ربما لم يكن يدور في خلد مهندس النموذج التنموي الجديد، شكيب بنموسى، وهو يحضر المرسوم رقم 2.23.819 المتعلق بالنظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية، أنه قد يتسبب في واحدة من أكثر الأزمات حدة التي يعبرها قطاع التعليم بالمملكة منذ عقود، قياسا بالرفض واسع النطاق لمضامينه وبما أثاره من لغط دفع الأساتذة إلى خوض إضرابات واحتجاجات في الشوارع تحول إلى احتقان حقيقي امتد ليصل حتى آباء وأمهات وأولياء التلاميذ الذين باتوا يضعون أياديهم على قلوبهم خشية سنة بيضاء في ظل الشلل العام الذي يطاول المؤسسات التعليمية العمومية.
النظام الأساسي الجديد الذي أعده شكيب بنموسى وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، يتضمن 98 مادة تحدد هيئات ومهام ومسؤوليات وتعويضات “الموارد البشرية”، علاوة على العقوبات التأديبية، وينطبق عليه المثل الدارج “من الخيمة خرج مايل”، فقد جاء على هيئة مرسوم وليس مشروع قانون، ففي الحالة الثانية يفترض أن يخضع إلى مسطرة تشريع غالبا ما تأخذ وقتا طويلا قبل أن يصبح ساري المفعول، وقد صادق عليه المجلس الحكومي يوم الأربعاء 27 شتنبر الفائت، أي يوما واحدا قبل عطلة المولد النبوي، ما يعني أن رغبة كانت لدى الحكومة لتمريره بشكل ممنهج وسريع ودون إحداث أي قلاقل.
وفيما يُواجه سفير المغرب سابقا بفرنسا منتقدي النظام الأساسي الذي دخل حيز التنفيذ في فاتح شتنبر الفارط بأن سنه تم بإشراك النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية، عبر إحداث لجنة عليا برئاسته وعضوية الكتاب العامين للنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية التي عقدت ستة اجتماعات، مع تشكيل لجنة تقنية مشتركة بين الإدارة وهذه النقابات عقدت بدورها أربعة وعشرين اجتماعا؛ تبرأت المركزيات منه وقادت احتجاجات حاشدة، كانت آخرها المسيرة التي جابت وسط العاصمة الرباط، والتي تعتبر بمثابة استفتاء حول مصيره.
وتطرح هذه الورطة خيارات محدودة أمام وزير الداخلية الأسبق الذي حملته انتخابات 08 شتنبر إلى الاستوزار في حكومة حزب التجمع الوطني للأحرار بقيادة عزيز أخنوش، بلون “الحمامة” بعدما التحق به عقب الإعلان عن تشكيلتها، خصوصا وأن سلاح الاقتطاعات من أجور المضربين عن العمل الذي أشهره في وجههم لم يأت أكله ولم يعدهم إلى حجرات الدرس، بل ربما كان له مفعولا عكسيا بتعميق الأزمة أمام استماتة الأساتذة المصرين على إسقاط النظام الأساسي.
المخرج من الورطة
تكاد تنحصر المخارج الممكنة لإنقاذ الموسم الدراسي، في واحدة فقط وهي التراجع عن المرسوم الحالي بآخر مماثل. وحول إمكانية اللجوء إلى هذا السيناريو، يوضح عبد الحفيظ أدمينو، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن “هناك قاعدة في العمل القانوني تسمى مبدأ توالي الشكليات”، مبرزا أنه “بما أن الأمر يتعلق بنظام أساسي جاء عبر مرسوم، فلا يمكن تعديله أو مراجعته أو سحبه إلا عن طريق رئيس الحكومة بمقتضى مرسوم آخر خاصة أنه نشر وأصبح حيز التنفيذ”.
وأشار أدمينو في حديث مع “الأيام 24” إلى أنه في حال اقتنعت الحكومة بمشروعية ما تطالب به الشغيلة التعليمية، فإن القانون يفرض على الوزير المعني تهييء مرسوم جديد ينسخ وتسري عليه نفس المسطرة التي مر منها الأول، أي إعداده وإحالته على المجلس الحكومي للتداول فيه ثم المصادقة عليه ودخوله حيز التنفيذ.
النقطة التي أفاضت الكأس
يرى عبد الوهاب السحيمي عضو اللجنة الوطنية للتنسيق الوطني لقطاع التعليم، أن النظام الأساسي الذي وضع قطاعا حيويا برمته فوق فوهة الاحتجاجات، ليس سوى النقطة التي أفاضت الكأس، بالنظر إلى تراكمات عديدة يجرها الأساتذة منذ سنوات طويلة، انتهكت فيها كرامتهم وكانت للقرارات المتخبطة والاستعجالية التي سنتها الحكومات المتعاقبة تداعيات سلبية على وضعيتهم الاجتماعية. وفق تعبيره.
وأبرز السحيمي في معرض تصريح لـ”الأيام 24″، أن النظام الأساسي الجديد “يكرس الهشاشة والإقصاء والحيف”، داعيا إلى سحبه واعتماد آخر يكونا منصفا وعادلا ومحفزا لنساء ورجال التعليم الذين خرجوا أمس الثلاثاء في مسيرة حاشدة بالعاصمة الرباط لتأكيد رفضهم له.
وحول المسيرة المذكورة، يقول الفاعل التربوي عينه وهو الشاهد على معظم الاحتجاجات القطاعية منذ 2011، إنها “الأضخم على الإطلاق”، إذ بلغ عدد المشاركون فيها، بحسب تقديره، أزيد من 100 ألف، وكانت نوعية سواء على مستوى الحضور أو على مستوى طبيعة المشاركة، لافتا إلى أنها نظمت في إطار برنامج نضالي، سنه التنسيق الوطني الذي يضم 23 تنسيقية ونقابة، بالموازاة مع إضراب عن العمل من 3 أيام.
وتساءل المتحدث: ما الذي يمنع الحكومة من سحب المرسوم؟، قبل أن يتابع: “نرجو منها أن تتجاوب إيجابا مع المسيرة الاحتجاجية لأن هناك “حُكْرَة” يشعر بها كل من شارك فيها من نساء ورجال، شيوخ وشباب حجوا إلى الرباط من مختلف ربوع المملكة، بل هناك من أتى من أوسرد ومن الأقاليم الجنوبية للمملكة. وبالرغم من حضور عددي ضخم للغاية، لم يرفع أي شعار خارج مطالب نساء ورجال التعليم”.
وتابع السحيمي: “نحن في غضون اليومين القادمين سنسطر برنامجا نضاليا جديدا، لكننا نرغب في ألا نلجأ إلى الدخول في احتجاجات جديدة وأملنا أن تعمل الحكومة على التقاط الإشارات التي حملها احتجاج المحتجين، عبر إسقاط النظام الأساسي”، مشددا على أن “التعليم هو القضية الثانية بعد قضية الصحراء المغربية، وهو قطاع يهم 9 ملايين تلميذ ومئات الآلاف من الأساتذة والأطر، وبالتالي يتعين تدبيره يحكمة بعيدا عن أي مقاربة استعجالية”.
