لم تكن آراء ومواقف الخبراء متوافقة فيما بينها حول “تمكن الاتفاق الاجتماعي الذي وقعته بعض النقابات المركزية والمنظمات والجمعيات المهنية للشغالين مع الحكومة من فك شفرة الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الطبقة العاملة بالمغرب”، إذ عرفت هذه المبادرة الحكومية التي أتت تزامنا مع العيد الأممي للشغل وجهات نظر متباينة بشأنها تجعل التنظيمات النقابية تبحث في قادم الحوارات عن مكتسبات جديدة ومرضية.
وخلقت الزيادات المالية انقسامات بين المراقبين الاقتصاديين، إذ ترى فئة أن هذه “الزيادة من شأنها أن تفك الحصار على الشغيلة وتساعد على مواجهة تحديات التي أفرزتها ظاهرة التضخم من غلاء في الأسعار”، بينما اعتبر البعض الآخر أن هذه الزيادات المقررة في الأجور هي فقط “محاولة لاستدراك ما فات”، مؤكدين أن “رفع الأجور يؤدي بدوره إلى رفع الأسعار بسبب رفع الطلب الداخلي”.
زيادات مهمة
في هذا الإطار، قال عبد النبي أبو العرب، الخبير الاقتصادي، إن “هذه الإجراءات المالية مهمة من أجل الرفع من المستوى المعيشي للمواطنين، لأن رفع الأجور في القطاع العام والخاص سيساهم في خفض الضغط على الطبقة الهشة والمتوسطة فيما يتعلق بمواجهة آثار التضخم الذي يعيشه العالم بأكمله”.
وأضاف أبو العرب، في تصريح لـ”الأيام 24″، أن “هذه الأجور ستنضاف إلى استهلاك الأسر وهو ما سيدفع بعجلة الاقتصاد”، مشيراً إلى أن “الانفاق الأسري هو طلب موجه إلى السوق الداخلية وهو ما سيمكن هذه الشركات الرفع من انتاجاتها الأمر الذي يمكن ترجمته كزيادة في نسب النمو”.
وتابع المتحدث عينه أن “الزيادة في الأجور ستساهم في رفع الضيق قليلا عن الطبقة الشغيلة سواء في القطاع العام والخاص الأمر الذي سيقابله خفض في نسب الضريبة على الدخل في حدود ما بين 150 و450 درهما”.
وأردف الخبير الاقتصادي أن “التضخم أصبح معطا هيكليا في السوق الوطنية، وبالتالي كان لابد من دعم هذه الأسر”، مؤكدا أن “هذا التضخم أثر على القدرة الشرائية للمواطنين المغاربة بشكل كبير وخاصة في الآونة الأخيرة”.
“المغرب يعرف من ناحية النفقات الاجتماعية تطورا كبيرا وذلك نتيجة تابعات زلزال الحوز والتغطية الاجتماعية وكذلك الرفع من أجور الأساتذة حيث ستصل إلى 20 مليار درهم، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل حول موارد الدولة الإضافية التي سيجعلها تواجه كل هذه النفقات الاجتماعية”، يقول المتحدث.
عبء الأزمات
من جهته، يرى رشيد أوراز، الخبير الاقتصادي، أن “ثقل الأزمات المتعاقبة على البلد منذ 2020 ثقيلة جدا. وأفرزت معدلات تضخم كبيرة، مما أثر بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطنين وعلى دخلهم الحقيقي”.
وأضاف أوراز، في تصريح لـ”الأيام 24″، أن هذا “يعني ذلك أيضا الموظفين والأجراء الذين تضرروا من هذه الأزمات المتعاقبة، ولا شك أن رفع أجور بعض الفئات قد يفيد، لكن على العموم يجب فعل أكثر من ذلك، من قبيل تحسين جودة الخدمات الاجتماعية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية والنقل العمومي والولوج إلى السكن بأسعار معقولة والسماح بتنافسية اقتصادية لتتراجع الأسعار أو تبقى مستقرة على المدى الطويل”.
وفي جوابه على سؤال هل يحمل الاتفاق الاجتماعي مقومات وأبعاد بعيدة المدى، قال الخبير الاقتصادي: “لا أظن ذلك، هذا النوع من السياسات التي تستهدف تحسين الأجور غالبا ما تكون محاولة لاستدراك ما فات؛ فنحن نتحدث عن سياق ما بعد أزمة تضخمية شديدة ارتفع فيها متوسط الأسعار بشكل كبير، أو تؤدي لرفع الأجور ما يؤدي بدوره إلى رفع الأسعار بسبب رفع الطلب الداخلي”.
مضيفا أنه “في غياب تحسن في الانتاجية وتقوية العرض فما سينتج عن هذه السياسات هو رفع للأسعار أو تآكل القيمة الحقيقية لرفع الأجور مع مرور الوقت”.
