سلسلة “قيم عليا”


في عصر السماوات المفتوحة والمعلومات السريعة، حيث باتت ظاهرة “المواطن الصحفي” واستخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي للسبق الإعلامي شائعة، تزداد المحاولات المنظمة لنشر الفتن وزرع الخلافات بين فئات المجتمع. فعبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، يتم تداول رسائل مضللة وادعاءات كاذبة، بهدف تضخيم الخلافات وتأجيج المشاعر السلبية تجاه الآخر. هذه الممارسات تشكل خطرًا حقيقيًا على النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية، وتستدعي وعياً ومسؤولية من الجميع للتصدي لها. في ظل هذه التحديات، تبرز الحاجة الملحة لتنمية التفكير النقدي المبني على الموضوعية لدى أبناء المجتمع، كضرورة لمواجهة هذه الظاهرة المدمرة.

ظاهرة نشر الشائعات والمعلومات المضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليست جديدة، ولكنها تفاقمت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، بل في الأشهر الماضية، مما استدعى الدولة المصرية عبر المجلس الأعلى للإعلام لتحديد لائحة الجزائيات والعقوبات، والتي تتضمن عقوبة قيام أي وسيلة إعلامية بنشر أو بث أخبار كاذبة أو شائعات أو الحض على الكراهية. كما يقوم المركز الإعلامي لمجلس الوزراء، برصد الشائعات التي تتعلق بأداء الحكومة عبر كافة الوزارات، حيث أنه يصدر تقارير لنفي الشائعات التي تنتشر سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو بعض المنصات الإلكترونية غير المسئولة، بعد تواصل المركز مع الجهات المعنية بالوزارات. فنتيجة للسرعة التي تنتشر بها المعلومات وسهولة مشاركتها، أصبح من السهل على مروجي الفتن استغلال هذه المنصات لبث رسائلهم الهدامة.

فعلى سبيل المثال، يتم تداول مقاطع فيديو أو صور مفبركة لتصوير أحداث بطريقة مختلفة عن الواقع، أو نشر ادعاءات كاذبة عن أشخاص أو جهات لتشويه سمعتهم. كما يتم تضخيم الخلافات الصغيرة بين مجموعات اجتماعية أو دينية أو سياسية، وتصويرها على أنها صراعات كبيرة وخطيرة. هذه الممارسات وغيرها تستهدف زعزعة الثقة بين الناس والنيل من التماسك الاجتماعي. فالهدف هو خلق بيئة مشحونة بالنزاعات والشكوك، تحد من قدرة المجتمع على التعاون والعمل المشترك لمواجهة التحديات الحقيقية.

لا شك أن ظاهرة انتشار الشائعات والمعلومات المضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعي باتت إحدى التحديات المزعجة التي تواجه المجتمعات في عصرنا الرقمي. ومن أجل التصدي لهذه المشكلة بفعالية، يجب اتباع نهج متكامل يشمل الجوانب الفردية والمؤسسية والتشريعية.

فمن الضروري رفع مستوى الوعي والمعرفة لدى الناس حول هذه الظاهرة. ويتطلب ذلك نشر المعلومات الدقيقة والموثوقة للتصدي للأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة. كما ينبغي تعليم الجمهور كيفية التحقق من صحة المعلومات قبل مشاركتها، وتشجيع التفكير النقدي والتساؤل حول المحتوى المشكوك فيه. إن تنمية مهارات التفكير التحليلي والنظر إلى الأمور من زوايا متعددة هي عملية مستمرة تتطلب الدعم والتوجيه من المعلمين والآباء.

علاوة على ذلك، ينبغي تعزيز المسؤولية الرقمية لدى الأفراد. ويشمل ذلك حثهم على توخي الحذر في مشاركة المحتوى (Share) على منصات التواصل الاجتماعي، والمساهمة في اتساع رقعة النشر بدون أدنى مستوى للتحقق الفعلي من المحتوى، أو حتى السؤال الأخلاقي: ما الفائدة من نشر أخبار صحيحة أو كاذبة؟ وما هو العائد من وراء ذلك الفعل؟ وتشجيع المسؤولية الفردية في نشر المعلومات الصحيحة فقط. كما يجب إنشاء آليات للمساءلة تستهدف منشري المعلومات المضللة.

وفي المقابل، يستلزم التصدي لهذه المشكلة تعاونًا مؤسسيًا ومجتمعيًا. فينبغي على الجهات الحكومية والإعلامية التعاون لمراقبة ومواجهة الشائعات، مع إشراك المؤسسات المجتمعية (مثل المدارس والمنظمات) في حملات التوعية. كما يجب تشجيع المواطنين على الإبلاغ عن الشائعات والمعلومات المضللة.

ولا بد من تطوير الأطر القانونية والتنظيمية المناسبة لمكافحة انتشار المعلومات المضللة. ويتطلب ذلك سن قوانين وتشريعات رادعة، مع فرض عقوبات على منشري الشائعات والأكاذيب. كما يجب إلزام منصات التواصل الاجتماعي باعتماد آليات فعالة لكشف ومواجهة المحتوى المضلل.

بتكامل هذه الجهود على المستويات الفردية والمؤسسية والتشريعية، نستطيع التصدي بفعالية لظاهرة انتشار الشائعات والمعلومات المضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وحماية المجتمع من تداعياتها السلبية التي تشكل تهديدًا خطيرًا للنسيج الاجتماعي. علينا جميعًا أن نكون أكثر وعيًا ومسؤولية في التعامل مع ما ينشر على هذه المنصات، وأن نسعى إلى تعزيز قيم التسامح والتعايش المشترك. من خلال هذه الجهود الجماعية، يمكننا الحفاظ على الوحدة الوطنية وبناء مجتمع أكثر انسجامًا وتماسكًا.

إن تنمية التفكير النقدي لدى الشباب تُعَد أمرًا بالغ الأهمية حتى يتمكنوا من تحليل القضايا والأفكار بموضوعية وحياد، بعيدًا عن التحيز والميول الشخصية. فالموضوعية هي أساس التقييم الصحيح والحكم السليم. وهو ما نادى به السيد المسيح في تعاليمه السامية ليؤكد على هذه القيمة عندما قال: “لا تحكموا حسب الظاهر، بل اُحكموا حكمًا عادلاً”. فعلى الشباب أن يتجاوزوا التأثيرات الخارجية والنظر إلى الأمور بعين نقدية موضوعية.

كما يدعو الرسول يعقوب في رسالته إلى التروي في الكلام، والحذر من الاندفاع في إصدار الأحكام قبل التأكد من الحقائق. وهذا ينسجم مع تنمية التفكير النقدي السليم. لذا، يجب على المدارس، ودور العبادة، ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة التركيز على هذه القيمة الأخلاقية في تعزيز التفكير النقدي لدى الشباب، بما يسهم في تنشئتهم كأفراد واعين ومنفتحين على تقييم الأمور بموضوعية.

تاريخ الخبر: 2024-08-19 09:22:18
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 52%
الأهمية: 64%

آخر الأخبار حول العالم

وزير الصحة يعزي الخبراني في والدته - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-09-20 06:24:30
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 53%

الجامعة العربية: قرار الجمعية العامة بإنهاء وجود إسرائيل خل

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-20 06:22:39
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 57%

اليوم.. آخر موعد لمعرض أهلا مدارس الرئيسى فى مدينة نصر

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-20 06:22:32
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 36%

أسعار اشتراكات مترو الأنفاق للطلبة.. إنفوجراف

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-20 06:22:33
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 48%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية