يدخل اعتراف الثلاثي الأوروبي، إسبانيا وإيرلندا والنرويج بفلسطين، حيز التنفيذ اليوم الثلاثاء 28 ماي الجاري، لينتقل بذلك عدد الدول المعترفة بفلسطين دولة مستقلة إلى 147 من أصل 193 دولة، منها 11 دولة أوروبية، عضوا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بينما تواجه إسرائيل أسوأ وضع منذ تاريخ إعلان قيامها عام 1948، في خضم ضغط دولي متصاعد لوقف حربها الهوجاء على قطاع غزة، ومعارضة دخلية واسعة لحكومتها.
ترسيم قرار الاعتراف الذي كانت حكومات الدول الأوروبية الثلاث قد أعلنت عنه الأربعاء الماضي بعد مناقشات دامت لأسابيع، يأتي في أوج المجزرة الإسرائيلية الجديدة التي استهدفت ليلة الأحد الفارط مخيما للنازحين في رفح، ما أسفر عن استشهاد 45 شخصا على الأقل وإصابة نحو 250 آخرين، معظمهم نساء وأطفال، لترتفع بذلك حصيلة ضحايا الحرب الإسرائيلية إلى أكثر من 36 ألف قتيل منذ أكتوبر 2023، في مؤشر قوي عن الحالة الهستيرية التي دخلتها تل أبيب جراء التعاطف الواسع والدعم المتزايد الذي باتت تكسبه عدالة القضية الفلسطينية منذ “طوفان الأقصى”، الذي عبر بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي نحو منعطف جديد.
خطوة تاريخية
رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، قال اليوم الثلاثاء، إن بلاده تعترف بدولة فلسطينية تشمل قطاع غزة والضفة الغربية وموحدة تحت إدارة السلطة الوطنية الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، مؤكدا أنها “خطوة تاريخية تتيح للفلسطينيين والإسرائيليين تحقيق السلام”.
وفي خطاب له قبل إقرار حكومته مرسوما تعترف بموجبه إسبانيا بدولة فلسطين، شدد سانشيز على أن “هذا الاعتراف ليس النهاية، بل مجرد البداية”، وأوضح: “نحن لا نعترف بالتغييرات التي قامت بها إسرائيل بعد عام 1967 دون اتفاق الإسرائيليين والفلسطينيين”.
من جهتها، أفادت وزارة الخارجية النرويجية في بيان بأن “اعتراف النرويج الرسمي بفلسطين كدولة دخل حيز التنفيذ”، وأضاف البيان أن “عددا من الدول الأوروبية الأخرى ذات التفكير المماثل ستعترف رسميا بفلسطين في نفس التاريخ”، فيما ستجتمع الحكومة الإيرلندية في وقت لاحق من يومه الثلاثاء للإعلان رسميا عن دخول قراراها أيضا حيز التنفيذ.
ماذا يعني الاعتراف الدولي بفلسطين؟
يعتبر الاعتراف الدولي تصرفا قانونيا بإرادة حرة، تقوم به دولة ما حيال كيان معين، بقصد الإقرار بصفته الدولية، تمهيدا لإكسابه مشروعية دولية. من هذا المنطلق، يؤكد المحلل السياسي الفلسطيني رائد نجم، أن خطوة المعسكر الغربي، تأكيد على قيام دولة فلسطين وفقا لإعلان وثيقة الاستقلال لعام 1988 ولقرار الأمم المتحدة عام 2012 الذي صوت بالأغلبية لصالح منح فلسطين عضوية المراقب في الأمم المتحدة.
وعن أهمية الاعتراف وانعكاساته على أرض الواقع، أشار نجم في تصريح لـ”الأيام 24″، إلى أنه يحمل وزنا دبلوماسيا ويعزز التمثيل الفلسطيني في أوروبا وسيسهم في فتح مكاتب دبلوماسية وتبادل السفراء، فضلا عن تعزيز العلاقات الدولية والموقف الفلسطيني على الساحة الدولية، كما يمكن أن تساهم هذه الخطوة في اختراق السياسة الأوروبية الداعمة في أغلبها لإسرائيل.
