للمرة الثانية، تلجأ الحكومة إلى فتح اعتمادات إضافية بقيمة 14 مليار درهم لفائدة الميزانية العامة، لدعم مؤسسات ومقاولات عمومية تضررت أنشطتها بفعل تقلبات الأسعار على المستوى الدولي، وكذلك لتغطية النفقات الإضافية الخاصة بالموظفين والناتجة عن الحوار الاجتماعي.
وسبق لحكومة أخنوش أن سلكت هذه الآلية لحفظ توازنات المالية العمومية نتيجة ارتفاع نفقاتها بشكل غير متوقع، من خلال إصدارها مرسوم بفتح اعتمادات مالية برسم سنة 2022، مما يطرح عدة أسئلة بخصوص مدى جدوى هذه الألية؟ ولماذا لم يتم اللجوء إلى مشروع قانون مالي تعديلي؟
الباحث في السياسات الميزانياتية والشأن الاقتصادي سليمان صدقي، قال إن “توجه الحكومة لفتح اعتمادات إضافية لفائدة الميزانية العامة تناهز 14 مليار، يأتي في سياق اقتصادي ومالي تعيش فيه المالية العمومية ضغوطا مالية كبيرة”.
وأضاف صدقي، في تصريح لـ”الأيام 24″، أن هذه الضغوط المالية، جاءت بسبب تداعيات جيو-استراتيجية خارجية ساهمت في رفع أسعار عدد من المواد الأساسية خاصة منها المرتبطة بالطاقة، وداخليا نتيجة استمرار العوامل الداخلية المؤججة لأزمة التضخم (عوامل مناخية وتدبيرية…)، وكذا الصعوبات المالية التي تواجهها بعض المؤسسات العمومية كالمكتب الوطني للماء والكهرباء (4 مليار درهم)، إضافة إلى ظهور تحملات مالية جديدة نتيجة مخرجات الحوار الاجتماعي الأخير والتي خصص لها مشروع المرسوم 6,5 مليار درهم.
وتساءل صدقي، عن العائد الاقتصادي لتكرار فتح اعتمادات بهذا الحجم (12 مليار درهم سنة 2022 و14 مليار درهم سنة 2024)، خاصة أنها تهم بالدرجة الأولى مصاريف تشغيلية واستهلاكية لمؤسسات عمومية تعيش أزمة هيكلية مستدامة، باستثناء المخصصات المالية الموجه للمكتب الوطني للمطارات الموجه لدعم استراتيجيته الاستثمارية.
وتابع أن تكرار اللجوء إلى هذه الألية “يشكل مؤشرا على حجم الاختلالات الكبيرة التي تعاني منها عدد من المؤسسات العمومية التي تسير قطاعات حيوية (التقاعد، الماء والكهرباء..)، كما يطرح سؤالا عريضا على التوجهات المعلنة من الحكومة حول لاستدامة المالية العمومية في ظل نموذج ميزانياتي واقتصادي غير مستدام خاضع بالأساس لعوامل ظرفية متقلبة باستمرار (مناخية، ضريبية وجبائية، تمويلات مبتكرة محدودة، ضغط المديونية، أزمات شركاء المغرب الاقتصاديين…)”.
وبخصوص لجوء الحكومة لفتح اعتمادات مالية إضافية بمرسوم عوض اعتماد مشروع قانون مالي معدل، أوضح صدقي، أنه “على المستوى الإجرائي، فإن للحكومة في حالة الضرورة الملحة وغير المتوقعة وبغية الحفاظ على توازن المالية العمومية وحفظ المصلحة العامة سلك عدة مسارات متباينة.
وأردف أن المسار الأول هو اللجوء إلى قانون مالي معدل، مستدركا: “غير أنه قرار نادر الحدوث، وخاضع بالأساس للظروف الاقتصادية والمالية التي تتسم بالخطورة على المالية العمومية، كما أن إجازة قانون المالية المعدل يقتضي اعتماد الترخيص البرلماني بناء على أحكام المادة 57 من القانون التنظيمي لقانون المالية 130.13، وهو أمر مكلف من الناحية السياسية ويحتاج وقتا للتداول والتصويت والاعتماد”.
وأفاد صدقي، أن المسار الثاني، هو “فتح اعتمادات إضافية بناء على مرسوم (المادة 60 من القانون التنظيمي 130.13)، لمعالجة اختلال جزئي يهم بالأساس”، مشيرا إلى أن “المسار الثالث يكون في حالة الاستعجال والضرورة الملحة وغير المتوقعة، حيث يمكن للحكومة أن تحدث خلال السنة المالية حسابات خصوصية للخزينة بموجب مراسيم طبقا للمادة 27 من القانون التنظيمي 130.13، وهي حالة الحساب الخصوص الذي أحدث على إثر زلزال الحوز 2023، أو كحالة الحساب الخصوصي الخاص بجائحة كوفيد 19 المحدث سنة 2020”.
يذكر أن الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، أوضح أن فتح اعتمادات إضافية بقيمة 14 مليار درهم لفائدة الميزانية العامة يرتبط بدعم مؤسسات ومقاولات عمومية تضررت أنشطتها بفعل تقلبات الأسعار على المستوى الدولي، وكذلك لتغطية النفقات الإضافية الخاصة بالموظفين والناتجة عن الحوار الاجتماعي موضوع الاتفاقيات المبرمة بين الحكومة والفرقاء الاجتماعيين.
وأضاف لقجع، خلال اجتماع عقدته لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، أول أمس الإثنين، خصص للإخبار بالمرسوم ذي الصلة الذي صادق عليه مجلس الحكومة في اجتماعه الأخير، أن هذه الاعتمادات المالية الإضافية التي تكتسي “طابعا ملحا وضروريا”، سترصد منها 4 مليارات درهم لفائدة المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب برسم سنة 2024، مشيرا إلى أن الهدف من ذلك هو الحفاظ على أسعار الماء والكهرباء لدى مختلف المستهلكين، وفي مقدمتهم المواطنين.
وأعلن الوزير أن أسعار فواتير الماء والكهرباء لن تعرف أي زيادة خلال هذه السنة، رغم الارتفاعات المتتالية التي شهدتها عدد من البلدان، ومنها بلدان مماثلة تعتمد على استيراد المواد الخام لإنتاج الطاقة الكهربائية.
وأبرز أن هذه الاعتمادات تشمل 6,5 مليارات من أجل تفعيل التزامات الحكومة المرتبطة بنتائج الحوار الاجتماعي برسم سنة 2026، والذي تصل كلفته إلى 45 مليار درهم في أفق سنة 2026، والتي تهم 4 ملايين و250 ألف موظف وأجير.
وأشار لقجع، إلى أن توقعات قانون المالية لسنة 2024 تم تحقيقها بنسبة 46 في المائة خلال خمسة أشهر السابقة، لافتا إلى أن العمل سيتواصل بنفس الوتيرة، لا سيما فيما يخص توسيع الوعاء الضريبي وإدراج كل الخاضعين للضريبة لتأدية ما في ذمتهم.
وذكر لقجع بأن فتح اعتمادات إضافية، يأتي في سياق إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2025 الذي تقوم به مصالح الوزارة بتنسيق مع مختلف القطاعات الوزارية، وانسجاما مع تنزيل المقتضيات القانونية المتعلقة بتطبيق المادة 60 من القانون التنظيمي لقانون المالية، وبناء على الفصل 70 من الدستور.