يحل عيد الأضحى هذه السنة بالمغرب، تزامنا مع واحدة من أصعب الظرفيات الاقتصادية على الإطلاق، في ظل تسارع معدل التضخم وغلاء المعيشة، اللذين أرخيا بظلالهما على قابلية إحياء سنة النحر لدى المغاربة، ودفعا بشريحة واسعة منهم إلى المطالبة بإلغاء “العيد الكبير” تفاديا لإنهاكها ماديا، خصوصا وأن الضغوط الاجتماعية والعائلية تحتم على الطبقات الفقيرة والمتوسطة الاقتراض أو بيع ممتلكاتها لشراء الأضحية.
نتائج استطلاع للرأي أنجزه المركز المغربي للمواطنة، بشأن انطباعات المغاربة وتصوراتهم بخصوص عيد الأضحى هذا العام، تعكس حجم العزوف عن إحياء هذه السُنة إثر الارتفاع الملحوظ وغير المسبوق لأسعار الأغنام، التي باتت تتراوح بين ثلاثة آلاف وثمانية آلاف درهم، دون احتساب باقي المستلزمات التي لا يكتمل العيد إلا بحضورها، غير أنه يصعب على فئات عريضة من ذوي الدخل المحدود والمتوسط تأمينها.
على هذا النحو، أكد 57 في المائة من المغاربة المستطلعة آراؤهم بهذا الخصوص، أن إلغاء “العيد الكْبِير” هذا العام سيخفف عنهم ضغطا كبيرا، خصوصا وأن 75.3 في المائة من المشاركين هم المسؤولون عن توفير مصاريف العيد، ينتمي 87 في المائة منهم إلى صفوف الرجال، كما أعرب 48 في المائة من المشاركين، والبالغ مجموعهم 1007 أشخاص من جميع الفئات العمرية يمثلون جميع جهات المملكة المغربية، عن عدم رغبتهم في الاحتفال بعيد الأضحى هذا العام مفضلين إلغاءه، في حين شدد 44 في المائة منهم على تشبثهم به.
شجاعة ومس بالكرامة
في قراءته لهذه المعطيات التي تعد تعبيرا عن توجه الرأي العام المغربي، يرى محسن بنزاكور الدكتور المتخصص في علم النفس الاجتماعي، أن تصريح أغلب المغاربة بعدم رغبتهم في إحياء شعيرة الأضحى، يعتبر في حد ذاته “شجاعة ومسا “، إذا ما استحضرنا الارتباط الوثيق والتاريخي لدى المغاربة بهذه المناسبة.
وأوضح بنزاكور في تصريح لـ”الأيام 24” أن المكانة الخاصة التي يحظى بها عيد الأضحى عند الشعب المغربي، تتجاوز ما هو ديني وتجد ما يفسرها في البعد الاجتماعي، كون أغلب معيلي الأسر هم مهنيون يحصلون على عطلهم السنوية خلال هذه المناسبة، خاصة المهاجرين سواء من القرية إلى المدينة أو من المغرب نحو الخارج، لذا فالإشكال المطروح بالنسبة إليهم، بحسب المتحدث، هو أنهم لن يستطيعوا اقتناء الأضحية، لذلك كان التمني بالإلغاء مرتفعا تفاديا للوقوع في الحرج.
ويعني بنزاكور، بـ”الحرج”، الوضع الذي سيجد فيه الشخص المُعيل نفسه، أمام نظرة “القبيلة” أو الجيران، لأن “العيد الكبير” بالنسبة إليه إعادة اعتبار وربط علاقة مع الأسرة والمحيط واطمئنان على الوضعية المهنية الخاصة به، وهذه كلها أمور ستكسر عندما لن يستطيع اقتناء الأضحية مما سيشكل مسا بكرامته، يقول الخبير الاجتماعي.
وشدد بنزاكور، على أن نتائج الاستطلاع تُظهر أن خلفيات المصرحين اقتصادية ومالية بالدرجة الأولى، مردفا: “في السابق كان حصول البعض على قرض لتأمين مصاريف عيد الأضحى أعجوبة في المغرب، سيما وأننا أمام شعيرة دينية، أما اليوم فحتى الراغبين في الاقتراض لن يتمكنوا من ذلك، لأن أثمنة الأغنام خيالية والقدرة الشرائية مرتفعة جدا، بينما الدخل الفردي مستقر”.
واعتبر السوسيولوجي عينه أن لجوء بعض الأسر إلى بيع أثاثها وملابسها الخاصة في سبيل اقتناء الأضحية، “يعكس إشكالات كبرى تخلق عدم استقرار أسري”، متابعا: ” في هذه الحالة، الفرح يقتصر على يوم أو يومين فقط، لكن تبعات تلك الخطوة تظل ممتدة في الزمن، فما يهمنا هو الاستقرار الأسري، خاصة وأن عيد الأضحى سنة مؤكدة وليست مفروضة، ثم إن الملك يذبح الأضحية بالنيابة عن الرعية”.
ولفت بنزاكور إلى أنه “لا يوجد هناك أي مبرر ديني يجعل المواطن يقدم على مثل هذا النوع من الخطوات، عدا أنها عادات وتقاليد ترسخت في مجتمعنا لدرجة أنه يتم الطعن في رجولة البعض بسبب عدم مقدرته”، مبرزا أن “المناسبة اجتماعية ولها ما يبررها، لذلك يتوجب على الحكومة أن تدرك هذه الحقيقة، وأن تفكر في استراتيجيات بديلة عن الدعم، عبر الرفع من الدخل الفردي لأن متطلبات الحياة ارتفعت بشكل خيالي”.
من جهة أخرى، سجل أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة الحسن الثاني، أن 57 في المائة من المغاربة الذين أفصحوا كون إلغاء العيد سيخفف عنهم ضغطا كبيرا، هؤلاء ينتمون إلى الطبقة المتوسطة التي تمتلك نوعا من التعقل وليس لديها أي ارتباك من الناحية النفسية لإعلان موقفها بهذا الخصوص، كما أنها متحررة من الحواجز الاجتماعية المرتبطة بالكرامة والشرف ونظرة المجتمع.