كذلك، يضيف نجم: “سيؤدي وجود مكاتب دبلوماسية كاملة في الدول الأوروبية إلى بناء علاقات وحضور قوي، مع إحداث ضغط أخلاقي ودبلوماسي، ويزيد من حضور الموقف الفلسطيني في السياسة الأوروبية، وقد يتشابك مع حالة الدعم العام من قبل الرأي العام الأوروبي والأمريكي وحراك الطلاب في جامعات الدول، ما من شأنه أن يزيد من عزلة إسرائيل على مستوى الجامعات التي تعتبر الحاضنات الأكاديمية الأهم التي ستجعل من إسرائيل دولة معزولة وغير قادرة على التواصل مع هذا المكون”.
ويستمد القرار أهميته، حسب المتحدث ذاته، من وزن الدول المعترفة وتأثيرها، حيث تعد الخطوة “مؤشرا على أن العالم ماض في الاعتراف بالسيادة الفلسطينية وأن الدول الثلاث باتت تدرك أن التفاوض مع إسرائيل دون ضغط دولي غير مجد بسبب إصرار تل أبيب على السيطرة على الأراضي الفلسطيية ومواصلة عمليات الاستيطان والقتل والاجتياحات”.
وشدد نجم على أن هذا كله يثبت مشروعية قيام الدولة الفلسطينية ويعزز الشخصية القانونية للشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره بكل حرية، إضافة إلى دعم حصولها على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
وتابع أنه “كلما زاد عدد الدول التي تعترف بالدولة الفلسطينية، سيصبح من السهل على الفسلطينيين الحصول على العضوية الكاملة من خلال ضغط المجتمع الدولي على أمريكا وإحراجها لعدم استخدام حق النقض ضد منحها العضوية، كما سيدفع ذلك مجلس الأمن مستقبلا إلى إصدار قرارات متعلقة بمفاوضات السلام، تلزم إسرائيل بإنهاء احتلالها الأراضي الفلسطنية والانسحاب منها”.
عزلة إسرائيل
في رده على سؤال “الأيام 24” بخصوص مدى قدرة إسرائيل على تنفيذ وعيدها بالانتقام من الدول الثلاث المعترفة بفلسطين، استبعد رائد نجم ذلك، مبرزا أن كلا من إسبانيا وإيرلندا والنرويج دولا ذات سيادة، وبالتالي، فهي لا تستطيع معاقبتها أو اتخاذ قرارات ضدها، بخلاف الوضع مع فلسطين، يستطرد المحلل السياسي عينه، التي اتخذ بحقها الكيان قرارات مجنونة تتعارض مع الشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة، حيث قامت بإلغاء قانون فك الارتباط بشمال الضفة مما سيسمح بعودة المستوطنين إلى الضفة الغربية وبناء مستوطنات جديدة، إلى جانب عدم دفع أموال الضرائب التي تحصلها السلطات الإسرائيلية للسلطة الفلسطينية، مما سينعكس بشكل مباشر على الوضع الأمني، ومن المتوقع أيضا حدوث مواجهات داخل مناطق كانت خارج دائرة الصراع الحالي.
واعتبر نجم، أن إسرائيل توجد حاليا في عزلة تامة، في ظل المواقف العالمية التي تقول لها إن سياسة التقتيل والتهجير والاحتلال والاستيطان لم تعد مقبولة، مردفا “هي من قررت الاستمرار في فرض العزلة على نفسها بسبب تهربها من تنفيذ الاتفاقات الدولية”، ولفت إلى أن “الدولة المحتلة محتاجة إلى مزيد من الضغط حتى تفهم تماما أن ما يجري هي إرادة دولية يجب ان تلتزم بها، وهذه الإرادة تم التعبير عنها في إطار تنفيذ حل الدولتين”.
ويرى المحلل السياسي الفلسطيني في مزيد من الاعترافات الدولية المماثلة بالدولة الفلسطينية، خاصة الأوروبية، دليل على أن “السياسة الحالية لهذه الحكومة المتطرفة التي تضم غلاة المتطرفين، لم تعد مقبولة من المجتمع الدولي الرسمي والرأي العام الغربي”.
