موضة السريعة ومخلفات مستدامة


فى الماضي القريب كان أغلبنا يحصل على ملابس جديدة فى الأعيادفقط، وباستثناء الأحذية، فقد كان الكثير قطع الملابس يتم صناعتها لدى ترزى متخصص أو بأيدى الأمهات باستخدام ماكينات الخياطة المنزلية. أما أولئك الأكثر حظا فقد كانوا يحصلون عليها من محال الأزياء وبوتيرة أسرع قليلا أو كثيرا. والآن تسارعت الحصول على ملابس جديدة، فالأمر لا يتطلب مناسبات وربما بلا مبرر سوى الامتلاك والتفاخر والمجاراة. ومع تسارع وتيرة شراء الملابس تسارعت وتيرة التخلص منها. وفى المقابل تتعالي أصوات أنصار البيئة محذرة من المخاطر الكبرى التى يسببها الاستهلاك الفائق وغير المسئول للمنتجات الموصوفة بـ “السريعة” سواء كانت أطعمة أو أزياء أو مستحضرات تجميل أو حتى أجهزة ووسائل ترفيه. فنحن نستهلك سلع ومعها نستهلك الكوكب ونستهلك أنفسنا. ونقرأ فى مجلة ناشيونال جيوغرافيك “لا ينقطع سعى الأزياء نحو التألق والتأنق، لكن هذه الصناعة من أكبر الملوثات ضمن غازات الدفيئة فى العالم. وعلى مر العقدين الماضيين، زاد عدد الملابس الجديدة المصنوعة سنويا بمقدار الضعف تقريبا. وتتنامى مشتريات الأزياء العابرة السريعة، وكذلك السرعة التى يتخلص بها الناس من ملابسهم الرخيصة”

وبشكل عام، فقد أصبح شعار “متعة التسوق” أسلوب حياة ووسيلة لاستجداء القيمة والمكانة الاجتماعية، وربما لمقاومة الفراغ والملل. واتسع مجال “متعة التسوق” ليستقطب معظم الفئات الاجتماعية بما في ذلك غير القادرة، أو التى أصبحت غير قادرة، بفعل الإغراء وتوافر منتجات رخيصة أو مقلدة. وباتت الخصومات والأوكازيونات محفزات ومناسبات دائمة للإيهام بالاحتياج والفرص. وتعاظم الأمر مع انتشار التطبيقات بما لها من قدرة على استقراء الميول والتطلعات والرغبات والاستجابة لهاوصناعتها. وهكذا يحدث التكالب على إستهلاك أزياء سريعة تبقي على الأجساد مدة قصيرة، قبل التخلص منها لتصبح مخلفات مستدامة حيث تبقي فى الطبيعة لسنوات وربما لعقود. إنها الموضة السريعة التى يجرى تعريفها بأنها “الموضة التى تلبى السوق بسرعة كبيرة وبكميات كثيرة وبتكلفة أقل، بمعنى أنها بمتناول جميع الأشخاص وبألوان وبأشكال مختلفة ومتنوعة. وبما أنها مواكبة للموضة وتتواجد بأسعار ممكنة ومعقولة فتكون مغرية للشخص، لذا تعتبر هذه الصناعة الأكثر انتشارا واعتمادا فى لعالم”. وكما تشير التقارير تحتل الريادة في هذا المجال علامات مثل “زارا” و”H&M” و “Shein”. (الموضة السريعة: خديجة باروم ورغد بادريق). وحاليا يتم انتاج نحو 100 مليار قطعة ملابس كل عام، إذ تتنافس الشركات الدولية باستمرار لتقديم أزياء جديدة وجني أرباح أكثر. ومن المتوقع أن ينمو هذا القطاع الصناعي بنسبة 60 في المائة بحلول عام 2030.

ومن المنظور البيئي فإن صناعة النسيج هي ثاني قطاع يملك أسوأ سجل بيئي. فهى تنتج 10% من انبعاثات الكربون العالمية، وتستهلك 93 مليار متر معكب من المياه سنويا. ووفق أحد المصادر فثمة دراسات تشير إلى أنه من المتوقع أن تزداد الغازات المنبعثة من صناعة الموضة والتى تسبب الاحتباس الحراري بنسبة أكثر من 50% بحلول عام 2030. وثمة محاولات لإنتاج ملابس صديقة للبيئة، ولكن على ما يبدو أن هذا الأمر لا يحل المشكلة. فالمواد التى تستخدم مواد كيميائية أو طاقة أقل تستهلك قدرا أكبر من المياه. ومع الإنتاج الكثيف والسريع فإن ملايين الأطنان من الملابس ينتهى بها الحال سنويا لأن تكون مخلفات، وما يُعاد تدويره لا يتجاوز 1% فقط. وحتي فكرة إعادة التدوير لا تمثل حلا كما نتصور، فوفق تقرير صادر عن مؤسسة إيلين ماك ويقول “جوريك بوير” وهو رئيس مجموعة بوير والتى هي شركة عائلية تعيد بيع الملابس فى دول عديدة: “إن الناس يخطئون تقدير ما يحدث حين يلقون الملابس فى صنديق التبرع، فيعتقدون أن الملابس تُمنح مباشرة للمحتاجين. ما يحدث فى الواقع أن شركات تشتري الملابس المتبرع بها وتفرزها ثم تعيد بيعها فى سائر بقاع العالم”. (ناشيونال جيوغرافيك)

ويتم تقديم العديد من النصائح من أجل موضة أكثر استدامة، ولعل أهمها التحرر من الذهنية الاستهلاكية والتفكير قبل شراء قطع ملابس جديدة. وفى الحقيقة أن هذا الأمر يتطلب مواجهة ثقافة الاستهلاكوتعديل أنماط حياة، والسؤال هو: ما الذى يمكن فعله مع ثقافة تستمتع وتتفاخر بالتسوق والامتلاك، وذهنيات تري فى الأزياء موضوعات للهوية وإضفاء القيمة على الذات؟. إن قوة ثقافة الاستهلاك لا تنبع من تلبية احتياجات وإنما من صناعة رغبات وخلق هويات والإيهام بامتلاك المستهلكين لمكانة وقيمة اجتماعية، وحتى تحقق الأرباح فمن المهم أن يكون يتسم الانتاج بالسرعة والكثافة وعدم الاستدامة. إن كلمة “موضة سريعة” و”وجبات سريعة” مقبولة بالمعنى الاقتصادي ولكنها سيئة السمعة بالمعنيين الصحي والبيئي. وأقترح ن تتضافر جهود المؤسسات الثقافية والدينية ومنظمات المجتمع المدني للتوعية والتثقيف فى هذا المجال بمقاربات ثقافية وبيئية وأخلاقية لمواجهة ثقافة الاستهلاك التى تجعلنا، وخاصة الأجيال الشابة، مستهلكين ومستهَلكين.

تاريخ الخبر: 2024-06-03 09:21:41
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 52%
الأهمية: 56%

آخر الأخبار حول العالم

البيت الأبيض: نشعر بالخوف والقلق من التصعيد المحتمل فى الشرق الأوسط

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-20 00:23:30
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 45%

بارنييه ينتهي من تشكيل الحكومة الفرنسية الجديدة

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-20 00:23:45
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 50%

مستوطنة المطلة تعليقًا على صواريخ حزب الله: دمار هائل لم نرى

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-20 00:23:56
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 54%

الاحتلال يطلب من المدنيين الابتعاد عن مناطق التدريب في شمال

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-20 00:23:51
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 67%

التفجير بواسطة رسائل إلكترونية.. تحقيقات أولية: أجهزة الاتصا

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-20 00:23:39
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 70%

إسرائيل تطلب من سكان المدن والمستوطنات البقاء بالقرب من الم

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-20 00:23:32
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 62%

بسبب صواريخ حزب الله.. فرق إطفاء إسرائيلية تكافح حرائق اندلع

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-20 00:24:02
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 55%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية