اسمعوا وأفهموا



ثُمَّ دَعَا الْجَمْعَ وَقَالَ لَهُمُ : ” اسْمَعُوا وَافْهَمُوا. لَيْسَ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ، بَلْ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ هو الذي يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ ” .
فدنا التَلاَمِيذُ وَقَالُوا لَهُ : ” أَتَعْلَمُ أَنَّ الْفَرِّيسِيِّينَ صُدموا عندما سمعواهذا الكلام ؟ ” فَأَجَابَهم : ” كُلُّ غَرْسٍ لَمْ يَغْرِسْهُ أَبِي السَّمَاوِيُّ يُقْلَعُ . دعوهم ، اُتْرُكُوهُمْ وشأنهم . إنهُمْ عُمْيَانٌ يقودون عُمْيَانٍاً . وَإِذاكَانَ الأَعْمَى يَقُودُ الأَعْمَى ، سْقُطَ كِلاَهُمَا فِي حُفْرَةٍ ” . فَقال له بُطْرُسُ : ” فَسِّرْ لَنَا هذَا الْمَثَلَ ” . فَأجابه يَسُوعُ : ” أوأَنْتُمْ حَتَّى الآنَ لا فهم لكم ؟ ؟ أَلاَ تَدركون أَنَّ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يَنزِلُ إِلَى الْجَوْفِ ، وَيَخرج في الخلاء ؟ وَأَمَّا الذي يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ ، فإنه ينبعث من الْقَلْب ، وَهو الذي يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ . فمِنَ الْقَلْب تَخْرُجُ المقاصد والأَفْكَارٌ السيئة والشِرِّيرَةٌ : القَتْلٌ، والزِنىً، والفِسْقٌ، والفُحشُ ، والسِرْقَةٌ، وشَهَادَةُ الزُورٍ، والتتَجْدِيفٌ والشتائم . تلك هِيَ الَّأشياء التي تُنَجِّسُ الإِنْسَانَ . أَمَّا الأَكْلُ بِأَيْدٍ غَيْرِ مَغْسُولَةٍ فَلاَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ» ( متى ١٥ : ١٠ – ٢٠ )

” اسمعوا وافهموا ”

دعا السيّد المسيح الجميع بأسلوبه الشيق وكلاماته الرقيقة عندما ” قال لهم : اسمعوا وافهموا ” . إنه الطبيب الحكيم الذي يعرف متى يحتاج المريض إلى ضربات المشرط ” السكين الطبية ” ليقتلع كل فساد، ومتى يستخدم الدواء الطيِّب ليُلطِّف الجراحات، وأيضاً متى يجرح ومتى يضمِّد. لم يكن ممكناً شفاء المعلّمين المرائين بالكلمات الطيّبة ، فإن هذا يغطي على شرّهم في الداخل ليفسد الجسد كله، أمّا الشعب البسيط فلا يحتمل كلمة قاسية لئلا يتحطّم ويتعسَّر باليأس، وإنما يحتاج إلى كلمات بسيطة ورقيقة تسنده وترفعه إلى الرجاء. بهذا يملك الرب على القلوب، مستخدماً الكلمة القاسية كما الرقيقة لينفتح له القلب . هكذا دعا السيّد الجموع ليشرح لهم أمر الأيدي غير المغسولة، ليس دفاعاً عن تلاميذه، وإنما لأجل بنيانهم الروحي، ولكي لا يتعثّروا بسبب الشكوك التي يثيرها الكتبة والفرّيسيّون.

” ليس ما يدخل الفم ينجِّس الإنسان بل ما يخرج من الفم هو الذي ينجِّس الإنسان ”

أراد السيّد المسيح أن يمسك الجماهير البسيطة بيده ويدخل بهم إلى الحياة الروحيّة الداخليّة، ليُدركوا أن سرّ الحياة والقداسة لا يكمن في الأعمال الخارجيّة الظاهرة، وإنما في الحياة الداخليّة. إنه لم يتجاهل ما يدخل الفم تماماً، لكنّه ليس هو الذي يُنجِّس، بل ما في داخل الإنسان والمُعلن خلال ما يخرج من الفم.

