التعويض عن الحبس الاحتياطي
التعويض عن الحبس الاحتياطي
في السجون خلف الأسوار العالية, قد يقبع أشخاص لفترات طويلة دون أن تثبت إدانتهم بجرم اقترفوه. أولئك الذين يتعرضون للحبس الاحتياطي, يجدون أنفسهم معلقين بين الأمل واليأس, يتساءلون عن عدالة قد تبدو بعيدة المنال, حتي لو تمت تبرئتهم لاحقا, فكيف يمكن تعويضهم عن السنوات التي التهمتها جدران السجون وقسوتها؟ والمدد الطويلة المخالفة للقانون التي يقضيها البعض بدون محاكمة, والأضرار النفسية والاجتماعية التي لحقت بهم؟ وعين الريبة التي تلاحقهم حتي بعد تبرئتهم, مما يؤثر علي فرصهم في الحصول علي فرص عمل.فيصير التعويض المالي أداة إنقاذ لمستقبلهم, بالرغم من كونه لن يمحو آثار تجربة ربما غيرت مسار حياتهم وحياة أسرهم إلي الأبد؟
والحبس الاحتياطي هو إجراء قانوني يتمثل في احتجاز شخص مشتبه فيه أو متهم بارتكاب جريمة قبل صدور حكم قضائي نهائي. يستخدم هذا الإجراء كوسيلة احترازية لضمان عدم هروب المشتبه به أو عدم التلاعب بالأدلة, أو لمنع ارتكاب جرائم أخري خلال فترة التحقيق مع استمرار حبس المتهم, لكن مع الأبرياء يعتبر هذا الإجراء إطاحة بضمانات المحاكمة العادلة, لذلك جاءت مخرجات الحوار الوطني حول هذه الأشكالية, لترد للأبرياء جزءا من حقوقهم, وتشمل المخرجات تخفيض مدد الحبس الاحتياطي, وبدائله, والموقف في حال تعدد الجرائم, والتعويض عن الحبس الخاطئ, والتدابير المصاحبة للحبس الاحتياطي.
وبعد رفع الحوار الوطني للتوصيات بشأن الحبس الاحتياطي والعدالة الجنائية إلي رئيس الجمهورية, وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ أيام, بإحالة التوصيات للحكومة, وسرعة اتخاذ الإجراءات اللإزمة لتفعيل التوصيات المتوافق عليها, لتنفيذ أحكام الدستور المصري والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان, مؤكدا علي أهمية تخفيض الحدود القصوي لمدد الحبس الاحتياطي, والحفاظ علي طبيعة الحبس الاحتياطي كإجراء وقائي تستلزمه ضرورة التحقيق, دون أن يتحول لعقوبة, مع تفعيل تطبيقات بدائل الحبس الاحتياطي, ولفت لأهمية التعويض المادي والأدبي وجبر الضرر, لمن يتعرض لحبس احتياطي خاطئ.
قرارالرئيس طوق نجاة للمحبوسين, ومن المتوقع أن يصاحبه في القريب العاجل أمرانليكون فاعلا الأول: الإفراج عن المحبوسين احتياطيا, الذين تجاوز حبسهم المدد المنصوص عليها في القانون, مع تمكين من لم يتجاوز حبسهم المدد القانونية من الحصول علي محاكمات عادلة, أو إطلاق سراحهم. الثاني هو: تنفيذ التوجيهات المتعلقة بمسألة التعويضات لمن تجاوز حبسهم احتياطيا المدد المنصوص عليها. خاصة في قضايا عامة مثل النشر, قضايا ليس بين أركانها أدلة يمكن أن يمحوها المتهم إذا فارق محبسه, ولن يغير تفاصيل اتهامه البقاء داخل محبسه, بل إنه يمثل عقوبة سابقة علي الحكم, وهنا يأتي التخوف من التطبيق, خاصة مع وجود مادة في المشروع المقترح رقم 562, تستبعد بعض الحالات من التعويض, ويخشي الحقوقيون أن يساء استخدام ذلك عند التطبيق, خاصة إذا كانت القضية لها طابع سياسي أو إذا كان الشخص المتضرر له انتماءات سياسية معينة.
نعود للتساؤل حول مسألة التعويض وجبرالضرر, الذي صار أمرا حتميا, لكنه قد يواجه تحديات ويصطدم بجمود الواقع عند التطبيق, فالحاجة إلي توثيق وإثبات الضرر تتطلب تقديم أدلة قوية لإثبات الضرر المادي والمعنوي الذي تعرض له الشخص نتيجة الحبس الاحتياطي, وهو ما قد يصعب تحقيقه. أيضا هناك التحديات المالية, إذ تعاني الدولة من ضغوط مالية تؤثر علي قدرتها علي صرف تعويضات كبيرة لجميع من يستحقونها, مما يؤدي إلي تأخير أو تخفيض قيمة التعويضات.
قرارات الرئيس, انتصار لحقوق الإنسان, لكن هذا الانتصار مرهون بمراعاة الضمانات عند التطبيق لأن الإشكالية ليست في نصوص القانون, وإنما في كيفية التطبيق, والرقابة الصارمة علي القائمين علي تنفيذ كل خطوات جبر الضرر, ولحسن الحظ أن استجابة الرئيس السيسي تأتي في توقيت مثالي, بالتوازي مع العمل المكثف للجنة التشريعية بمجلس النواب, لإنجاز مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد الذي انتهت منه اللجنة الفرعية التي شكلت برئاسة النائب إيهاب الطماوي, والمرتقب إصداره في أكتوبر المقبل مع بداية دور الانعقاد البرلماني..