يوسف باشا سليمان .. أيقونة العطاء والعمل الخيري(2/ 2)


· بغالبية ساحقة .. انتخب أكثر من مرة لعضوية المجلس الملى العام

· اهتم بنشر التعليم بين أبناء بلدته فأسس مدرسة للبنين وأخرى للبنات

· لشدة إخلاصه وخدمته الصادقة لبلاده .. الملك فؤاد يتفضل بزيارته

· حسن ضيافته وجود كرمه لأميرة الحبشة .. زاد أواصر العلاقات

تذخر الوثائق بالكثير من المواقف المشرفة ليوسف باشا خلال توليه رئاسة المجلس الملي وصلابته فى الدفاع عن اختصاصاته والفصل فى العديد من القضايا الخاصة به فكان دائما صاحب الرأي الثاقب الذي يدل على بُعد نظر و رجاحة العقل والغيرة على المصلحة العامة ، أيضًا تأسيسه الكثير من الجمعيات الخيرية والمدارس الأهلية ، وتأسيسه لعدد من الكنائس ، فضلا عن مروءته العالية التى ظهرت خلال استقباله للأميرة الحبشية وحاشيتها بمنزله وما أظهره من حسن الضيافة والكرم معهم ، ظل نبراسا في العطاء والخدمة العامة شعلة في النشاط والحيوية وقوة التفكير لآخر لحظة من عمره ففارق الحياة وقلمه في يده .. لقد عاش عزيزًا ومات عزيزًا ..


عضويته في المجلس الملي العام

قدم يوسف سليمان باشا العديد من الإسهامات لأبناء طائفته الاقباط فى مجالسهم الملية ، فقد تولى عضوية المجلس الملى العام لأكثر من مرة ، وكان ينتخب بالإجماع من أبناء طائفته فى دورات المجلس المتعاقبة بل يكاد يكون هو المرشح الوحيد الذي لا يزاحمه أحد ، نظرًا لما أظهره من صفات نبيلة وأراء راجحة فى العديد من القضايا ، فكان دائما يعهد إليه بجميع المسائل التى لها علاقة بالحكومة أو بالبطريرك فكان يقوم بها جميعا على أكمل وجه بفضل شخصيته القوية ومركزه الممتاز لدى رجال الحكومة إذ كان محل احترام وتقدير جميع الحكومات المتعاقبة حينذاك .

وأثناء عضويته فى هذا المجلس لعدة دورات اهتم بالإصلاح الكنسي والدعوة الى تفرغ رجال الدين للرعاية الروحية وترقية أحوال الإكليروس روحيًا وماديًا واهتم أيضًا بالتعليم وتحسين حالة المدارس القبطية وتعليم الدين المسيحي للطلبة المسيحيين في المدارس الحكومية. وشارك فى إنشاء كلية البنات القبطية التى افتتحت عام 1919 فى حى العباسية وكان الهدف من إنشائها هو إعداد جيل جديد من الفتيات القبطيات يُلقن لهن تاريخ مصر وأن تصوغ قلوب طالباتها وأخلاقهن فى القالب الاجتماعي القائم على حب العلم والوطن والفضيلة وكانت كلية البنات تقدم تعليما ممتازا وأقبلت عليها الأسر القبطية والمسلمة على حد سواء .

كما اهتم يوسف سليمان باشا برفع مستوى الإكليريكية وتنظيم الديوان البطريركي ، وفضلاً عن ذلك فقد استمر فى هذه العضوية يفصل فى القضايا والإشكالات بعين ملؤها العدل والنزاهة ، والبعد عن التحيزات الشخصية ..

الجدير بالذكر أن هناك العديد من المسائل التى وقف فيها يوسف سليمان باشا مواقف مشرفة خلال توليه رئاسة المجلس الملي العام جعلته كالأسد يزأر للدفاع عن الحقوق ، نذكر منها:

· مجهوداته فى اللجنة العامة لمساعدة جرحى الأحباش فى الحرب الإيطالية الحبشية ودفاعه بعد الحرب عن علاقة الكنيسة الحبشية بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية .

· دفاعه عن اختصاصات المجالس الملية وعدم الانتقاص منها من خلال صلابته وقوة حجته واقناعه .

