تصاعدت في الآونة الأخيرة حدة التحذيرات من طرف متتبعين للشأن المحلي على مستوى مدينة الدار البيضاء، بسبب محاولة استثمار بعض الأحزاب السياسية لمشاريع الدولة المتعلقة بالتنمية المحلية في حملات انتخابية سابقة لآوانها، مستغلين غياب لوحات المشاريع في العديد من المناطق بالعاصمة الاقتصادية.
وتشهد الدار البيضاء حركة غير عادية تهدف تأهيل وتطوير البنيات التحتية، حيث يتم التركيز على هيكلة الشوارع الكبرى للمدينة وتوسيع نطاق المساحات الخضراء، فضلا عن إطلاق العديد من المشاريع التنموية في مجموعة من المناطق، الأمر الذي يحاول بعض المنتخبين استغلاله على أساس أنها أوراش تابعة لهم وأنهم أصحاب الفضل في انطلاقها.
التنافس الانتخابي
كما يقول شكيب ارسلان المفكر اللبناني: “يفكر الوطني بالأجيال القادمة، أما السياسي فيفكر في الانتخابات القادمة”، بهذه المقولة علق محمد عماري، نائب المنسق الجهوي للهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية بجهة الدارالبيضاء-سطات على محاولات الركوب على هذه المشاريع واستغلالها في حملات انتخابية سابقة لآوانها، مؤكدا أن “هذه العبارة تلخص واقع التنافس الانتخابي في مدينة الدار البيضاء”.
ولاحظ عماري، في تصريح لـ”الأيام 24″، “تسابق ممثلي السكان في المقاطعات ومجلس جماعة الدار البيضاء حتى قبل اقتراب الزمن الانتخابي، وتهافتهم للانقضاض على المشاريع المبرمجة ومحاولة نسبها إليهم”، مشيرا إلى أن “المنسقية الجهوية للدار البيضاء سطات للهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية بالمغرب قد توصلت بالعديد من التظلمات بشأن احتكار ملاعب القرب وحرمان شباب الأحياء الشعبية من فرصة ممارسة الرياضة وقضاء أوقات فراغهم في بيئة مناسبة وتفويت تدبير هذه المرافق إلى جمعيات الأعمال الاجتماعية لموظفي الجماعات المحلية وجمعيات تابعة للمنتخبين”.
وتابع أن “المواطنين لاحظوا غياب لوحة المشاريع أمام مشاريع مجلس جماعة الدارالبيضاء والمقاطعات التابعة له، وهي ظاهرة منتشرة في العديد من المناطق، وتُثير تساؤلات حول شفافية تسيير الشأن العام المحلي ومدى مشاركة المواطنين في تتبع سير المشاريع”، معتبرا أن “ذلك ناتج عن غياب الوعي بأهميتها أو لضعف الإرادة السياسية في تكريس مبادئ الشفافية في المشاريع العمومية”.
وأبرز عماري، “دور المجتمع المدني في مراقبة الهيئات المنتخبة ومحاسبتها انسجاما مع الدور الجديد الذي منحه دستور المملكة 2011 في فصله 12 و13 حين أقر على دور المنظمات غير الحكومية المساهمة في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتنفيذها وتقييمها، مع إلزام هذه المؤسسات والسلطات بتنظيم هذه المشاركة وإحداث هيئات للتشاورالعمومي”.
ويرى عماري، أن “سقف تفكير محترفي الانتخابات في المغرب بشكل عام هو الظفر بمقعد تمثيلي سواء في الجماعات الترابية أو المؤسسة التشريعية، ولتحقيق هذا الهدف فهم مستعدون لاستغلال جميع الإمكانيات المتاحة والتي تحت سلطة تدبيرهم وخصوصا المرافق العمومية دات الطابع الاجتماعي”.
وأردف أنه “يمكن استغلال جميع ظروف الساكنة بما فيها الأكثر مأساوية كمناسبات الموت التي يتم فيها التحكم في سيارة نقل الأموات، بحيث يستفيد من خدمتها الكثلة الناخبة الأكثر استعدادا للوفاء يوم الاقتراع”.
وأوضح أن “المنافسة الانتخابية على قواعد الديمقراطية والتنافس النزيه مقبول بل مرغوب فيه لتطوير التجربة الديمقراطية التي يعرفها بلدنا وتحديدا في انتخابات المجالس الجماعية، لأن هذه التجربة ومنذ أول انتخابات جماعية لسنة 1960 لم تنتج نخب محلية مؤهلة وقادرة على تدبير الشأن المحلي من أجل خلق مشاريع تنموية مهيكلة وقادرة على الرقي وازدهار مدن وقرى البلاد”.
وأكد عماري أنه “من أجل مواجهة ظاهرة نسب المشاريع إلى المنتخبين أعتقد بأننا أمام رهان تخليق الحياة العامة حيث تُشكل الحياة السياسية بيئة حيوية تُساهم في تشكيل مستقبل أي مجتمع وذلك بمحاربة الفساد والمحسوبية وتدعيم الشفافية في كل مجالات الشأن المحلي”.
وزاد “وهنا يأتي دور الحكامة السياسية بإعتبارها مطلبا حيويًا في تحقيق الاستقرار والتنميةالمحلية، فالحكامة الجيدة تُعزز الثقة بين المواطنين والمؤسسات، وتُحفز الاستثمار، وتُخلق بيئة مواتية للنمو الاقتصادي. كما تُساهم الحكامة الجيدة في تحسين نوعية الحياة للمواطنين من خلال توفير الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية”.
ودعا عماري، “جميع الأحزاب السياسية إلى تأهيل هياكلها لمواكبة رهانات المستقبل بتفعيل الديمقراطية الداخلية للقيام بادوارها الدستورية في التأطير وانتاج نخب سياسية محلية ووطنية والتشبع بمبادئ وقيم النزاهة والمسؤولية والمحاسبة والشفافية التي يجب على جميع الفاعلين السياسيين الالتزام بها”.
سطو انتخابي
من جهته، يرى عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الأول بسطات، أن “اختصاصات الجماعات محددة بموجب القانون وموزعة بين الذاتية والمشتركة والمنقولة، وغالبا ما تكون الجماعة هي صاحبة المشروع وبالتالي الرئيس باعتباره آمرا بالصرف أو النواب باعتبار تفويض الاختصاص لهم يكونون حاضرين في الميدان لتتبع الأشغال والقرب من المواطنين”.
واعتبر اليونسي، في تصريح لـ”الأيام 24″، أن “حضور المنتخبين وتسويقهم لهذه المشاريع هو من صميم عملهم، أما إذا كانت المشاريع منجزة من طرف مؤسسات أخرى فحضور المنتخبين هو سطو على انجازات غيرهم”.
وأبرز أن “حضور المنتخبين وبحثهم عن تكوين كتلة تصويتية في الانتخابات المقبلة يدخل في إطار العمل السياسي والتأطير الحزبي، لأننا لا نقول نفس الكلام إذا حضر المعينون في افتتاح مشاريع أنجزها المنتخبون”.
وأكد الأكاديمي أن “هذا نقاش مغلوط، فالمنتخب والمعين مطالبان بتحقيق المصلحة العامة في النهاية، ولا يمكن محاربة رغبة السياسي في الظهور لأن هذا من صميم عمله ووظيفته”.
