تعسير
عودة للموسوعةالتعسير لغةً:
من العُسْر نقيض اليُسْر. والعُسْرة والإعسار: قِلَّة ذات اليَد، وأصل هذه المادة يدلُّ على صُعوبةٍ وشِدَّة. عسِر الرجل: قلَّ سماحه في الأمور وعسَرتُ الغريم أعسُره طلبت منه الدين على عُسره.
واصطلاحًا: حتى يشدِّد الإنسان على نفسه أوغيره في أمر الدِّين بالزِّيادة على المشروع، أوفي أمر الدُّنيا بهجر الأَيْسَر ما لم يكن إثمًا
النهي عنه في القرآن
نطق تعالى (في سورة البقرة): 
وَإِن كَانَ ذُوعُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ 
.
نطق ابن كثير: ( يأمر تعالى بالصَّبر على المعسر الذي لا يجد وفاءً، فنطق: ((وَإِن كَانَ ذُوعُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ)). أي: لا كما كان أهل الجاهليَّة يقول أحدهم لمدِينه إذا حلَّ عليه الدَّين: إمَّا حتى تقضي وإمَّا حتى تُرْبِي. ثمَّ يندب إلى الوضع عنه، ويَعِدُ على ذلك الخير والثَّواب الجزيل، فنطق: ((وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)) . أي: وأن تهجروا رأس المال بالكليِّة وتضعوه عن المدِين).
نطق سبحانه (في سورة الطلاق): أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى 
(تضمنت هذه الآية معاتبة للأمِّ على المعَاسَرة، كما تقول -لمن تستقضيه حاجةً فيتوانى-: سيقضيها، غيرك ترغب حتى تظل غير مقضيَّة فأنت مَلُومٌ. نطق سعدي المفتي: ولا يخلوعن معاتبة الأب -أيضًا-؛ حيث أسقط في الجواب عن حيِّز شرف الخطاب مع الإشارة إلى أنَّه إذا ضُويِقَت الأمُّ في الأجر، فامتنعت مِن الإرضاع لذلك، فلا بدَّ مِن إرضاع امرأة أخرى، وهي -أيضًا- تطلب الأجر في الأغلب الأكثر، والأُمُّ أشفق وأحنُّ، فهي به أولى، وبما ذكرنا يظهر كمال الارتباط بين الشَّرط والجزاء)
النهي عنه في السنة
نطق: قام أعرابيٌّ فبال في المسجد، فتناوله النَّاس، فنطق لهم النَّبي : ((دعوه، وأريقوا على بوله سجلًا مِن ماء، أوذَنُوبًا مِن ماء، فإنَّما بُعِثتُم ميسِّرين، ولم تُبْعَثوا معسِّرين )).
نطق العيني: (فيه مراعاة التَّيسير على الجاهل، والتَّألف للقلوب). وأولى الناس بالتيسير الداعية إلى الله؛ اقتداء برسول الله ، وكذلك المفتي عليه حتى يراعي التيسير وحمل الحرج عن الناس. يقول ابن العربي: (إذا اتى السَّائل عن مسألة، فوجدتم له مَخْلَصًا فيها، فلا تسألوه عن شيء، وإن لم تجدوا له مَخْلصًا فحينئذ اسألوه عن تصرُّف أحواله وأقواله ونيَّته، عسى حتىقد يكون له مَخْلصًا).
نطق: نطق رسول الله : (( لا تشدِّدوا على أنفسكم فيشدِّد الله عليكم، فإنَّ قومًا شدَّدوا على أنفسهم فشدَّد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصَّوامع والدِّيار؛ رهبانيَّة ابتدعوها ما خطناها عليهم )).
ونطق ابن القيم: (نهى النَّبيُّ عن التَّشديد في الدِّين، وذلك بالزِّيادة على المشروع، وأبلغ أنَّ تشديد العبد على نفسه هوالسَّبب لتشديد الله عليه، إمَّا بالقَدَر، وإمَّا بالشَّرع، فالتَّشديد بالشَّرع: كما يشدِّد على نفسه بالنَّذر الثَّقيل، فيلزمه الوفاء به، وبالقَدَر: كعمل أهل الوسواس؛ فإنَّهم شدَّدوا على أنفسهم، فشدَّد عليهم القَدَر، حتى استحكم ذلك، وصار صفة لازمة لهم)
أي: ليؤخر مطالبة الدين عن المدين المعسر. وقيل: معناه يفرج عنه، أويضع عنه، أي: يحط عنه، وهذا مقتبس من مشكاة قوله سبحانه:(( وَإِن كَانَ ذُوعُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ)) .)((من سرَّه حتى ينجيه الله من كرب يوم القيامة، فلينفِّس عن معسر، أويضع عنه))
عن النَّبي ، نطق: (( كان تاجر يُدَاين النَّاس، فإذا رأى مُعْسِرًا، نطق لصبيانه: تجاوزوا عنه، لعلَّ الله حتى يتجاوز عنَّا، فتجاوز الله عنه )).
نطق النووي: (والتَّجاوز والتَّجوُّز معناهما المسَامَحة في الاقتضاء والاستيفاء، وقبول ما فيه نقص يسير، كما نطق: وأتجوَّز في السِّكة. وفي هذه الأحاديث فضل إنظار المعْسِر والوضع عنه، إمَّا كلَّ الدَّين، وإمَّا بعضه مِن كثيرٍ أوقليلٍ، وفضل المسَامَحة في الاقتضاء وفي الاستيفاء، سواء استوفى مِن مُوسِر أومُعْسِر، وفضل الوضع مِن الدَّين، وأنَّه لا يحتقر شيء مِن أفعال الخير، فلعلَّه سبب السَّعادة والرَّحمة. وفيه جواز توكيل العبيد، والإذن لهم في التَّصرُّف).
عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه نطق:
– ((آخى النَّبيُّ بين سلمان وأبي الدَّرداء، فزار سلمان أبا الدَّرداء، فرأى أمَّ الدَّرداء متبذِّلةً، فنطق لها: ما شأنك،يا ترى؟ نطقت: أخوك أبوالدَّرداء ليس له حاجة في الدُّنيا. فاتى أبوالدَّرداء، فصنع له طعامًا، فنطق: كُلْ. نطق: فإنِّي صائمٌ. نطق: ما أنا بآكلٍ حتى تأكل. نطق: فأكل، فلمَّا كان اللَّيل مضى أبوالدَّرداء يقوم، نطق: نَمْ. فنام، ثمَّ مضى يقوم، فنطق: نَمْ. فلمَّا كان مِن آخر اللَّيل نطق سلمان: قُم الآن. فصلَّيا، فنطق له سلمان: إنَّ لربِّك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعط كلَّ ذي حقٍّ حقَّه. فأتى النَّبيَّ فذكر ذلك له، فنطق النَّبي : صدق سلمان)).
أقوال الفهماء في التعسير
(لا يتعمَّق أحدٌ في الأعمال الدِّينيَّة، ويهجر الرِّفق إلَّا عجز وانبتر، فيُغْلَب)
– ابن حجر، فتح الباري
- وذكر حتى عمر بن عبد العزيز نطق: (من لم يكن له إلَّا مَسْكن فهووالله مُعْسِر ممن أمر الله بإنظاره).
- نطق عبد الملك بن عبد العزيز لأبيه -وقد ولج في القائلة-:
(يا أبت، على ما تقيل وقد تداركت عليك المظالم لعلَّ الموت يدركك في منامك وأنت لم تقضِ دأب نفسك ممَّا ورد عليك ، نطق: فشدَّد عليه، نطق: فلمَّا كان اليوم الثَّاني عمل به مثل ذلك نطق عمر: يا بنيَّ، إنَّ نفسي مطيَّتي وإن لم أرفق بها لم تبلِّغني يا بنيَّ، لوشاء الله تعالى حتى ينزِّل القرآن جملةً واحدةً لعمل، نزَّل الآية بعد الآية حتى إبطاء ذلك في قلوبهم، يا بنيَّ، إنِّي لم أجد الحَقْحَقة أي:شدة السير تردُّ إلى خيرٍ) .
- عن الحسن البصري نطق: (إنَّ هذا الدِّين دينٌ واصب، وإنَّه مَن لا يصبر عليه يدعه، وإنَّ الحقَّ ثقيل، وإنَّ الإنسان ضعيف، وكان ينطق: ليأخذ أحدكم مِن العمل ما يطيق، فإنَّه لا يدري ما قَدْرُ أجله، وإنَّ العبد إذا ركب بنفسه العنف، وكلَّف نفسه ما لا يطيق، أوشك حتى يسيب ذلك كلَّه، حتى لعلَّه لا يقيم الفريضة، وإذا ركب بنفسه التَّيسير والتَّخفيف، وكلَّف نفسه ما تطيق كان أكيس أونطق: كان أكثر العاملين، وأمنعها مِن هذا العدووكان ينطق: شرُّ السَّير الحَقْحَقة).
- نطق العيني :(التشديد هوتحمل المشقة الزائدة في العبادة وذلك لمخافة الفتور والإملال ولئلا ينبتر المرء عنها فيكون كأنه عاد فيما بذله من نفسه وتطوع به) ..
نماذج وصور من التعسير
- التَّعْسِير على المدِين عند تأخُّره عن قضاء الدَّين -لعدم مقدرته- وعدم إنظاره.
- التَّعْسِير على مَن أراد النِّكاح بالمغالاة في مهور النِّكاح، بل واشتراط بعض الشُّروط الخارجة عن المهر: كحجز قاعة لإقامة العرس، وغيره ممَّا يدفع الشَّباب للعزوف عن النِّكاح.
- التَّعْسِير في النَّفقة، وهي تضييق الرَّجل على أهله في النفقة.
- تَعْسِير ولاة الأمور على الرَّعية: بعدم تلبية حاجاتهم، أووضع العوائق الكثيرة للحصول على تلك الحاجيات.
- تَعْسِير المرء على نفسه: فربما يهجر الأخذ بالرخصة.
الفرق بين طلب الكمال في العبادة والتنطع فيها
عن أبي هريرة عن النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم نطق: (إنَّ الدِّين يُسْرٌ، ولن يُشادَّ الدِّين أحدٌ إلَّا غلبه، فسدِّدوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والرَّوحة وشيء مِن الدُّلجة أي سير الليل ).
نطق ابن المنِير:رأى النَّاس قبلنا أنَّ كلَّ متنطِّعٍ في الدين ينبتر، وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة، فإنَّه مِن الأمور المحمودة، بل منع الإفراط المؤدِّي إلى الملَال أوالمبالغة في التَّطوع المفضي إلى هجر الأفضل أوإخراج الفرض عن وقته، كمن بات يصلِّي اللَّيل كلَّه، ويُغَالِب النَّوم إلى حتى غلبته عيناه في آخر اللَّيل، فنام عن صلاة الصُّبح في الجماعة أوإلى حتى طلعت الشَّمس فخرج وقت الفريضة .
المراجع
- ^ تهذيب اللغة [أبومنصور الأزهري|لأبومنصور الأزهري الهروي]] (ص4/81)
- ^ نضرة النعيم(ص9/4209)
- ^ تفسير القرآن العظيم لابن كثير (ص1/717)
- ^ (روح البيان) لاسماعيل حقي (10/29)
- ^ رواه البخاري (220)
- ↑ عمدة القاري شرح سليم البخاري للعيني (22/138)
- ^ (أحكام القرآن) [4/75]
- ^ رواه أبودود وأبويعلى، ونطق ابن تيمية: له شواهد في السليم، حسن إسناده ابن مفلح في (الآداب الشرعية)، وصحح إسناده البوصري، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود (4904) .
- ^ (إغاثة اللهفان) [1/132]
- ^ رواه مسلم (1563)
- ^ دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين لابن علان (ص7/164)
- ^ رواه البخاري [2078] ومسلم [1562].
- ^ شرح النووي على سليم مسلم (10/224)
- ^ رواه البخاري (1968)
- ^ تفسير ابن أبي حاتم لابن كثير(ص2/552)
- ^ الزهد لأحمد بن حنبل
- ^ (الزهد) لابن المبارك [1330]
- ^ [مسقط الدرر السنية]
- ^ رواه مسلم (2816) والبخاري (39)
- ^ فتح الباري لابن حجر العسقلاني (ص1/94)
التصنيفات: أخلاق إسلامية, أخلاقيات اجتماعية, بوابة الإسلام/مقالات متعلقة, بوابة أخلاقيات/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات
