الدار/ تحليل
الظهور المميّز الذي قدّمه المنتخب الوطني لكرة القدم خلال مباراته اليوم في مواجهة منتخب الكونغو يؤكد باولملموس أن مشاعر الغضب والامتعاض التي عبّر عنها الجمهور الرياضي خلال الأسابيع القليلة الماضية تنطوي على الكثير من سوء الفهم والمغالطات والمبالغات النابعة من رغبة البعض في خلق الإثارة وصناعة “البوووز” لا أقلّ ولا أكثر. فمهما كانت آراؤنا في نتائج المنتخب، ومهما كانت هذه النتائج تشهد في بعض الأحيان بعض التذبذب والتقلّب من الضروري أن نضع ثقتنا في النواة الصلبة لهذا الفريق، ونواصل العمل بشعار “ديرو النية” وتقديم دعمنا اللامشروط للنخبة الوطنية.
ليس هذا الموقف نابعا من تحقيق فوز ساحق كهذا الذي تحقّق اليوم بل من ضرورة الإيمان بأن المجموعة التي يضمّها المنتخب اليوم تمتلك مقومات تفوق حتّى تلك التي كانت تمتلكها خلال مونديال قطر 2022. هناك لاعبون يستندون إلى تلك الخبرة التي راكموها في المشاركة التاريخية التي أوصلت أول منتخب إفريقي وعربي إلى نصف نهائي كأس العالم، وهناك لاعبون آخرون من الجيل الجديد الواعد الذي انضم إلى الفريق مثل إبراهيم دياز وإلياس بن الصغير. بعبارة أخرى ثقتنا ليست في المنجزات العابرة بقدر ما هي معتمدة أساسا على هذا الثراء الذي يميّز منتخبنا الوطني على مستوى اللاعبين في شتى المواقع الدفاعية والهجومية.
والمنتخب الوطني المغربي من المنتخبات القليلة اليوم في الساحة الإفريقية التي تمتلك هذا الرصيد الهائل من المواهب. يكفي أن نذكّر بأنه يضم لاعبين تألقوا في شتى البطولات الأوربية والآسيوية والإفريقية وحقّقوا مع أنديتهم ألقابا وأمجادا تاريخية، مثل اللاعب أيوب الكعبي الذي تمكّن من بصم موسم كروي مميز مع نادي أولمبياكوس اليوناني، واستطاع أن يصنع مجد هذا الفريق العريق الذي لم يفرح يوما بلقب أوربي واحد. من هذا المنطق يبدو التركيز على بعض الهفوات أو الأخطاء العابرة والتهويل منها بنقد غير هادف وغير بنّاء أمرا مبالغا فيه في اللحظة الراهنة. من حقّ الجميع طبعا أن ينتقد هذه الممارسات غير الرياضية، لكن لا يمكن أن نحوّل لقطة غير رياضية صدرت عن أحد اللاعبين إلى أزمة بنيوية في المنتخب الوطني.
ما صدر عن حكيم زياش ويوسف النصيري خلال المباراة السابقة على سبيل المثال نرفزة غير موفقة، والظاهر أن الناخب الوطني تمكّن من احتوائها وتقديم رسائل إيجابية منها الاعتذار غير الرسمي لهداف نادي إشبيلية، ولعلّ الانضباط الكبير الذي ظهر به اللاعبون خلال مباراة اليوم يؤكد أن الرسالة وصلت، وأن انتقادات الجماهير أُخذت بعين الاعتبار، وأنّ التركيز على المستقبل هو ما سيشغل إدارة المنتخب الوطني في المستقبل القريب. وهنا يجب أن نذكّر بأن انتصار اليوم بنتيجة عريضة قد يمثل لحظة مصالحة جديدة بين المنتخب وجمهوره، لكنه يجب أن يدفعنا إلى إثارة موضوع مهم للغاية بالنسبة لمستقبل هذا الفريق.
لا يتعلق الأمر بتحقيق رهان التأهل لكأس العالم فحسب، وهو بالمناسبة رهان مهم ويبدو في المتناول إلى حد بعيد، بل بهدف أكثر أهمية وهو التمكن من بناء فريق مختلف قادر على استيعاب العناصر الجديدة التي انضمت إليه لاحقا، مع تحقيق الانسجام المطلوب مع العناصر القديمة، وتأهيل طرق اللعب التي ينهجها الناخب الوطني وليد الركراكي كي تواكب المتغيّرات التكتيكية والفنية، ولا سيّما تلك التي تميّز المنتخبات الإفريقية. هذا هو مناط النقاش الحقيقي، وهذا هو الجانب الذي ينبغي أن ينصب عليه التوجيه والنقد في المستقبل القريب. كيف يمكن أن نصنع منتخبا متجددا قادرا على تكرار إنجاز مونديال قطر مع تقديم أداء كروي راق ومقنع للجماهير، ويليق بمستوى اللاعبين المحترفين الذين يضمّهم المنتخب؟