· بفضل مجهوداته لدى الوزارات المختلفة ومجلس الوزراء كانت البطريركية تحصل كل عام على إعانة سنوية استثنائية عبارة عن بضعة آلاف من الجنيهات لتستعين بها على سد العجز في ميزانيتها .

· جهوده الشاقة حول التعليم الإلزامي و الحصول من الحكومة على الاعتراف بملكية البطريركية لأرض دير الأنبا رويس وقدم فيهما من المذكرات المدعمة أقوى الحجج والبراهين ما لا يدخل تحت حصر وقد كان إلى الأيام الأخيرة من حياته يرجو أن يواصل جهوده فى هاتين المسألتين إلى أن يفصل فيهما بما يتحقق معه مصلحة الأقباط .

· عندما أوصد رهبان الدير المحرق أبواب ديرهم وأعلنوا أنهم لن يفتحوها إلا بعد أن يصل إليهم خبر عزل رئيس الدير ، كان من رأى الرئاسة الدينية أن هؤلاء الرهبان ثائرون وأن على الحكومة أن تفتح أبواب الدير بالقوة ولو أدى ذلك الى إطلاق الرصاص على جميع الرهبان وقد كان عددهم يربو على التسعين ، هنا وقف يوسف سليمان باشا يعلن بأعلى صوته كما يزأر الأسد فى وزارة الداخلية وفى القصر البطريركى أن أعضاء المجلس جميعا وهو فى مقدمتهم على أتم استعداد لأن يتلقوا الرصاص في صدورهم قبل أن يطلق على الرهبان وقبل أن تنتهك حرمة الدير وكان لهذا التصريح التاريخي كل الأثر في إنهاء المسألة وديًا .

· فى انتخابات المجلس الملى فى فبراير عام 1939 أخذ البعض يهتفون بهتافات سياسية لا تمت الى الانتخابات الملية بصلة وهو ما جعل الحكومة تفكر فى إلغاء الانتخابات كلية خشية أن تتكرر تلك المهزلة ولولا جهود يوسف سليمان وتعهده أمام الحكومة بأنه هو شخصيًا المسئول عن عدم حدوث أي هتافات سياسية من أى نوع أو أى إخلال بالنظام لما تمت الانتخابات الملية بل لربما أدى الأمر الى ما هو أشد خطرا من تأجيل الانتخابات .

إسهاماته الخيرية

وخلال مسيرته الطويلة من العطاء قدم يوسف باشا الكثير من الأعمال الخيرية ، يمكن أن نلخصها في عدة نقاط كما جاء ذكرها في الوثيقة التاريخية :

· قام بتشييد كنيسة كبرى فى بلدته ( سندبيس ) لإقامة الشعائر الدينية بدلا من القديمة التى كانت صغيرة و قد تهدمت بمرور الأيام ولم تعد صالحة للصلاة فيها ، وشيدت الكنيسة على الطراز البيزنطي القديم

· وجد يوسف سليمان باشا أن كنيسة دير الأنبا رويس بالعباسية التى يصلى فيها على الأموات قد تهدمت فاضطر الناس إلى الذهاب بموتاهم الى الكنيسة الكائنة بكلوت بك للصلاة عليهم ثم الرجوع بهم إلى المقابر لدفنهم فدفعته همته العالية ونفسه المتشبعة بحب الخير وخدمة الآخرين الى تشييد كنيسة صغيرة بشارع العباسية للصلاة على الأموات فيها لتقوم مقام الكنيسة المتهدمة ، وقد اتسمت هذه الكنيسة رغم صغر مساحتها بجمال منظرها ورونق بنائها وحسن موقعها وقامت عنوانا على كرم هذا الرجل وحبه لخدمة بنى الإنسان وورعه وتقواه ..

· و لأنه يعلم أن التعليم هو العماد القوى لنهضة مصر ورقيها وتثقيف العقول ، اهتم بنشر التعليم بين أبناء بلدته فأسس مدرسة للبنين وأخرى للبنات لتعليمهم وغرس جذور الفضيلة فيهم .

· كان عضوًا و مؤسساً لكثير من الجمعيات الخيرية وملاجئ الأيتام ، وكان يمدها بالمساعدات الخيرية والمادية فضلا عن الاشتراكات والمساعدات الأدبية ويذكر هنا الكاتب موقفا نبيلا لهذا الرجل حينما وقعت جمعية التوفيق فى أزمة اقتصادية شديدة قام بتأسيس لجنة لجمع التبرعات المادية وكان أول المتبرعين لها و بالفعل استطاعت الجمعية أن تحفظ كيانها و تسد العجز المالى الذى حل بها وذلك بفضل هذا الرجل .. وانطلقت الألسن بالشكر والثناء والدعاء له ..

لقد كان سباقا الى خدمة الجمعيات القبطية وتعضيدها في مهامها الخيرية وتذكر له جمعية التوفيق القبطية تشجيعه لها فى مشروعاتها الخيرية والاجتماعية المتعددة وكان قبل وفاته بيوم واحد فى مقدمة الذين حضروا الحفلة السنوية لجمعية التوفيق القبطية بدار الأوبرا الملكية وقد أظهر فى هذه الحفلة رغبته فى معاونة الجمعية مقترحا عليها سوق خيرية لمساعدتها فى مشروعاتها النافعة وذكر أن الاهتمام بالإصلاح والشئون الاجتماعية يجب أن يكون بعثا لما أسست الجمعية من أجله .

توطيد أواصر العلاقات المصرية الحبشية

وينقلنا العالم الأزهري محمد محمد عرابي الى موقف آخر فى سيرة هذا الرجل العظيم ما يدل على كرمه ومروءته العالية وهو استقباله وضيافته لسمو الأميرة منن زوجة الإمبراطور هيلاسلاسى ولى عهد المملكة الحبشية حينئذ فى سراياه ( منزله ) فى العباسية .. والتى جاءت زيارتها لمصر بعد رحلتها من الحج في القدس دليلا ثابتا على الروابط الوثيقة التى تجمع الأحباش بالأقباط المصريين ، ويذكر أن الأميرة منن بعد أن زارت القدس الشريف أرسلت برقية الى البطريرك برغبتها فى زيارة مصر و التبارك منه ، في الوقت نفسه أرسلت برقية الى سكرتير البابا يوسف لمى الحبشي تطلب منه أن يحجز لها وحاشيتها جناح في فندق شبرد ، فلما اطلع البابا على هذه البرقية أرسل لسموها رسالة أعرب فيها عن مزيد سروره بمقدمها السعيد الى مصر وأنه قد اختار لها أن تنزل على الرحب والسعة في سرايا يوسف باشا سليمان ، وكانت السرايا تقع بالعباسية وتتميز بفخامة البناء وجمال الموقع والبعد عن الزحام والضجيج ..

، فلما وصلت الى مصر فى 14 إبريل سنة 1923 استقبلت بحفاوة كبيرة ثم توجهت هى وحاشيتها الى سرايا يوسف باشا ، وأقامت فيها أسبوعا لاقت خلاله حسن ضيافة وكرم فاق الوصف ، وبعد أن فرغت الأميرة من زياراتها للعديد من الآثار المصرية القديمة والمعاهد القبطية والكنائس ، أقامت مأدبة عشاء فى فندق الكونتننتال لعدد كبير من الشخصيات الكنسية والقبطية وكان يوسف باشا ضمن الحضور ، لكي تعرب لهم عن شكرها على احتفائهم بها ، وبعد تناول العشاء ، ألقى يوسف باشا خطبة حازت استحسان الأميرة أشاد فيها بتاريخ الأحباش وأن ملوكهم اشتهروا بالتدين وحب الحكمة والفضيلة ، كما أعرب عن سعادته بقبول الأميرة تشريف منزله وأنها خير مثال الفضيلة والتدين ..

