انتهت انتخابات البرلمان الأوروبي، أمس الأحد، بتقدم الأحزاب اليمينية المتطرفة في جل أرجاء أوروبا مع صعود مهم للأحزاب الإشتراكية والليبرالية وأيضا المحافظة، إذ احتلت الأحزاب اليمينية المتطرفة صدارة النتائج التشريعية في العديد من الدول الأوروبية.
وفي تعليقه على صعود اليمين المتطرف بأوربا، قال المحلل السياسي عبد السلام البراق شادي، إن “نتائج الإنتخابات التشريعية الأوروبية، تعد زلزالا يمينيا جديدا يجتاح أوروبا”، مبينا أن “هذه الإنتخابات أفرزت فوز الأحزاب اليمينية في مختلف الدول الأوروبية بالمراكز الأولى كما هو الحال في فرنسا وألمانيا وهولندا والمجر والنمسا واليونان”.
وتابع أن “هذا الأمر، كان متوقعا منذ سنتين على الأقل حيث إن مختلف مراكز التفكير والرصد والتحليل بناء على استطلاعات رأي ومؤشرات عديدة، كانت تتوقع فوزا ساحقا للقوى اليمينية على حساب القوى المعتدلة واليسارية نتيجة مواقفها المتقدمة من الملفات التي تؤرق بال المواطن الأوروبي كالهجرة والإرهاب والتطرف والتغير المناخي وإنعكاساتها على الأمن الأوروبي وبشكل خاص تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وطريقة تدبير الفاعل السياسي الأوروبي لمخلفات جائحة كورونا وبشكل خاص في شقها الإقتصادي”.
وأضاف البراق، في تصريح لـ”الأيام 24″، أنه من “المهم الإشارة إلى أن البرلمان الأوروبي يتمتع بنظام تصويت معقد يتطلب تجاوز عتبات معينة لتمرير التشريعات. وعلاوة على ذلك، فإن التعاون مع الدول الأعضاء في عملية صنع القرار يسمح بالتوفيق بين مختلف المواقف السياسية، لذلك، على الرغم من نفوذ اليمين المتطرف، ليس من المؤكد أنهم سيتمكنون من فرض آرائهم بالكامل”.
وأوضح أن القوى اليمينية ستكون لها مواقف واضحة ومتشددة في أربع ملفات مهمة وحيوية بالنسبة له لأنها تشكل الرأسمال السياسي الذي تشتغل عليه من أجل كسب تعاطف وثقة الناخب الأوروبي، مضيفا أن “أول هذه الملفات: الموقف من التحول الأخضر أو الانتقال الطاقي وضرورة الإلتزام بأجندة 2040 البيئية، إضافة إلى أن العديد من البلدان وضعت أهدافا طموحة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة بحلول عام 2040 كجزء من جهودها للتصدي لتغير المناخ”.
وأشار المحلل السياسي إلى أن “هذه الأهداف تتضمن إجراءات مثل التحول إلى الطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة الطاقة، وخفض انبعاثات الصناعة والنقل. ومع ذلك، هناك تحديات كبيرة في تنزيل هذه الأهداف على أرض الواقع”، ملفتا إلى أن “هذه التحديات تقلق بال الناخب الأوروبي لإرتفاع تكلفتها”.
وأفاد البراق، أن “السياسة الزراعية في العديد من الدول الأوروبية، تواجه تحديات متزايدة في إنتاج الغذاء والمحافظة على الأمن الغذائي، بما في ذلك الآثار المترتبة على تغير المناخ”، مضيفا أن “هناك نقاشات جارية حول السياسات الزراعية المناسبة، بما في ذلك دعم المزارعين، وتشجيع الممارسات الزراعية المستدامة، وتنويع إنتاج الغذاء وسلاسل التوريد”.
ويرى البراق، أن من التحديات أيضا مسألة “الدفاع ضد روسيا التوسعية”، معتبرا أنه “بسبب تصاعد التوترات بين الغرب وروسيا في السنوات الأخيرة، جراء التطورات في أوكرانيا والنشاطات العسكرية والسياسية الروسية في أوروبا الشرقية.
وأردف أن “العديد من الدول الغربية لجأت لتدابير من أجل تعزيز قدراتها الدفاعية وردع أي عدوان روسي محتمل، بما في ذلك زيادة الإنفاق العسكري وتعزيز التعاون الأمني الدولي، وذلك يتضمن عرقلة جهود توسيع الاتحاد الأوروبي بإغلاق الباب الأوروبي أمام “الدول الفقيرة” بسبب العبء الاقتصادي والاستراتيجي، وبسبب قرب هذه الدول من موسكو مثل جورجيا وأوكرانيا وصربيا وكوسوفو”.
ونبه البراق، إلى أن “ملف الهجرة أصبح يثير جدلا سياسيا كبيرا في أوروبا خلال السنوات الأخيرة”، مسجلا أن “صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة يرجع في أحد أسبابه إلى استغلالها مخاوف الناخبين بخصوص ارتفاع أعداد المهاجرين وارتباطهم بالإرهاب والمنافسة على فرص العمل، لذا من شأن صعود اليمين المتطرف أن يؤدي إلى تشريعات أكثر صرامة في الاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة”.
وذكر البراق، أن “الأحزاب اليمينية في مختلف دول الإتحاد الأوروبي، لاحظت أن وعود تعزيز السيادة الوطنية والحد من “تدخل بروكسل” تلقى رواجا لدى جزء كبير من الناخبين المتخوفين من فقدان الهوية الثقافية والوطنية”.
وتوقع البراق، أن يُعقد “نجاح هذه الأحزاب في الانتخابات مأموية المفوضية الأوروبية في الحصول على مزيد من القوانين والسياسات من الحكومات الوطنية المنتمية لها، كما هو الحال في قوانين التغطية الصحية أو قوانين الهجرة، لذا هذا التوجه نحو تعزيز السيادة الوطنية على حساب التكامل الأوروبي قد يضعف دور المؤسسات الأوروبية المركزية في بروكسيل وقدرتها على صياغة سياسات عامة موحدة في المجالات الحساسة. وهو ما قد ينعكس على مسار التكامل الأوروبي في المستقبل”.
ولفت أيضا إلى أنه في حالة خضوع أو توافق الفاعل السياسي الأوروبي مع اليمين الأوروبي بالنسبة لتطورات الموقف الأوروبي إزاء سياساته الخارجية، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى “تبني هذه الأحزاب سياسات خارجية أكثر انعزالية وقومية، وأكثر ميلا إلى إعطاء أولوية لمصالح دولها الوطنية على حساب المصالح الأوروبية المشتركة”، موضحا أنه “قد تكون أقل استعدادًا لدعم برامج المساعدات والإصلاحات الاقتصادية في دول الجنوب، خاصة إذا كانت هذه البرامج تتطلب تضحيات من الدول الأوروبية الأكثر ثراءً”.
كما يمكن لهذه الأحزاب اليمينة المتطرفة، يضيف البراق، أن “تتبنى مواقف أكثر تشددًا تجاه قضايا الهجرة والاندماج الثقافي، و هي أقل استعدادًا لفتح الحدود أمام المهاجرين القادمين من دول الجنوب أو لدعم برامج إعادة توطين اللاجئين”.
وخلص البراق، إلى أن “فوز اليمين المتطرف قد يقود إلى سياسة خارجية أوروبية أكثر انعزالية وقومية، وأقل استعدادا لدعم الدول الجنوبية الأكثر ضعفا اقتصاديا واجتماعيا”، مشيرا إلى أن “هذا قد يُضعف من دور الاتحاد الأوروبي كفاعل عالمي موحد”.
