لماذا ليس من مصلحة الجزائر محاولة سرقة التراث المغربي؟


الدار/ تحليل

بعد التصويت على اعتبار المطبخ المغربي أفضل مطبخ في العالم من طرف متابعي حساب بيوبيتي كويزين الشهير (Pubity Cuisine)الذي يتابعه الملايين على موقع التواصل الاجتماعي إنستغرام اتّقدت نيران الحسد والغيرة لدى الجيران مجددا، ولم يخجل بعض الإعلاميين الجزائريين وهو يدافع عن المطبخ الجزائري باعتباره أفضل مطبخ في العالم العربي. مطبخ “المرق الأبيض” العجيب والأسماء المصطنعة والمضحكة مثل “سكران طايح فالدروج” و”برّق عينو” وغيرها، الذي لا أصل له ولا هوية واضحة، يريد أن ينافس أحد أقدم المطابخ في تاريخ الإنسانية، والذي يمتد إلى آلاف السنين. هذا الاختيار الذي أعلن نتائجه الحساب الشهير في عالم الطبخ لم يقدم للمغرب والمغاربة إضافة كبيرة لأنهم واثقون من تميّز تراث الطهو الأصيل الذي يمتلكونه.
نحن لسنا في حاجة إلى هذا التصويت كي نعرف اليوم أن مطبخنا يدخل باستمرار في منافسة مع أشهر مطابخ العالم مثل المطبخ الإيطالي أو المكسيكي أو الفرنسي أو حتى الصيني. المطبخ المغربي جزء من تاريخ وثقافة الأمة المغربية، وناقل لتراثها المحفوظ عبر مئات السنين، ويعكس التنوع العرقي والإنساني الذي ميز بلادنا عبر التاريخ. هذا المطبخ عصارة الكثير من المكونات الثقافية الأمازيغية والعربية واليهودية والأندلسية والإفريقية وغيرها. وهذا ما جعله اليوم يتبوأ هذه المكانة المميزة بأصناف لا يُعلى عليها مثل البسطيلة والطنجية والكسكس والحريرة وغيرها. من المخجل أن يتحدث إذاً ورثة بعض الأكلات التركية المشوهة عن منافسة المطبخ المغربي في المحافل الدولية.
وليس من العيب في شيء أن يتعلم جيراننا الجزائريون من المطبخ المغربي، أو يستلهموا منه بعض الأكلات، أو يستنسخونها حرفيا لكن بشرط أن يعترفوا بأصلها وجذورها المغربية، مثلما كانوا يفعلون في الماضي، قبل أن تسكنهم لوثة سرقة التراث المغربي. هذه اللوثة التي ظهرت قبل بضع سنوات بتحريض من بعض مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، أصبحت اليوم على ما يبدو عقيدة رسمية للدولة الجزائرية. عندما يتبنى وزراء ومسؤولون جزائريون بعض الدعوات إلى سرقة تراث مغربي معروف مثل الزليج أو القفطان أو الكسكس أو غيرها، ويحاولون في بعض المؤسسات الثقافية الدولية مثل اليونيسكو، شرعنة هذه السرقة فهذا يعني أن الأمر ليس مجرد هوىً عابر أو نزوة فردية وإنما هو استراتيجية ثقافية لسد الفراغ التراثي الذي تعانيه الجزائر.
الجزائر بلد حديث المنشأ لم ير النور إلا مع الاستعمار الفرنسي أواخر القرن التاسع عشر. قبل تلك الفترة كان جزء من أرض الجزائر تابعا للدولة العثمانية وجزء آخر تابعا لسلاطين المملكة المغربية الشريفة. وهذا هو الذي جعل سكان هذه الأرض يظلون تابعين ثقافيا وتراثيا لدول ومجتمعات أخرى. ورثوا عن الوجود التركي بعض الأصناف والألوان الغذائية، كما أخذوا من المغاربة أصنافا أخرى. لكنهم لا يمتلكون مع كامل الاحترام أيّ تميز خاص بهذه الأرض التي يسكنونها. ليست لدى الجزائريين مثلا كعكة معروفة عالميا على غرار “البقلاوة” التركية أو “كعب الغزال” المغربية. وهذا في حد ذاته ليس عيبا.
فالكثير من الدول الحديثة المنشأ استطاعت أن تصنع لنفسها تميّزا وتراثا حديثا، وتشق طريقها نحو التقدم وفرض ثقافتها عالميا، على غرار ما فعلته الولايات المتحدة الأميركية مثلا. إنها بلد حديث ليس له جذور تاريخية خارج الاستعمار البريطاني، لكنه استطاع أن يفرض نموذجه الثقافي في ظل العولمة، وتحولت اليوم الأكلات السريعة والموسيقى واللباس والسينما الأميركية إلى ثقافة عالمية، تتسابق شعوب العالم على تقليدها والاستمتاع بمنتجاتها. هذا على الأقل أفضل من محاولة سرقة تراث البلدان الأخرى وتشويهه ونسبه إلى الذات. هذا يعني أن محاولة سرقة التراث المغربي من طرف الجزائر ليست في مصلحة هذا البلد أبدا.
أولا لأن هذه المحاولة محكوم عليها بالفشل نظرا إلى أن كل مقومات هذا التراث مسجلة ومحفوظة في المؤسسات الدولية، وفي مؤلفات الباحثين والمؤرخين والمختصين، وفي التراث الثقافي والسينمائي العالمي. من شاهد فيلم كازابلانكا الأميركي الشهير الذي أُنتج سنة 1942، يدرك أن المعمار الأندلسي والقفطان والطربوش وغيرها من الرموز الثقافية جزء من تراث المغرب ورصيده الخاص. وثانيا لأن السرقة ستتحول إلى منتج مشوه. لنفترض أن العالم اعترف للجزائريين بأن الكسكس تراث خاص بهم، هل ستعمل الدولة الجزائرية حينها على تعليم الشعب الجزائري كيفية إعداد هذه الأكلة؟
سيتحول الأمر إلى مشهد سخيف، لأن الطبخ هو جزء من الثقافة الشعبية التي يتشرّبها أبناء الوطن الواحد منذ الصغر. وثالثا لأن السرقة ستعمق من جديد أزمة الهوية التي يعانيها هذا البلد. لم يستطع الجزائريون منذ الاستقلال أن يهتدوا إلى نواة ثقافية صلبة توحدهم وتزرع في نفوسهم شعورا قويا بالفخر والانتماء، والحل ليس هو السرقة أبدا. لذا؛ من الأفضل أن يتوقف المسؤولون الجزائريون عن هذا النهج المكشوف، ويوقفوا المهازل الإعلامية التي يتابعها الجمهور الجزائري كل يوم، وهو يعلم علم اليقين أن القفطان والكسكس والعمارية تراث مغربي أصيل لا يمكن الاستحواذ عليه.

تاريخ الخبر: 2024-07-20 00:24:10
المصدر: موقع الدار - المغرب
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 55%
الأهمية: 56%

آخر الأخبار حول العالم

إسرائيل تقصف الضاحية.. مصير خليفة نصر الله غامض - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-10-05 03:24:46
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 58%

جيش الاحتلال يوجه إنذارًا عاجلًا بإخلاء مبنى في شويفات الأم

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-10-05 03:22:58
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 52%

قصف إسرائيلي على غزة يسفر عن استشهاد 6 فلسطينيين وإصابة آخر

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-10-05 03:23:04
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 62%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
deneme bonusu veren siteler
تحميل تطبيق المنصة العربية