وهنا نقتبس أجزاء من خطبته الواردة فى الوثيقة : “كلكم يعلم أن تاريخ الأحباش قديم مجد ومجيد وأن ملوكهم قد اشتهروا قديما بالتدين وحب الحكمة ، .. لقد اشتهر هذا الشعب بشدة تمسكه بالدين وعلى رأسه ملوكه العظام ، فقد كانوا المثل الأعلى فى التقوى وحب الفضيلة ، .. وهوذا أمامنا المثال العالى على ذلك ، حضرة صاحبة السمو الإمبراطوري الأميرة منن فإن سموها والحق يقال ، خير مثال للفضيلة والعبادة .. وكم أنا سعيد بتنازل سموها وقبولها تشريف داري ، وأنى أعلن بمزيد من السرور أنها أعظم خطوة نلتها فى حياتى ، وسأحفظ لها هذه ما دمت حيا و سيذكرها أولادي ويرثها أحفادي من بعدهم جيلا بعد جيل لتكون دروسا لهم .. ولقد سمعت من سموها حسن تقديرها ومحبتها للعلاقة الثابتة التى تربط الأحباش بالأقباط ولا شك أن جميع الأحباش يذكرون ذلك ويقدرون هذه العلاقة الروحية حق قدرها”

وبعدما خطب يوسف باشا وقف بلاته هروى نائبا عن سمو الأميرة وخطب بالحبشية شاكرا المصريين على ما لاقت الأميرة من عظيم الحفاوة بها وقال إنها ستخبر أهالي بلادها بهذه المحبة الفائقة وهذا الإخلاص الوافر ، وإنها لن تنسى ما لاقته من مروءة يوسف باشا سليمان صاحب الدار الذى أقامت به خلال زيارتها لمصر وتوفير أسباب الراحة لها ولحاشيتها وهو ما سيظل عالقا فى فؤادها مدى العمر ، وفى الحقيقة لقد أتى يوسف باشا من ضروب الجود والكرم وحسن الضيافة والحفاوة المتناهية بسموها ورجال حاشيتها ما جعلهم يلهجون بالشكر والثناء له ..

والجدير بالذكر أيضا أن يوسف سليمان باشا كان على رأس المستقبلين لأعضاء الوفد الحبشى الذى قدم من أديس أبابا فى 21 مايو سنة 1929 لانتخاب مطران قبطي وخمسة اساقفه احباش لمملكة الحبشة وسار الوفد الى الدار البطريركية فاستقبله الكهنة والشمامسة بالتراتيل والأناشيد الروحية وهتفت الجموع المحتشدة حول الدار بحياة المملكة الحبشية والوفد الحبشي .

الملك فؤاد يزوره فى منزله

كان يوسف سليمان باشا يحتل منزلة كبيرة عند الملك فؤاد الأول نظرا لشدة إخلاصه وخدمته الصادقة لبلاده ، لذا فليس من الغريب أن يتفضل الملك بزيارة سرايا يوسف باشا بعد زيارة الاميرة منن ، وقد صافحه معربا له عن ارتياحه مبتسما فى وجهه ، وقد قابل يوسف باشا هذه المنة والتعطف من جانب الملك فؤاد بالدعاء بحفظ جلالته وسمو الأمير فاروق ولي العهد …

مكانته لدى المصريين

كانت ليوسف باشا سليمان مكانة كبيرة لدى المصريين عامة والأقباط خاصة ، فالجميع يكن له الاحترام والتقدير ، وذلك بفضل سمو أخلاقه وتواضعه الشديد ومروءته العالية ، عرف بين جميع الطبقات بالبشاشة وحسن اللقاء و الكلمة الطيبة ، كانت أعماله الخيرية يشهد لها جموع الأقباط و المصريين ، كان يحرص على مد يد العون للمحتاجين و فك كروب المتضايقين ، لذا انطلق الألسن بالدعاء له ولعائلته بأن يحفظهم الله من كل سوء ..

يعد يوسف سليمان باشا بسيرته وتاريخه المشرف صفحة هامة فى تاريخ مصر لا يمكن أن يغفلها على الإطلاق ، وهو ما جعل العالم الأزهري محمد محمد العرابي يوثق هذه الصفحة الهامة فى تاريخ مصر عام 1925 فى كتابه النادر الذى يعد وثيقة هامة عن مدى الارتباط الوثيق بين المسلمين والأقباط فى مصر .. و قد ختم الكاتب هذه الوثيقة الهامة بقوله “قد تقدمنا لكم بماضيه وحاضره وإن الحلال بين والحرام بين وإن لحكمك أيها القارىء لمرتقبون”

وأختم بما قاله زكى فهمى عن هذا الرجل العظيم : “إذا عددنا مآثر هذا الشهم النبيل وفضائله العديدة على الإنسانية لضاق بنا المقال ، فنكتفى بهذه النبذة تنويها بفضله” …

وأختم بأبيات الشعر التى كتبها أيضا عن هذا الرجل ……..

