رغم الخلفية اليسارية لحزب “العمال” البريطاني الذي أطاح بنظيره حزب “المحافظين” في الانتخابات العامة التي جرت خلال نهاية الأسبوع المنصرم، تجاه “الطرح الانفصالي” خاصة في عهد الزعيم السابق جيريمي كوربين، تبقى التصورات الحالية جد إيجابية في سياق العلاقات الثنائية بين الرباط ولندن، لاسيما الإجماع الحاصل بين نواب الحِزبَين حول ضرورة دعم مبادرة الحكم الذاتي والاعتراف بمغربية الصحراء.
وتأتي هذه الأصوات الرامية إلى تعميق العلاقات بين البلدين بصورة إيجابية من داخل البرلمان البريطاني بعد خروج لندن من الاتحاد الأوروبي والبحث عن شركاء جدد موثوقين خاصة في القارة الإفريقية، في ظل وجود عدة مشاريع مشتركة بين العاصمتين أبرزها “الكابل الكهربائي” واتفاقيات الانتقال الطاقي إضافة إلى ربط النقل البحري بين البلدين.
لحسن أقرطيط، أستاذ جامعي وباحث في العلاقات الدولية، قال إن “فوز حزب العمال في الانتخابات البريطانية ووصوله إلى السلطة لن يكون له أي تأثير على العلاقات بين الرباط ولندن، على اعتبار أن موضوع العلاقات بين البلدين هو نقطة إجماع بين حزبي العمال والمحافظين”، معتبرا أن “هذه العلاقة هي مصلحة سياسية وجيواستراتيجية كبرى خاصة لدى البريطانيين”.
وأضاف أقرطيط، في تصريح لـ”الأيام 24″: “أعتقد أن النقاش الذي عرفه مجلس العموم في الأشهر الأخيرة من خلال الأسئلة التي تقدم بها النواب البريطانيون من كلا الحزبين واضحة لوزارة الخارجية والتي أكدت على ضرورة تعميق العلاقات مع المغرب ودعم مبادرة الحكم الذاتي والاعتراف بمغربية الصحراء، وهذا أكبر دليل على وجود تطابق في الرؤى بين الحزبين”.
واعتبر أقرطيط، أن “خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وما تلاه من تداعيات على الاقتصاد البريطاني جعل من التقارب مع المغرب على جميع الأصعدة ضرورة حيوية قصوى، لأن لندن تبحث على شركاء موثوقين خارج الاتحاد”.
وأشار الأستاذ الجامعي إلى أن “المغرب وبريطانيا يعملان على تطوير العلاقات الثنائية من جميع النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والديبلوماسية أيضا”، مبرزا أن “الخط البحري “الكابلات” يعد من أهم المشاريع التي تركز عليها بريطانيا بهدف تزويد 7 ملايين بيت بالكهرباء”.
وأوضح المحلل السياسي أن “هناك ملفات أخرى من بينها ربط النقل البحري بين البلدين إضافة إلى وجود شركة بريطانيا تبحث عن الغاز في ربوع المملكة المغربية”، ملفتا إلى أن “النقطة الأساسية بين ثنايا هذا التقارب هو وجود مؤسسات ملكية تشتبه من ناحية النظام”.
وأكد أقرطيط أن “هناك إجماع برلماني بريطاني يروم الحفاظ على العلاقات مع المغرب، كون أن الدولة الوحيدة التي تتوفر على الاستقرار السياسي بشمال إفريقيا هي المغرب”.
من جهتها، ترى إبتسام عزاوي، برلمانية سابقة وخبيرة استشارية دولية، أن “العلاقات المغربية البريطانية متجذرة في تاريخ البلدين إذ تمتد العلاقات الديبلوماسية لأكثر من 800 سنة”.
وأضافت عزاوي، في تصريح لـ”الأيام 24″، أن “هذه العلاقات عرفت تطورا نوعيا في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد اتفاق “البريكست” في إطار اتفاق الشراكة الثنائي، وذلك على واجهات عديدة وبالأخص على المستويات الإقتصادية والتجارية، حيث ناهز حجم المبادلات التجارية بين البلدين، نموذجا، قيمة ال 3.5 مليار جنيه استرليني في سنة 2023″.
ولفتت المتحدثة ذاتها إلى أنه “لازالت هنالك فرص استراتيجية مهمة في مجالات أساسية وواعدة كالطاقات المتجددة والصناعات الجوية والغذائية وكذلك في مجالات التعليم والرعاية الصحية، والقضايا البيئية والمناخية، إلخ”.
وأبرزت أن “الرهانات المشتركة والآفاق الواعدة للتعاون الإستراتيجي ستمكن من الحفاظ على استمرارية العلاقات الثنائية المتميزة بين المملكتين وتطويرها”، مردفة: “لبريطانيا مطامح وأهداف اقتصادية في افريقيا والمغرب بفضل موقعه وخصائصه الجيوسياسية ونظامه الاقتصادي المستقر وبفضل الرؤية المكلية المتبصرة والاستباقية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس أصبح بوابة حقيقية نحو عمقنا الإفريقي في إطار سياسة تصبو لتحقيق التنمية الشاملة للقارة”.
وأشارت عزاوي، إلى أنه “أمام الفاعلين الاقتصاديين المغاربة ومختلف أطياف الدبلوماسية المغربية الموازية، مساحات واسعة لاسكتشاف آفاق وتفعيل شراكات جديدة تسثمر كل الزخم الحالي المترجم بشكل عملي وملموس في عدد من الاتفاقيات والمشاريع الكبرى المبتكرة كمشروع الربط الكهربائي بين المغرب وبريطانيا، الذي يتوقع أن يزود أكثر من سبعة ملايين أسرة في المملكة المتحدة بالطاقة كهربائية وهو ما يعادل حوالي 8 في المائة من الاحتياجات الكهربائية لبريطانيا بحلول سنة 2030”.