع أنه يوجد بينهما اختلاف يوضحه المعيار الشكلي.

المعيار الشكلي

يعود بروز المعيار الشكلي إلى انتشار حركة تدوين الدساتير في العالم وبدأت هذه الحركة بظهور دستور الولايات المتحدة في العام 1787، ثم بظهور الدستور الفرنسي بعد الثورة الفرنسية في العام 1791.

يمضى المعيار الشكلي في تعريف القانون الدستوري إلى الشكل أوالمظهر الخارجي اللذي تتجسد فيه القاعدة القانونية وشكل الجهة التي أصدرتها، والإجراءات اللتي إتبعت في وضعها أوتعديلها، ويعهد الدستور استنادا إلى هذا المعيار بأنه" مجموعة القواعد الأساسية المنظمة للدولة، والصادرة في شكل وثيقة دستورية من قبل هيئة خاصة يختلف تكوينها باختلاف الدساتير ويطلق عليها اسم السلطة التأسيسية، يتبع في وضع وتعديل القواعد الأساسية إجراءات خاصة تختلف عن إنشاء وتعديل القوانين العادية".

مزايا المعيار الشكلي

الوضوح والبساطة والتحديد فالقواعد الدستورية تخضع في إنشائها وتعديلها لإجراءات تختلف عن المتبعة في القوانين العادية.
ترتيب سموالقواعد الدستورية على غيرها من القواعد اللتي يحتويها النظام القانوني في الدولة.
يوفر هذا المعيار نوعًا من الجمود، حبث انه يحتاج في تعديله ضرورة إتباع إجراءات قانونية أكثر تعقيدًا.

عيوب المعيار الشكلي

العجز عن وضع تعريف موحد للقانون الدستوري، وذلك لأن الوثيقة الدستورية تختلف من دولة إلى أخرى من حيث الإجراءات والموضوع.
يؤدي المعيار الشكلي للقانون الدستوري إلى إنكار وجود دستور في الدولة اللتي ليس لها دستور بهذا المعنى، فقد يتكون الدستور في بعض الدول من قواعد قانونية مستمدة من العهد والتنطقيد كما في بريطانيا.
يحدد المعيار الشكلي معنى القانون الدستوري بحدود الوثيقة الدستورية وهولا يعطي مفهوم دقيق لموضوعات القانون الدستوري.

المعيار الموضوعي

يعتمد المعيار الموضوعي في تعريف القانون الدستوري على مضمون أوجوهر القواعد القانونية، بصرف النظر عن الشكل أوالإجراءات المتبعة عند إصدارها، وبناء على ذلك يتضمن القانون الدستوري جميع القواعد القانونية ذات الطبيعة الدستورية أيًا كان مصدرها، سواء تضمنتها الوثيقة الدستورية، أونظمت بقوانين عادية، أوكان مصدرها العهد الدستوري.

ينحصر الخلاف بين مفكري القانون الدستوري حول المعيار الموضوعي في ثلاث مواضيع:

موضوع الدولة

مضى فريق إلى إدارج موضوع الدولة ضمن ما يعد دستوريًا بطبيعته، واستنادا في ذلك إلى حجة مفادها حتى القانون الدستوري هوأحد فروع القانون العام الداخلي، ومن ثم تبرز فيه الدولة بوصفها صاحبة السلطات العامة.
مضى فريق آخر إلى القول بأن نظرية الدولة وأركان وجودها وأشكالها واختلاف نظمها السياسية، ليست من قبيل الموضوعات ذات الطبيعة الدستورية، وذلك لأن دراسة الدولة تهم القانون العام بكل فروعه وليست موضوعًا خاص بالقانون الدستوري.

موضوع القواعد الدستورية المتعلقة بتحديد الإتجاهات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، التي يستند إليها نظام الحكم

مضى جانب من مفكري القانون الدستوري إلى القول بأن الأهداف والمبادئ والإتجاهات السياسية، والاقتصادية، الاجتماعية اللتي يوجهها المشرع الدستوري للسلطات العامة في الدولة كي تسير بناء عليها في رسم السياسة العامة للدولة في وقت معين لا تعتبر من قبيل الموضوعات الدستورية بطبيعتها، لأنها مجرد مبادئ لا تنتمي بذاتها إلى أحكام القانون الوضعي، ومن ثم تتجرد من صفة الإلزام الفوري ولا تعتبر بالتالي قواعد ملزمة، ويقتصر دورها على توضيح معالم المجتمع وتوجيه مناهج النظام فيه، كما انها بالإضافة إلى ذلك لا علاقة لها بنظام الحكم في الدولة، ولا تتصل بتنظيم السلطات العامة فيها، وعلى ذلك فإن مضمون القواعد الدستورية يجب حتى ينحصر في نطاق السلطة العامة، من حيث تأسيسها وتنظيمها، وتحديد اختصاصاتها، وكيفية ممارستها لوظائفها.
مضى فريق آخر إلى القول بأن النصوص اللتي تتضمنها الدساتير تجسد الإتجاهات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية اللتي تسترشد بها السلطات العامة عند مباشرتها لوظائفها، وهي نصوص دستورية تندرج في إطار القانون الدستوري في معناه المادي والموضوعي.

موضوع قضية السلطة والحرية:
- الإتجاه الأول:يرى حتى القانون الدستوري هووسيلة لتنظيم الحرية

إتجه الفكر الدستوري التقليدي إلى الربط بين القانون الدستوري والنظام الديمقراطي الحر، ولا يكفي للقول يوجود الدستور حتى يتضمن القواعد المنظمة للسلطة السياسية في الدولة، وإنما يجب حتى يتضمن فضلًا عن ذلك القواعد التي تكفل الحقوق والحريات العامة للأفراد والضمانات الأساسية لحمايتها.

وإستندت هذه الفكرة إلى موجة الحركات الدستورية اللتي إنتشرت في بداية القرن الثامن عشر، كأثر للفلسفات السياسية اللتي إرتكزت على أفكار القانون الطبيعي والعقد الاجتماعي وحقوق الإنسان.

- القانون الدستوري هوأداة لتنظيم السلطة

يرى هذا الممضى حتى جميع دولة ينطبق عليها شروط قيام الدولة لا بد وأنقد يكون لها حتما وبالضرورة دستور، أيًا كانت طبيعة نظام الحكم فيه، وكيفية تكوينها، واختصاصاتها، وعلاقة السلطات ببعضها وموقفها إزاء المواطنين، وقد تزعم هذا الإتجاه الفقيه الفرنسي مارسيل بريلوحيث عهد القانون الدستوري بأنه "فن أوتنظيم السلطة"

- القانون الدستوري يقوم على التوفيق بين السلطة والحرية

تزعم هذا الإتجاه الأستاذ أندريه هوريوويرى حتى القانون الدستوري هوفن التوفيق بين السلطة والحرية في الدولة.

ويرى حتى المهمة الأساسية للقانون الدستوري تتحدد في إيجاد الحل التوفيقي بين ضرورة وجود السلطة، وضرورة ضمان الحريات الفردية، وذلك لأن ممارسة السلطة ليست غاية في ذاتها، وإنما هي وسيلة لتحقيق المصلحة العامة، كما حتى الحرية ليست مطلقة بلا حدود، بل لا بد من حدود وضوابط معينة لممارستها بواسطة سلطة منظمة، وإلا إنقلبت بالضرورة إلى نوع من الفوضى.

عيوب المعيار الموضوعي

طبيعة دستورية ضمن نطاق القانون الدستوري، وكذلك إغفال أوإخراج بعض الموضوعات اللتي تعد من طبيعة دستورية من نطاق هذا القانون، وذلك حسب الأهواء السياسية والإتجاهات الفكرية السائدة.

يترتب على التمييز بين ما دستوري وما هوغير دستوري، حتى يحاط الأول بعناية خاصة من حيث الإصدار والتعديل والإلغاء، ومن ثم حتى يسموعلى غيره من النصوص القانونية، والأخذ بالمعيار الموضوعي على إطلاقة دون الالتفاء إلى مكان ورود هذا النصوص، سيكون له نتائج عملية شديدة الخطورة.

المعيار الأكاديمي

للإعتبارت والتنطقيد الجامعية أثر في تحديد المواضيع اللتي تدخل ضمن المقرر الدراسي للقانون الدستوري في مختلف كليات الحقوق والعلوم والسياسية في العالم فهناك اختلافات في مختلف جامعات الدول حول المواضيع اللتي يجب حتى يقدمها مقرر القانون الدستوري.

يقوم هذا المعيار على أساس تحديد مركز القانون الدستوري باعتباره فرعًا من فروع القانون العام الداخلي واللذي يبين العلاقة بين الدولة باعتبارها صاحبة السيادة من جهة والأفراد من جهة أخرى.

المعيار المستخدم في تعريف القانون الدستوري

يستبعد المعيار اللغوي كأساس سليم يعتمد عليه في تعريف القانون الدستوري.

يأخذ معظم المختصين في فرنسا ومصر بالمعيار الموضوعي في تعريف القانون الدستوري ويرجحونه على المعيار الشكلي، ويمضى فريق آخر حتى المعيار الموضوعي غير منضبط، ويقوم على أساس مرن فضفاض، وبالتالي لا يمكنه حتى يعهد القانون الدستوري تعريفًا سليمًا، وليس أدل على ذلك من اختلاف أنصاره حول الموضوعات اللتي تعتبر دستورية بطبيعتها، والتي تمثل موضوع القانون الدستوري.