العدلية الأرض مقابل السكة الحديد
العدلية الأرض مقابل السكة الحديد
الأرض.. ليست مجرد حفنة من التراب, إنها الأم الحاضنة للحياة, الذاكرة الحية التي تحفظ قصص الأجيال, وشقاء الناس علي زراعتها وحكايات البشر الذين اعتمدوا علي خيرها كمصدر أرزاقهم,لذلك أقسي صدمة قد تصيب المزارعين هي انتزاع الأرض لتنفيذ مشروع لا علاقة له بالزراعة,هذا ما حدث مع بعض أصحاب المزارع التابعة للجمعية التعاونية الزراعية لاستصلاح وتنمية الأراضي في قريةالعدلية- إحدي القري التابعة لمركز بلبيس في محافظة الشرقية, بسبب مشروع قطار العاشر من رمضان- بلبيس,وهو قطار لنقل البضائع,بمحاذاة الطريق الإقليمي.
القطار سيمر ب86 قطعة أرض زراعية منتجة-أي بها آلاف الأشجار المثمرة- مساحتها حوالي 850 فدانا, قررت وزارة النقل انتزاع عدد من الأراضي من ملاكها,ليمر القطار بها قاطعا مساره داخل الأراضي الزراعية, وفوجئ أصحاب المزارع بعمل جلسات تشاور مجتمعية حول المشروع, عبروا عن اعتراضهم لكن لم يسمع أحد, لم يوافق الملاك, ولا الفلاحون,الكل تحت الضرر, رفع أصحاب الأرضي شكواهم لرئيس الوزراء ولم يفلح الأمر حتي الآن, مما دعاالمؤسسة الخضراء لأصدقاء البيئة والتنمية المستدامة للمجتمع المدني للدعوة لحملة يتم خلالها توصيل صوت المتضررين إلي وزير النقل لتعديل المسار 100 متر فقط, حتي لا يتم تدمير الغطاء النباتي والزراعي لهذه المزارع, وخصوصا أن أغلب أصحابها وصلوا إلي سن المعاش ومنهم من يقوم بتصدير ثمار أرضه للخارج ومنهم من توفوا وتقوم أراملهم برعاية الأرض كمصدر لأرزاقهن وفقا لمنال العيسوي رئيس مجلس أمناء المؤسسة- فهل ينصت المسئولون؟أم يكتفي كل منهم بالحديث عن تعويضات, يعلم الجميع أنها لا تساوي الخسائر؟
فما الذي يمكن أن يعوض الحياة عن فقدان أرض بها آلاف الأشجار المثمرة, في ظل أزمة متشابكة معقدة العناصر, فما بين فقدان الأراضي بفعل تغير المناخ, والتبوير بفعل القرارات المتخبطة, وبالتالي فقدان إنتاج الغذاء لاحقا, كيف يفكر المسئولون؟ هل من أجل تحسين خدمة السكك الحديدية وخدمات الشحن نطيح بجزء من مواردنا الطبيعية؟.
إن نزع ملكية الأرض وتبويرها ليس مجرد عمل ينفذ لصالح مشاريع ضخمة تعيد تشكيل معالم المكان, بل هو عملية جراحية تتعدي حدود المكان لتصيب نسيج المجتمع, وجوهر العلاقة المتبادلة بين الإنسان وبيئته, في لحظة, تتحول الحقول الخضراء التي كانت تنبض بالحياة إلي مساحات قاحلة, يتجاوز الضرر الناتج عن مثل هذه المشاريع مجرد فقدان مساحة زراعية, فأصحاب الأراضي فقدوا الأرض كمصدر دخل وكأصل اقتصادي مهم, يمكنهم الاعتماد عليه للاقتراض والاستثمار, مع استحالة تعويض العمر الذي أنفقه أصحاب الأرض في تخضيرها,لفعل نفس الشيء في أرض أخري, مما يزيد الأمر تعقيدا لأنه خرج عن كونه إعادة بناء حياتهم الاقتصادية, بل إعادة بناء حياتهم الإنسانية وهو ما يؤدي إلي ضغوط نفسية واجتماعية, هذا فضلا عن ضياع حق الأجيال القادمة فالأرض كانت إرثا لها. الحوكمة البيئية آلية أساسية تتضمن سياسات الاستدامة والتنمية البيئية, وتوجيهات لوسائل فكرية لترشيد استغلال الموارد الطبيعية, فأين أراضيالعدلية من مبادئ الحوكمة؟ وليست العدلية فقط بل هو نموذج متكرر في أكثر من مكان, فأين أنتم من قانون حماية الأراضي الزراعيةرقم 53لسنة1966 وقانون الزراعةرقم116 لسنة1983 اللذين يمنعان التعدي علي الأراضي الزراعية. تلك المشاريع التي تفرضها الحكومة كضرورة من ضرورات التنمية, يمكن أن تؤدي إلي كارثة بيئية وإنسانية, فالتنمية الحقيقية لا تقاس بعدد الطرق الجديدة أو المباني الشاهقة,بل بقدرتها علي الحفاظ علي التوازن بين احتياجات الإنسان والطبيعة, وحماية المجتمع.