الدار/ تحليل
الاتفاق السياسي الليبي الموقع في مدينة الصخيرات عام 2015، رئاسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة برسم سنة 2024، إعلان الرباط الصادر عن المؤتمر الوزاري رفيع المستوى حول البلدان متوسطة الدخل، رئاسة الدورة السادسة للجمعية العامة للأمم المتحدة للبيئة (UNEA-6) برسم الفترة 2022-2024، تعيين المملكة المغربية ميسرا لمسلسل المفاوضات الأممي المتعلق بالإعلان السياسي للقمة الاجتماعية العالمية، المقرر عقدها عام 2025، ثم استضافة المملكة المغربية كأس العالم لكرة القدم سنة 2030 إلى جانب كل من إسبانيا والبرتغال. ما الذي يجمع بين هذه المبادرات والأحداث الدولية كلّها؟ القاسم المشترك بينها أنّها تشكل بعضا من أهم المبادرات الدولية التي شارك فيها المغرب أو قادها بنجاح أو يعتزم تنظيمها مستقبلا.
والذي أكّد أهمية هذه المبادرات من جديد إشادة وزراء الخارجية العرب والصين، يوم الخميس في بكين، خلال الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي الصيني بها والتنويه بأهميتها. وأكد الجانبان في “إعلان بكين” و”البرنامج التنفيذي 2024-2026″، الصادرين عن الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي الصيني، على أهمية هذه النجاحات المحققة على الصعيد الإفريقي والعربي والدولي للمشاركات المغربية. لقد أظهرت هذه المحطّات الانخراط الإيجابي والكلّي للمغرب في شتّى الالتزامات على الصعيد الدولي، والعمل على تقديم الدعم السياسي لخطط السلام مثلما حدث في اتفاق الصخيرات التاريخي الذي لمّ شمل الفرقاء الليبيين ودفعهم إلى التزام سلمي ما يزال إلى اليوم يمثل إطارا مرجعيا وطنيا.
تعكس هذه الدينامية المميّزة لمشاركات المغرب المتنوعة التألق الذي تحصده صورة المغرب في الوقت الحالي على كافة الأصعدة. هناك سمعة مميزة استطاع المغرب على مدار العقدين الأخيرة من الزمان أن يبنيها بعناية وهدوء، ليصبح مرجعا في الكثير من القضايا والملفات، بدءاً بالمجال الحقوقي مرورا بجهود الوساطة وصولا إلى التطوير الرياضي والصناعي الذي تشهده بلادنا حاليا. وما تعكسه الإشادة الصينية العربية بهذه المبادرات هو أنّ الثقة التي تحظى بها بلادنا اليوم ليست نابعة من أيّ حسابات سياسية أو أيديولوجية أو ارتباط بهذا المعسكر أو ذاك. المغرب ينال احترام الصين مثلما ينال احترام الولايات المتحدة الأميركية وثقتها مثلما ينال احترام وثقة الأوربيين أيضا.
وهنا موطن الاستثناء المغربي. القدرة على إدارة العلاقات الخارجية مع كافة الأطراف والفرقاء دون اصطفاف مُخلّ أو انعزال مُقلّ. من حقّ المغرب أن يبني شراكات استراتيجية مع القوى الدولية بأجمعها، مع روسيا والصين وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، ومع الدول العربية والإفريقية وينفتح على مناطق وتكتلات إقليمية صاعدة. وهو يفعل ذلك بهدوء وذكاء دون حاجة إلى الدخول في مواجهات أو اتخاذ مواقف مسيئة أو متسرّعة. ومن المؤكد أن الخيط الناظم لهذه التحالفات والشراكات هو المصلحة العليا للبلاد واحترام القيم الكونية التي توافق عليها المنتظم الدولي، علاوة طبعا على الالتزام الدائم بالقضايا القومية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
فما أهمية هذا الالتزام الدولي للمغرب في شتّى المجالات إذاً؟ المبادرة باستمرار إلى تقديم مقترحات أو ملفات لتنظيم تظاهرات أو ترشيحات لمناصب سامية على غرار ما حدث يوم أمس بانتخاب المغرب عضوا في لجنة حقوق الإنسان بنيويورك ليست مجرد هدر للوقت أو الموارد كما يعتقد البعض، بل هي استثمار حقيقي من أجل بناء رصيد السمعة الذي يسهم في إثراء بلادنا ومنحها المزيد من الفرص على صعيد الجاذبية المؤهّلة لاستقبال الاستثمارات واحتضان المشاريع الكبرى واستقطاب رؤوس الأموال. ولعلّ المبادرة الأطلسية التي قدّمها المغرب مؤخرا لفائدة دول الساحل والصحراء لتمكينها من منفذ بحري تمثّل أرفع نماذج هذه المقترحات التي تؤكد أنّ هذه الدينامية ليست في مصلحة المغرب وحده، بل تعبّر أيضا عن روح الالتزام بمصالح إفريقيا والأفارقة.