أعادت الجمعية المغربية لحماية المال العام خلال الأسبوع الماضي في ندوة مشتركة مع هيئة المحامين بفاس، موضوع “تجريم الإثراء غير المشروع” إلى الواجهة السياسية، بعدما انخفض منسوب النقاش المجتمعي حول هذا المشروع الذي بات شائكا في نظرهم، في ظل غياب الإرادة السياسية للحكومة من أجل إعادته إلى رفوف البرلمان بهدف مناقشته والمصادقة عليه، بعدما تم سحبه في سنة 2021 لدواعي دستورية حسب قول وزير العدل عبد اللطيف وهبي.
وتأتي دعوة إعادة إحالة مشروع “تجريم الإثراء غير المشروع” إلى قبة البرلمان في إطار السياق السياسي الحالي الذي يشهد رجة قضائية عصفت بعشرات البرلمانيين الذين وضعتهم خلف قضبان السجون، وبالتالي، فإن هذه الدعوات حسب مراقبين، تتلاءم مع تنزيل الخطب الملكية الرامية إلى “تخليق الحياة السياسية والبرلمانية” والتي كانت أخيرها في الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس البرلمان المغربي.
في هذا الإطار، قال محمد مشكور، رئيس المكتب الجهوي للجمعية المغربية لحماية المال العام بالدار البيضاء، إن “الندوة الأخيرة التي نظمتها الجمعية رفقة هيئة المحامين بفاس تحت عنوان “ربط المسؤولية بالمحاسبة وتجريم الإثراء غير المشروع” تأتي في سياق النقاش الوطني العمومي الذي فتحته الجمعية من أجل اشراك المجتمع في تخليق الحياة العامة”.
وأضاف مشكور، في تصريح لـ”الأيام 24″، أنه “لا يمكن تنزيل هذا المشروع المجتمعي إلا بتجريم الإثراء غير المشروع وأيضا بعض القوانين التي تساعد في تخليق الحياة العامة، بمعنى آخر أن التخليق يتم بتجريم هذا الإثراء الذي قامت الحكومة الحالية بسحبه من البرلمان”.
وتابع المتحدث عينه أن “الفساد المالي والإداري تغول بشكل كبير في السنوات الأخيرة وتمدد على أوسع نطاق، والمبتغى الذي تريد الجمعية تحقيقه هو الحد من هذه الممارسات وبناء مجتمع نزيه متسم بالشفافية والمصداقية”.
وأشار الفاعل الجمعوي إلى أن “تجريم الإثراء غير المشروع له راهنيته ويجب تنزيله في أقرب وقت ممكن، والإرادة السياسية القوية هي التي تمكن من تخليق الحياة العامة ومحاربة الريع والفساد والرشوة”.
من جهته، يرى صالح النشاط، أستاذ العلوم السياسية بكلية المحمدية، أن “النقاش عاد مجددا حول مشروع الإثراء غير المشروع، والذي تم سحبه من قبل الحكومة من البرلمان لأسباب غير مفهومة إلى حدود الساعة، منها أنه يتعارض مع قرينة براءة الذمة، وأنه مخالف لمنطوق الدستور في ضمان “حرية المبادرة والمقاولة، والتنافس الحر” (الفصل35)”.
وأردف النشاط، في تصريح لـ”الأيام 24″، أن “السياق العام الذي تم فيه طرح هذا المشروع كان هو محاربة الريع وثقافة الفساد، وتضارب المصالح، التي استشرت في مجمل تفاصيل الحياة الاقتصادية والمالية، وليس التضييق على المبادرات الحرة، وبالتالي تحقيق الإثراء بطرق مشروعة وقانونية، ومن ثمة كان لا بد من اتخاذ إجراءات ذات بعد وقائي واحترازي للحيلولة دون الإثراء غير المشروع”.
وأشار المحلل السياسي إلى أن “أبرز مشكلة اقتصادية يعاني منها الاقتصاد الوطني تتجلى في انحراف آليات التوازن في توزيع ثروات ومدخرات للدولة، حيث تحظى فئة لها مصالح مع محيط السلطة بالامتيازات وعقودا تمييزية مقارنة مع باقي الأطراف والأشخاص الآخرين، كما أنها لا تتهرب من التكاليف العمومية والتضامنية التي يفرضها الفصلان 39و40 من الدستور”.
وأوضح المتحدث ذاته أنه “لو كان في هذه الحكومة الحالية حكماء سياسيون، لما قاموا بسحب مشروع الإثراء غير المشروع بدعوى أن هناك تضاربا للمصالح وصل إلى حد لا يطاق ولا يتحمل، ولإبعاد الشبهة والريبة في تحقيق الثروة بطرق غير مشروعة”.
مضيفا: “تقتضي المصلحة الوطنية اليوم، تجريم الاثراء غير المشروع حتى نقطع الطريق أمام كل من سولت له نفسه تجميع الثروة وتراكمها بطرق غير مشروعة، وبالتالي القطع مع كل طرق الريع والفساد، ولإحقاق مبدأ المبادرة والعمل والمنافسة الحرة، وتجسيد “مبادئ احترام القانون والحياد والشفافية والنزاهة والمصلحة العامة”، كما ينصل على ذلك الفصل 155 من الدستور”.
خلص النشاط حديثه قائلا: “على غرار مجموعة من الدول الديمقراطية، تقتضي المصلحة العامة للدولة والمجتمع ضرورة اعتماد قانون يحدد صلاحيات الكسب المشروع في إطار منافسة شريفة وحرة ونزيهة، كما يبين حدود التقاطع بين عالم السياسة وعالم التجارة والمال والمصالح، ويشجع الأفراد والشركات على الإثراء بطرق مشروعة، وليس على الإثراء بطرق إلتوائية تعاكس مصلحة الدولة والمجتمع في الاستمرار والاستقرار وتحدث اختلالات على مستوى خريطة الانتماء لهذا الوطن”.
