استغل الرئيس الصيني كسي جنبين قمة التعاون بين الصين والدول العربية المنعقدة في بكين أمس ليدفع بمزيد من أوراقه في المنطقة والدعوة ل”مؤتمر سلام دولي موسع”.مستغلا صورة الولايات المتحدة المتدهورة في الشرق الأوسط.
الرئيس الصيني استدعى التاريخ في بداية خطابه الافتتاحي للقمة، مذكرا ” بالمبادلات الودية على طول طريق الحرير القديمة” للتأكيد على ” الروابط العميقة” للصينيين مع المنطقة. لكن الاحداث الجارية كانت في كل الاذهان وفرضت نفسها كموضوع رئيسي لهذا المنتدى الذي يحضره بشكل خاص الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأمير دولة الامارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس التونسي قيس سعيد. المنتدى فرصة لبكين لتأكيد تطابق وجهات النظر حول الملفات الإقليمية الكبرى وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والدفع بمصالحها الاقتصادية.
وأمام القوة الامريكية المتورطة في دعمها لإسرائيل رغم الصور الفظيعة لتقتيل المدنيين الفلسطينيين في رفح وجباليا، تلاحظ الصين أن لها كل المصلحة في اتخاد موقف مضاد لواشنطن، وخلال استقباله للرئيس المصري بكل الترحيب قال الرئيس الصيني أن بلاده تحس ب” حزن عميق” إزاء الوضع في غزة، وعاد لنفس الموضوع في افتتاح المنتدى بالقول ” لا يمكن للحرب أن تستمر إلى ما لانهاية، ولا يمكن للعدالة أن تبقى غائبة للابد”. داعيا إلى تنظيم ” مؤتمر دولي موسع للسلام” حول النزاع. في الجوهر الموقف الصيني ثابت: وقف إطلاق النار فورا وقيام دولة فلسطينية معترف بها من طرف الأمم المتحدة.
ومن وجهة نظر الصين كلما تواصلت العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، كلما ازداد تدهور صورة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. والأكيد أن ذلك يشكل نزيفا لمصداقية الزعامة الامريكية. والصين تضع نفسها بشكل واضح في صف الدول العربية بخصوص الحرب على غزة، وتحاول أن تستفيد منها لتقوية نفوذها والتسويق لهندسة جديدة بالمنطقة أقل تركيزا على دور الولايات المتحدة.
من جانبها، وإزاء التواطؤ المكشوف بين واشنطن وتل أبيب في الحرب على غزة، جاءت الدول العربية إلى بكين بحثا عن دعم دبلوماسي. وبدا ذلك واضحا في دعوة الرئيس السيسي إلى” إنهاء الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة ووقف أية محاولة لإجبار الفلسطينيين على مغادرة أراضيهم بالقوة”. ولم يفت الصحافة الصينية التذكير بالتقارب السياسي بين الصين ومصر وتأكيد أن جمال عبد الناصر كان أول رئيس عربي وإفريقي يعترف بجمهورية الصين الشعبية سنة 1956، كما ذكرت بالمساندة الصينية لمصر في أزمة قناة السويس.
ومع ذلك يبقى الانخراط الصيني في المنطقة محسوبا، فالصين تعتبر أن قوتها تتجلى في أن تكون الشريك التجاري الكبير للجميع ولكنها ليست حليفة لاحد. وهذا البعد مكن الصين من تحقيق اختراق دبلوماسي غير مسبوق في مارس 2023 عندما أعلنت السعودية وإيران عودة العلاقات بينهما برعاية صينية.
وتواصل الصين البحث عن دور جديد، حيث أعلنت وزارة الشؤون الخارجية الصينية يوم 30 أبريل عن رعاية مفاوضات وحوارات بين وفدي حماس وفتح في بكين وأنها كانت “مشجعة” لتحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية دون تفاصيل عن مضمونها.
ورغم ذلك تعرف الصين أنها لا تتمتع بنفس الهيمنة التي تتوفر للولايات المتحدة فيما يخص الأولويات الأمنية لدول المنطقة ولا تريد المخاطرة المرتبطة بهذه القضايا في الوقت الذي تندد بالتدخل الأمريكي. فالصين تعرف جيدا أن منطقة الشرق الأوسط لا تعيش فراغا، وأنها منطقة لها شعوبها ومشاكلها يجب أن تحل من طرف دولها عن طريق المفاوضات.
فالصين تدفع بأوراقها، الاقتصادية أولا، لكنها ليست الأوراق الوحيدة، فهي زبون مهم وكبير يمتص حوالي ربع صادرات المنطقة من البترول والغاز بينما تعتمد الولايات المتحدة على النفط الصخري. وللصين امتياز الحديث بنفس اللغة السياسية للقيادات العربية الحاكمة بعيدا عن الدروس الأخلاقية للديمقراطيات الغربية.. وتقدم إنجازات ملموسة على شاكلة حوض الالواح الشمسية، الاضخم في العالم، الذي أنجزته شركة صينية في أبو ظبي قبيل أيام على انعقاد مؤتمر “كوب”28.
وبالتأكيد تحقق المصالح الصينية تقدما سريعا، وعملاق النقل البحري الصيني “كوسكو” يعمل في ميناء خليفة بالإمارات المتحدة، وتتخوف الولايات المتحدة من أن يتحول يوما ما إلى موطئ عسكري للصين في المنطقة، وتبدي الصين أيضا استعدادا للعمل في مجال البنيات التحتية الرقمية ومجالات الذكاء الاصطناعي في وقت بدأت دول الخليج التوجه باقتصاداتها لما بعد البترول.