هو ذلك الشهم الذى بصفاته … تتثنى عليه مشارق ومغارب

صافي السريرة لا يزال على المدى … كرما على الفعل الجميل يواظب

يحوي الوداعة والخلوص مع التقى … فى طي قلب للإله يراقب

متواضع سام علت شرفا له … فى ذروة الكرم الأشيل مراتب

لا عيب فيه غير أن بلطفه … هو للقلوب بكل حين ناهب

حفت به العليا فزان بهاءها … حسنا كما زان السماء كواكب

رحيله وجنازته

فى 21 أبريل عام 1939 كان يوسف باشا سليمان فى الدور الأرضى من “السراية” واقفا ببدلته الرسمية يستقبل الزوار وسمعته حفيدته ينادى على فهيم بك ابنه قائلا :”يا فهيم ، إنده الدكتور ..أنا تعبان” ولم يستطع الطبيب إسعافه ، وشيع جثمانه على سيارة مدفع من سراية العباسية وحتى البطرسية وسار أمامه حملة النياشين التى حصل عليها فى حياته وتقدم الجنازة أفراد أسرته والعديد من الوزراء.

وفي منتصف الساعة الخامسة من مساء يوم السبت 22 أبريل تم تشييع جنازته في احتفال مهيب وقد سار موكب الجنازة من دار الفقيد بالعباسية الى الكنيسة البطرسية يتقدمه كثير من حملة الأزهار المقدمة من الجمعيات والهيئات ، ثم طلبة المدارس وكشافتها ثم الشمامسة ولفيف من رجال الدين وكبار رجال الدولة على رأسهم مصطفى النحاس باشا ومكرم عبيد باشا وواصف غالي باشا ، وأعضاء المجلس الملي العام ومندوبي الجمعيات والهيئات وفى مقدمتها جمعية التوفيق القبطية ،

ومما يذكر أن محمد محمود باشا رئيس الوزراء قد أصدر أمره بالتصريح لعائلة يوسف سليمان باشا بدفن جثمانه الطاهر فى مدفنه الخاص بالكنيسة التى شيدها المجاورة للكنيسة البطرسية بشارع الملكة نازلى وذلك لمكانة الفقيد العظيم فى النفوس .

كلمة حبيب بك المصرى

وعند انعقاد المجلس الملي العام بعد وفاة يوسف سليمان باشا ، القى حبيب بك المصري كلمة تأبين مؤثرة جاء : “بقلوب حزينة أسيفة تلقينا نعي شيخنا و عميدنا المرحوم المغفور له يوسف سليمان باشا وبقلوب حزينة أسيفة تلقت الامة القبطية نعى ذلك الشيخ الجليل النقي الذى قضى حياته مجاهدا فى سبيلها جنديا وقائدا والذي أحبها وأعزها فأحبته وأعزته ، ذلك الرجل الذى كرس في خدمتها صحته وعافيته وتفكيره والذي شهدت له مواقفه في الشئون الوطنية العامة وفى المناصب المختلفة التى تقلدها أنه كان رجل مصر كما كان رجل الاقباط ”

وعن نشاطه وحيويته وقوة ذاكرته لأخر لحظة فى عمره تحدث حبيب المصرى قائلا :” إن هذا الشيخ كان أوفرنا همة وأكثرنا نشاطا ولا يوجد بيننا نحن الذين نقل عنه عمرا من يزعم أنه كان أكثر منه اشتغالا بالشئون القبطية العامة ، وقد ظل محتفظا بنشاطه العقلي الى أخر دقيقة فى عمره . ولعلكم تذكرون جميعا أنه كان حين تعرض مسألة من المسائل يذكر لنا من تفاصيلها ودقائقها ما يدهشنا ويدل على مقدار حيويته ونشاطه وقوة ذاكرته ، تلك القوى التى كرسها كلها وفي غير تردد لخدمة أمته العريقة الكريمة ..