عندما تنجّس قلب الأبوين الأوّلين الداخلي اهتمّا لا بعلاج الداخل، إنّما بستر جسديهما في الخارج، كمن يُزيّن بيته المُنهار عِوضاً عن معالجة أساساته. هكذا اهتم قادة اليهود والفريسيين والكتبة بغسل الأيدي قبل الطعام حتى لا يتنجّسوا، ولم يهتمّوا بما يصدر عن قلوبهم من نجاسات تظهر خلال كلماتهم المملوءة رياءً وإدانةً وحقداً .

” فتقدّم التلاميذه وقالوا له : أتعلم أن الفرّيسيّين صُدموا عندما سمعوا هذا الكلام ؟ ” . فأجابهم : ” كل غُرس لم يغرسه أبي السماوي يُقلع .دَعوهم وشأنهم ! إنهم عُميان يقودون عُمياناً . وإن كان الأعمى يقود الأعمى سقط كلاهما في حفرة ”

لم يستطع الفرّيسيّون أن يسمعوا كلمات الرّبّ يسوع ، لأنها كالسكين الذي يُصوِّبه الطبيب على العضو الفاسد أثناء العملية الجراحية ، فيفتحه ليُخرج العفونة والصديد ويطّهره من المرض الخبيث ، الأمر الذي لا يطيقه المرائي . إنهم كآبائهم الذين استراحوا للأنبياء الكذبة في أيام إرميا، لأنهم نطقوا بالكلام الناعم ، قائلين : سلام سلام، ولم يكن سلام ، بل كلام فقط . وعندما حذّرهم إرميا النبي طالباً التوبة، ألقوه في الجب ، ووُضع في السجن، وكان موضع سخريتهم ومضايقاتهم . أمّا السيّد المسيح الذي يُقيم مملكة حقيقيّة أشبه بالفردوس الذي يغرس الآب أشجاره ، ويسقيه بدم المسيح المقدّس، ويرويه بينابيع الروح القدس، فلم يهتز بنُفور الفرّيسيّين من كلماته، فهو لا يهتمّ بعدد من يلتفون حوله بل نوعيتهم وصدقهم . يهتمّ بالدخول إلى الحق ، إلى العمق لا إلى المظاهر.
من أجل غرس إنسان واحد حقيقي ، قدّم السيّد دمه الطاهر وحياته ثمناً من أجله ، لكنّه لا يطلب أشجاراً صناعية، بلا ثمر الروح ، لهذا قال: ” أتركوهم “. الترك هنا لا يحمل رغبة السيّد المسيح في التخلِّي عنهم ، إنّما أراد حرمانهم من الجماهير التي بالغت في تقديم التحيات لهم ، ففقدوا تواضعهم ، وأصيبت قلوبهم بالعمى الروحي. إنهم في حاجة إلى الترك كي يختلوا بأنفسهم ، ويدركوا أنهم عميان، اختلسوا كراسي القيادة الروحيّة ، فقادوا العميان بقلبهم الأعمى ليسقط الكل في حفرة الجهل والظلمة.
دعا السيّد المسيح تلاميذه للبشارة ، مقدّماً لهم منهج العمل الروحي ، وموضّحاً لهم موضوع إرساليّتهم وحدودها ومنهجها ومصاعبها ومشاكلها ، تقدّم هو بنفسه “يُعلّم ويبشر ويشرح ” لكي يتقبّلوا روح البشارة لا من خلال الوصايا فحسب ، وإنما عملياً خلال حياته وسلوكه وتبشيره . هذه هي القيادة الحيّة، إنها ليست مجرّد توجيهات وتوصيات وكلام ، وإنّما دخول بالتلاميذ إلى التدرّب على الشهادة بممارسة العمل التبشيري ذاته، فيتذوّقه الشخص ويختبره عملياً ، داخلياً .

تاريخ الخبر: 2024-07-07 12:22:07
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 52%
الأهمية: 51%

آخر الأخبار حول العالم

أسعار اشتراكات مترو الأنفاق للطلبة.. إنفوجراف

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-20 06:22:33
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 48%

الجامعة العربية: قرار الجمعية العامة بإنهاء وجود إسرائيل خل

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-20 06:22:39
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 57%

اليوم.. آخر موعد لمعرض أهلا مدارس الرئيسى فى مدينة نصر

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-20 06:22:32
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 36%

وزير الصحة يعزي الخبراني في والدته - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-09-20 06:24:30
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 53%

وزارة الأوقاف تفتتح اليوم 26 بيتًا من بيوت الله منها 24 مسجدًا جديدًا

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-20 06:22:30
مستوى الصحة: 40% الأهمية: 49%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية