الدار/تحليل
منذ أن أعلن النظام الجزائري عن تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة في شتنبر المقبل، دخلت ماكينة الأكاذيب والدعاية الجزائرية مرحلة السرعة القصوى. في ظرف وجيز لا يقل عن بضعة أسابيع أطلق الرئيس المرشح لعهدة ثانية سلسلة من الأكاذيب التي شملت مجالات عديدة فشل النظام في تحقيق وعوده السابقة فيها. أطلق كذبة المزرعة التي تتجاوز مساحتها 100 ألف هكتار لإنتاج مسحوق الحليب، وأتبعها بكذبة دخول محطة تحلية المياه في الجزائر العاصمة حيز العمل بينما ما تزال في طور الإنجاز، ثم ختمها النظام الجزائري هذه الأيام بكذبة تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح والمرتبة الأولى من حيث الإنتاج على الصعيد الإفريقي.
هذه الأكاذيب ليست اعتباطية أو عبثية، بل هي محاولة واضحة لتحقيق الوعود التي فشل فيها هذا النظام ولو بالدعاية والبروباغندا في أفق الإعلان الرسمي لترشيح الرئيس الحالي لعهدة ثانية وإطلاق حملة انتخابية رسمية. ما نتابعه اليوم من تصريحات وإعلانات تصدر عن هذه النظام كلّها جزء من حملة انتخابية سابقة لأوانها بدأها الجناح المؤيد لاستمرار عبد المجيد تبون رئيسا دمية في يد العسكر. وبما أننا في موسم الحصاد لم يجد هذا النظام دعاية مناسبة للمرحلة أفضل من الترويج لأكذوبة تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب والاستعانة بالذكاء الاصطناعي في تصوير مقاطع فيديو تظهر حجم الإنتاج وقوافل الآليات المستخدمة في العملية.
إذا كانت الجزائر قد حقّقت هذا الاكتفاء الذاتي وحطمت هذه الأرقام القياسية المزعومة في إنتاج الحبوب، فلماذا أطلق الديوان الجزائري المهني للحبوب طلب عروض دولي لاستيراد أكثر من 200 ألف طن من القمح وفقاً لما أوردته وكالة الأنباء العالمية رويترز؟ الحاجة إلى الكذب في هذا الموضوع على وجه التحديد قوية لدى النظام الجزائري لأنّ الحصيلة التي حقّقها الرئيس الحالي صفرية تماما. حرصه الشديد هذه الأيام على إطلاق الدعايات حول المنتجات الجزائرية المحلية في الزيت والسكر وصناعة الغسالات والثلاجات وأجهزة التلفاز كلّها محاولة يائسة لصنع إنجاز وهمي يغطي دوائر الفشل المتّسعة. لكن المشكلة التي يواجهها الرئيس الجزائري اليوم هو أنّ هناك أجنحة أخرى تنافسه ولا تسمح له بترويج أكاذيبه دون فضح.
عندما يطلق الرئيس الجزائري مثلا أكذوبة تحقيق نسبة اندماج تصل إلى 60 في المائة على مستوى تصنيع السيارات، يكذّبه وزيره في الصناعة الذي يكشف أن النسبة أقل من ذلك بكثير، وأن مصانع الجزائر تنتج 3 سيارات في الساعة الواحدة، وهذا يعني أن هذه المصانع إذا كانت تعمل طوال اليوم والأسبوع دون توقف فإنها ستنتج 26 ألف سيارة في السنة، بينما تصل الطاقة الإنتاجية لمصانع المغرب أكثر من 900 ألف سيارة في السنة. وعندما يعلن النظام التابع للواء السعيد شنقريحة تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب والتوجه نحو التصدير يعلن الديوان المهني للحبوب عن إطلاق طلب العروض الخاص بالاستيراد.
من المتوقع أن تزداد وتيرة الكذب أكثر فأكثر كلّما اقتربنا من موعد الانتخابات. وقد تشهد فترة الحملة الانتخابية إطلاق المزيد من المشاريع الوهمية في مختلف الولايات الجزائرية على غرار ما حدث في الحملة الانتخابية التي شهدتها البلاد في سنة 2019 عندما وعد الرئيس الحالي سكان الجنوب الجزائري بوصول القطار إلى تامنراست. ما يزال سكان تامنراست ينتظرون وصول القطار بينما أطلق النظام جيلا جديدا من الأكاذيب والوعود التي كان من أكثرها إثارة للضحك حديث الرئيس الجزائري في التلفزيون الجزائري عن خطته لرفع قيمة الدينار الجزائري مقابل الدولار. وعندما سئل عن كيفية تحقيق هذا الهدف بلع لسانه ولم يستطع أن يجيب عن سؤال من المفترض أن يتوقعه ويعدّ له عدّته.