لا أذكر أن يوسف باشا سليمان كان مدفوعا فى أى أمر من الأمور بعامل شخصى أو مصلحة ذاتية . وكانت المصلحة العليا للأمة هى رائده ومقصده ووجهة نظره كما كانت رائدنا ومقصدنا ووجهة نظرنا . فكنا نختلف ونتقارع فى سبيل مجد تلك الأمة العزيزة علينا . ومتى انقضت الجلسة خرجنا أصدقاء أوفياء تجمعنا رابطة الاحترام المتبادل ونحن أشد ما نكون اعجابا بذلك الشيخ العظيم الذى كان شيخا فى عمره ومهابته ووقاره شابا في تفكيره ونشاطه وغيرته”

وعن عزة موته يستكمل حبيب المصرى قائلا :”رقد فى أحضان الابدية وقلمه فى يده .. فقد طلب الى ديوان البطريركية دعوة الجمعية العمومية الى الانعقاد وحمل إليه رسول خطابات الدعوة الى الانعقاد وجلس لكي يوقع عليها وإذا بداعى الخلود يدعوه الى حضرة الرحمن فى جنات النعيم .. وهذا الموت كان جديرا بيوسف سليمان الذى قضى حياته كلها فى شبابه الطاهر الى شيخوخته الصالحة فى الخدمة العامة ، فوجب أن تختم هذه الحياة الكريمة خاتمة كريمة ، فكان كالجندي الذى يسقط في حومة الجهاد وقائم سيفه في كفه والفرق بينهما أن يوسف سليمان باشا لم يكن فى يده سيف بل كان فى يده غصن الزيتون ورسالة المحبة والإخلاص والغيرة ، وكأنما العناية الالهية الى أحبت يوسف سليمان وأكرمته ووضعته موضع الكرامة أبت له ذلة المرض والقعود فانتقل الى الحياة الباقية انتقالا بعد ان بقي الى آخر دقيقة صحيح الجسم والعقل .. لقد عاش عزيزا ومات عزيزا ” ..

لقد سعدت كثيرا لإعداد حلقتين عن مسيرة هذا الرجل الذى يعد بحق مثالا الوطنية الصادقة ، ومثال للمصري الأصيل المحب لبلده والمخلص لعمله وما عرضناه من مواقف هذا الرجل قد لا تكفيه حقه ولكن يكفى أن يعرف الأجيال أن فى تاريخ بلدهم نماذج قدوة وعظة لهم يقتدون بها ، تخلق فيهم روح المثابرة وحب الوطن والتحلي بالفضيلة والنزاهة والضمير اليقظ …

يوسف باشا سليمان .. مثال الوطنية الصادقة و أيقونة القضاء الشامخ (1 / 2 )

المراجع

· “معالى يوسف باشا سليمان بين يدى الحقيقة والتاريخ” ، محمد محمد عرابى مطبعة السعادة ،1925 .

· ” صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر” الصادر سنة 1926 ، نسخة إلكترونية عن مؤسسة هنداوي سنة 2013.

· مجلة جمعية التوفيق ، العدد الثالث عشر ، 15 مايو 1939 .

· اللطائف المصورة ،27 مايو ، 1929.

تاريخ الخبر: 2024-09-09 18:22:03
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 50%
الأهمية: 59%

آخر الأخبار حول العالم

وزير الصحة يعزي الخبراني في والدته - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-09-20 06:24:30
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 53%

الجامعة العربية: قرار الجمعية العامة بإنهاء وجود إسرائيل خل

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-20 06:22:39
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 57%

وزارة الأوقاف تفتتح اليوم 26 بيتًا من بيوت الله منها 24 مسجدًا جديدًا

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-20 06:22:30
مستوى الصحة: 40% الأهمية: 49%

أسعار اشتراكات مترو الأنفاق للطلبة.. إنفوجراف

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-20 06:22:33
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 48%

اليوم.. آخر موعد لمعرض أهلا مدارس الرئيسى فى مدينة نصر

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-20 06:22:32
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 36%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية