أدى انقطاع الاتصالات بمدينة الأبيض لزيادة معاناة المواطنين جراء توقف التحويلات المالية، فضلاً عن حالة العزلة والقلق التي يعيشونها.
التغيير – فتح الرحمن حمودة
بترقب وقلق كان الشاب المغترب يتطلع بشغف كبير إلى سماع صوت والده الذي يعيش في مدينة الأبيض بولاية شمال كردفان- وسط السودان، حيث يعاني الأهالي هناك من انقطاع الاتصالات مما زاد من عزلتهم، وكان يأمل بالاطمئنان على صحة والده، لكن الصمت الطويل انكسر بخبر رحيله ولم يكن بوسعه وداعه ولم تصل كلماته التي كان ينتظرها.
وتعاني مدينة الأبيض من أزمة حادة ناجمة عن انقطاع خدمات الاتصالات والإنترنت لقرابة الشهر مما زاد من صعوبات الحياة اليومية للسكان وجعل التعاملات المالية تواجه تحديات عسيرة فضلاً عن فقدان التواصل مع ذويهم بالخارج.
انقطاع التحويلات
وتحدثت رقية موسى وهي ربة منزل، عن صعوبة التواصل مع زوجها المغترب في ليبيا خاصة بعد مرض ابنها ذي الست سنوات، وقالت لـ(التغيير)، إنها واجهت معاناة كبيرة في رحلة علاجه لعدة أيام بسبب انقطاع الإنترنت وعدم قدرتها على طلب الدعم المالي، ما ضاعف من التحديات التي تمر بها.
أما عبد الرحمن محمد الذي يعيل أسرته من خلال عمله فيصف كيف أوقف انقطاع الشبكة مصدر دخله اليومي مما جعله يعيش ظروفاً اقتصادية قاسية.
وقال لـ(التغيير)، إنه لا يجد أحداً يلجأ إليه للشكوى أو الحصول على دعم مالي، مشيرا إلى أن أسرته أحيانا لا تجد قوت يومها بسبب تدهور الوضع الاقتصادي.
قصتا رقية وعبد الرحمن تعكس معاناة الكثير من الأسر في تلك المدينة حيث يواجهون أزمة مالية متفاقمة نتيجة انقطاع الاتصالات الذي حال دون وصول التحويلات المالية اللازمة لتلبية احتياجاتهم المعيشية.
وتتميز مدينة الأبيض بأهمية خاصة، باعتبارها إحدى المناطق الرئيسية التي تشهد مواجهات عنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وقد عانت المدينة من معارك دموية أسفرت عن سقوط مئات القتلى والجرحى من المدنيين بالإضافة إلى تدهور أوضاعها الاقتصادية بشكل متزايد.
بدائل مكلفة
وكان مصدر من الأبيض أفاد (التغيير) بأن المدينة تواجه انقطاعاً متواصلاً في خدمات الاتصالات والإنترنت عبر شركتي سوداني وام تي ان في حين تعمل شبكة زين في نطاق ضيق وغير مستقر حيث غالباً ما تتعطل المكالمات عند إجراء الاتصال ويستمر هذا الوضع لليوم الثامن عشر.
وشهدت المدينة خلال الأيام الماضي انتشارا واسعا لأجهزة ستارلينك حيث تزايد عددها بشكل ملحوظ ما جذب العديد من المواطنين الذين يسعون للتواصل وإجراء التحويلات البنكية عبر هذه الخدمة، وأصبحت أماكن وجود هذه الأجهزة بمثابة أسواق رائجة، ومصدراً هاماً لكسب الرزق للعديد من الأفراد.
ووفقاً للمواطن إبراهيم حسن الذي تحدث لـ(االتغيير)، فإنه يواجه تحديات تتعلق بضعف شبكة الإنترنت وضيق الوقت المتاح لإجراء الاتصالات والتحويلات المالية إلى جانب التكلفة المرتفعة لاستخدام الخدمة حيث يصل سعر الساعة الواحدة إلى 5000 جنيه سوداني وفي بعض المواقع الأخرى إلى 2000 جنيه مما يجعلها باهظة الثمن للكثيرين.
وتفاقمت أزمة السيولة النقدية في المنطقة حيث يستغل تجار “الكاش” حاجة السكان إلى السيولة ويفرضون خصومات عالية مقابل توفير النقد، ويقول بعض المواطنين إن هناك تضارباً حول استخدام “ستار لينك” إذ يعمل البعض سراً بسبب القيود المفروضة، بينما أفاد آخرون أن السلطات سمحت به مقابل تصاريح بمبالغ مالية.
قلق ومعاناة
ويمتد أثر انقطاع الاتصالات إلى السودانيين في الخارج حيث يحاولون الاطمئنان على عائلاتهم في المدينة التي تعد منطقة نزاع، ويقول الشاب أحمد ياسر المقيم خارج البلاد إن الانقطاع أثر على حالته النفسية وزاد من قلقه على أسرته وأصدقائه.
وأضاف لـ(التغيير)، أنه لم يتمكن من إرسال الأموال لأسرته لمدة أسبوعين حتى استطاع أحد أفراد العائلة استخدام “ستار لينك” لفترة وجيزة لطمأنته.
وفي مشهد آخر يوضح معمر القذافي المقيم بالخارج أيضاً أن الانقطاع زاد من هموم اللاجئين وقلقهم على أوضاع أسرهم حيث تحول الوضع الاقتصادي السيئ إلى عقبة جديدة تعوق تحويل الأموال بسبب الحصار ونقص السيولة.
وأشار في حديثه لـ(التغيير)، إلى أن سكان الأبيض يعانون من انعدام العمل وتوقف الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه.
وتحدث د. أحمد مضوي لـ(التغيير) وهو يعبر عن مشاعر مشابهة إذ فقد القدرة على التواصل مع أسرته والاطمئنان على أوضاعهم الصحية والنفسية.
وقال إن التحويلات المالية التي كانت تتم عبر بنكك تأثرت بشدة مع ارتفاع نسبة الخصم من التجار إلى أكثر من 10%.
ولا تبدو في الأفق أي بوادر لانتهاء أزمة الانقطاع المستمر للاتصالات مما يزيد من معاناة سكان الأبيض ويجعل حياتهم اليومية أشبه بمعركة مستمرة للبقاء والتأقلم في ظل ظروف إنسانية واقتصادية بالغة السوء.
ومع اندلاع القتال بين الجيش والدعم السريع بالعاصمة الخرطوم ومناطق أخرى، شهدت الأبيض مواجهات عسكرية دامية ما أدى إلى سقوط مئات القتلى والجرحى وسط المدنيين جراء القصف العشوائي المتبادل.
ومنذ 15 أبريل العام الماضي تحاول قوات الدعم السريع دخول الأبيض والسيطرة عليها، فيما يواصل الجيش حماية قيادة الفرقة الخامسة مشاة والمواقع الاستراتيجية داخل المدينة.