“البكالوريا” لم تعد امتحانات لتقييم التحصيل العلمي للتلاميذ، بل “كابوسا” يقض مضجع الأبناء والأسر، بعدما أصبح النجاح في اجتيازها المحدد الأساسي لمصير المُمتَحنين، الراغبين في الالتحاق بالجامعات والمعاهد العليا في مختلف التخصصات.
ورغم أن شهادة البكالوريا تبقى خطوة أولى في مسار جديد للتكوين، غير أنها تحولت في نظر المجتمع إلى “القفزة الحاسمة” في تحديد مستقبل الأبناء والأسر، إذ أصبح الحصول عليها لا يعكس فقط نجاح الفرد وإنما أيضا نجاح الأسرة.
وفي ظل هذه الصورة المخيفة التي تمت صناعتها لامتحانات البكالوريا، أصبح التلاميذ يعيشون في جو من القلق والخوف من الفشل، مما يزيد من الضغط النفسي عليهم خاصة في ظل محيط اجتماعي ضاغط، الأمر الذي قد يؤدي إلى حالة اختلال أو عدم اتزان قد تدفع المتمدرسين إلى تصرفات أو أفعال غير محسوبة.
الأستاذ والباحث في علم النفس الاجتماعي، عادل غزالي، قال إن “وضعية الامتحانات كلها تكون مقلقة ومزعجة”، مبينا أنه “حتى وإن كانت هي وضعية تربوية إلا أنها لا تخلو من الممارسات التي يحس فيها الممتَحن وحتى الممتحِن، بالقلق والمسؤولية”.
وأضاف غزالي، في تصريح لـ”الأيام 24″، أن امتحانات البكالوريا أصبحت محاطة بنوع كبير من التهويل والضغط، الشيء الذي أخرجها من سياقها التربوي كمرحلة تقويمية لتعلمات الممتحَنين إلى “نقطة فاصلة لتحديد مصير التلميذ”.
وتابع أنه خلال 10 سنوات الأخيرة، أصبحت “البكالوريا” بمثابة الامتحان الذي يتقرر فيه المصير، استدرك: “وإن كان الوضع ليس كذلك، إذ يمكن أن يتقرر المصير في الإجازة أو الماستر أو الدكتوراه”، مشددا على أن “المصير غير مرتبط بشهاد البكالوريا في حد ذاتها”.
وسجل غزالي، أن هناك ضغط كبير من قبل الأسرة والمدرسة والمجتمع على التلاميذ، مشيرا إلى أن تجمهر الوالدين أمام المؤسسات التعليمية خاصة الأمهات هو نوع من الانخراط بشكل أو بأخر في الضغط على أبنائهم، وبالتالي أصبحت الأمهات جزءا من وضعية الامتحان مما يشكل عبئا مضاعفا على التلاميذ.
وأعرب غزالي، عن أسفه، لاختزال الأسر مستقبل أبنائها في النجاح في امتحان البكالوريا، وفي الولوج إما لكلية الطب أو مدرسة المهندسين، مضيفا أن “هذا شيء سيء للغاية كأن النجاح مرتبط بمهنتين”، وأردف أنه “ليس المطلوب أن يحصل الجميع على 19 أو 20، وليس الجميع مطالبا بأن يصبح إما مهندسا أو طبيا…”.
ونبه غزالي، إلى أن المؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المحدود تساهم أيضا في تهويل امتحانات البكالوريا، إذ أصبح التركيز على الحصول على نقطة تخول التلاميذ استيفاء العتبة المحددة لاجتياز مباريات هذه المؤسسات الجامعية، مسجلا أن رهان التمدرس أصبح مرتبطا بنقطة قد لا تعبر بشكل كامل عن مستوى التلاميذ.
وأشار إلى أن المؤسسات الخصوصية وغيرها من مؤسسات الدعم والتقوية، انخرطت في تعميق المشكل أكثر، وجعلت من هذه الأزمة استثمارا مربحا، قائلا: “الآن نسمع حتى المقبلين على اجتياز امتحانات الطب والهندسة ينخرطون في برنامج لساعات الدعم والتقوية”.
وأردف أن السبب في لجوء المقبلين على اجتياز امتحانات الطب والهندسة لحصص الدعم والتقوية، هو أن الرهان أصبح مرتبطا بنقطة معينة، وبالتالي العديد يصاب بالإحباط بعد اختزال المسار الدراسي كله في نقطة معينة، داعيا إلى إعادة التفكير في هذه الوضعية من خلال إزالة نظام العتبة لاجتياز هذه الامتحانات.
وبالنسبة للحلول المطلوبة لتجاوز هذه الوضعية، يرى غزالي، أنه ينبغي التفكير فيما هو نسقي وبنيوي، مؤكدا على أن مسؤولية الوزارة في إعادة النظر في المنظومة التعليمية ككل وجعل البكالوريا مجرد امتحان من الامتحانات الأخرى.
وأبرز أهمية إعادة النظر في التقويم بشكل عام، من المستويات الأولى إلى المستويات العليا، على اعتبار أن “رهاب الامتحانات” أصبح حتى عند الأطفال، مستغربا من “تخصيص أسبوع كامل لاختبارات الأطفال، مع العلم أنه يكفي أن يتم تسميتها مراقبة مستمرة، لكن للأسف اختصرنا كل شي في الامتحان وفي نقطة معينة”.