الدار-خاص
هويته مجهولة، لا أحد يعرفه على وجه اليقين غير صفوة من رجال حركة “حماس”، فيما تسعى إسرائيل وراءه منذ عقود دون جدوى، بعد أن أصبح كابوسا مؤرقا لها؛ خاصة بعد عملية “طوفان الأقصى”، التي اعادته إلى الواجهة من جديد.
اسمه الكامل محمد دياب إبراهيم المصري، ويعرف ب” محمد الضيف”، لكثرة تنقله الدائم بين منازل الفلسطينيين وحلوله ضيفا عليهم خشية الاغتيالات الإسرائيلية.
رأى محمد الضيف النور في منتصف عام انطلاق الثورة الفلسطينية سنة 1965؛ و ينحدر من أسرة فلسطينية مهجرة من بلدة القبيبة، ونشأ في مخيم خان يونس، و جاء إلى الدنيا مع أصوات الرصاصات الأولى لتحرير فلسطين، فبات مناضلا ومقاوما، فقائدا عاما لكتائب عزالدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” منذ عام 2002.
مع انطلاق عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر الجاري، لم يظهر “محمد الضيف”، لكنه ظل وفيا لصورته المعتمة تلك وصوته الهادئ والواثق، وهو يعلن إطلاق نحو 5 آلاف صاروخ برا و بحرا و جوا، طالت تل أبيب والقدس، تلاها اقتحام المقاومة مستوطنات وكيبوتسات وثكنات إسرائيلية وقتل وأسر أعداد كبيرة من الجنود والضباط.
المكانة التي يتمتع بها الرجل في أوساط حركة المقاومة الفلسطينية “حماس”، و في أوساط الفلسطينيين، جعلت اسمه يرفع في مظاهرات الفلسطينيين بالضفة والأقصى وفي الداخل الفلسطيني عام 2021، حينما رفعت الجموع أكثر الشعارات ترديدا في هذه المظاهرات : “حط السيف قبال السيف، إحنا رجال محمد ضيف”.
مكانة محمد الضيف داخل حركة حماس، دفعت الكاتب الإسرائيلي، حاييم ليفنسون، إلى التأكيد في مقال له بصحيفة هآرتس يوم 8 أكتوبر الجاري، أنه ” حتى لو عثرت إسرائيل على محمد الضيف في مخبئه وقدمته للمحاكمة فلن يكون لذلك أي معنى، إذ اكتملت الخسارة مع الصفعة الأولى”.
محمد الضيف أو “الرجل الأفعى”، كما تسميه المخابرات الإسرائيلية (الموساد) و جهاز الاستخبارات العسكرية (الشاباك)، ظل شخصية محاطة بالغموض، حيث فشلت محاولات اغتياله الخمس المعروفة، خلال 27 عاما.
فشل عزته “الموساد” إلى كون الرجل “يتمتع بقدرة غير عادية على البقاء، ويحيط به الغموض، ولديه حرص شديد على الابتعاد عن الأنظار”، حيث لا يستعمل “الضيف” الهواتف الحديثة أو الأجهزة القابلة للتتبع، وتحاط تحركاته بسرية بالغة ولا يظهر في الأماكن العامة، إلى حد أنه غاب عن جنازة والدته في يناير 2011، وربما يكون قد حضر متخفيا دون أن يلفت الانتباه ليلقي النظرة الأخيرة عليها.
الظروف الأسرية الصعبة دفعت محمد الضيف إلى مغادرة مقاعد التعليم مؤقتا والعمل في مجالات عدة، ليعود لاحقا إلى الجامعة الإسلامية في غزة، حيث بات ناشطا طلابيا في التيار الإسلامي.
عام 1987 سيشكل نقطة تحول في مسار محمد الضيف، حيث انتمى إلى حركة حماس، كما كان في حياته الجامعية مولعا بالمسرح وأسس فرقة “العائدون”، ولعب أدوارا مسرحية ضمنها، وفي منتصف عام 1988حصل على درجة البكالوريوس في العلوم.
سيذوق محمد الضيف، مرارة السجن، أول مرة عام 1989، بعد أن اعتقلته إسرائيل لمدة سنة ونصف بتهمة النشاط العسكري مع حركة حماس، وكانت تجربة السجن بداية عمله العسكري الفعلي في صلب كتائب الشهيد عز الدين القسام التي كانت قد برزت على الساحة الوطنية الفلسطينية.
طيلة مساره النضالي مع حركة حماس، نجا محمد الضيف بأعجوبة من محاولات اغتيال، كان آخرها عام 2006؛ حين أصاب صاروخ إسرائيلي منزلا كان الضيف يجتمع فيه مع قادة من كتائب القسام، غير أن زوجته و ابنه الرضيع توفي في عام 2014 في غارة كانت تستهدفه في حي الشيخ رضوان بغزة.
محمد الضيف المصنف ضمن لوائح الإرهاب الأميركية، تحول إلى معادلة صعبة في أربع حروب خاضتها حركة المقاومة الفلسطينية “حماس” ضد إسرائيل، أعوام 2008 (معركة الفرقان) و 2012 (حجارة السجيل) و 2014 (العصف المأكول) و 2021 (سيف القدس)؛ و هي المعارك التي جعلت الرجل “كابوسا” مؤرقا لإسرائيل.