حوارات لاهوتية
حوارات لاهوتية
في مسار الحوارات اللاهوتية التي بدأت بين الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية من أجل إزالة الفجوة التي حدثت بسبب ما قيل عنه انشقاق كنسي يمكن التنويه بحوارات أخري كنت قد أجريتها في عام 1982 مع كل من إفري دالاس بقسم اللاهوت بمعهد الدراسات الدينية بالجامعة الكاثوليكية بواشنطن والآخر هو دانيل مارتنسن المدير الخامس لجبهة الائتلاف بين التعاليم اللاهوتية في جميع كليات اللاهوت الكاثوليكية والبروتستانتية بواشنطن.
أبدأ بالأول وهو إفري دالاس ابن وزير خارجية أمريكا الأسبق جون فوستر دالاس والذي كان من مؤسسي مجلس الكنائس العالمي في أغسطس 1948 بمدينة أمستردام بهولندة. وموجز نظرية هذا الوزير أن ثمة طريقين للقضاء علي الكتلة الشيوعية أحدهما سلبي والآخر إيجابي. الطريق السلبي يكمن في المعونات الاقتصادية والعسكرية والطريق الإيجابي يدور علي توحيد القوي الدينية في مختلف الأديان. ومن هنا شاع مصطلح الحركة المسكونية التي تنشد توحيد جميع الكنائس المسيحية علي الرغم من تعددها, إلا أن هذا المصطلح ينطوي علي تناقض, وهذا التناقض يتمثل في العلاقة بين عقيدة كل كنيسة من حيث هي مطلق ومن حيث قدرتها علي التنازل عن أي خلاف مع عقائد أخري الأمر الذي يدفعها إلي أن تكون نسبية. وهذا التناقض واضح عند إفري دالاس إذ هو يري أنه لا يمكن كسر القانون الإلهي أو الحق الإلهي أيا كان, ومن ثم فإذا أي نازل غير مقبول, ويكون لكل كنيسة الحق المطلق في التمسك بما تعتقد أنه أمر إلهي. وهنا أثرت معه السؤال الآتي: هل ثمة علاقة بين الفعل الإلهي والفعل الإنساني؟ وكان جوابه: ليس ثمة علاقة لأنك عندما تمطلق ما هو تاريخي, أي ما هو إنساني, فثمة انحراف. وقد حدث هذا الانحراف في نظرية الحق الإلهي للملوك. ولهذا فالفصل بين الفعلين يعني أن الكنيسة تظل تحت رعاية المعلم الإلهي, ومن هنا لا يمكن مس المقدسات, وعندئذ سألته: هل يعني ذلك أن الله لا يتدخل في التاريخ؟ أجاب: الله يتدخل في التاريخ ويتحدث إلي الكنيسة عن طريق علامات العصر, أي مظاهر العصر, فيدخل أشكالا جديدة ويحذف أشكالا أخري, وكل ذلك يعتبر أمرا إلهيا بالنسبة إلي الكنيسة. ومن هذه الزاوية يمكن القول إن القانون الإلهي قانون إنساني في آن واحد, أي مطلق ونسبي في آن واحد.
أما دانيل مارتنسن فهو علي الضد من إفري دالاس, إذ هو مهموم بالكشف عن ديناميات الحركة المسكونية في سياق الرؤية الكوكبية. ومن هنا فإنه يري أن عام 1920 هو نقطة البداية عندما اتخذت الحركة المسكونية شكل نشاط منظم يهدف إلي التوفيق بين الاختلافات العقائدية وتضميد الجراح الكامنة في التراث. وبعد ذلك العام حدثت تطورات جاء في مقدمتها اندماج الكنائس الأرثوذكسية في مجلس الكنائس العالمي مع إجراء حوار إقليمي وكوكبي. وقد حدث ذلك في مؤتمر نيودلهي في عام 1961, وقد أفضي اندماج هذه الكنائس إلي تغيير في مسار مجلس الكنائس العالمي علي مستوي العقيدة وعلي المستوي السياسي, وعندئذ سألته: هل حل الخلافات العقائدية بين جميع الكنائس يحقق آليا الوحدة المسيحية؟ أجاب بحسم: علي الإطلاق. فالمسألة ليست بالأمر الميسور, بل هي معقدة إذ تستلزم احتكاك اللاهوتيين بعلماء النفس والاجتماع والسياسة. وهنا أبديت تحفظا لأن هذا الاحتكاك معناه احتكاك المطلق بالنسبي وهو الأمر الذي قد يفضي إلي تغيير في المطلق لكي يتم الاحتكاك.