الصحافة موهبة ورسالة
الصحافة موهبة ورسالة
الصحافة هي الوجبة الفكرية والثقافية والعقلية التي يتناولها كل مواطن مع وجبة الإفطار حتي يعرف أخبار بلده والعالم والمشاكل التي يعاني منها والاكتشافات الجديدة.. إلخ.
الصحافة رسالة تنويرية وتثقيفية تهدف في المقام الأول إلي بناء المواطن الصالح الذي يعرف حقوقه ويؤدي وجباته.
الصحافة في يد الكاتب الصحفي العظيم ترتفع إلي مقام الأدب, بحيث تهدف في أخبارها ومقالاتها وسائر وسائلها إلي الإنسانية فلا تدعو إلي البغض, ولا تقول بتعصب عنصري أو ديني, ولا تغري القراء بمخاطبة غرائزهم السفلي. وكما يقول كاتبنا الصحفي الكبير سلامة موسي في كتابه الصحافة حرفة ورسالة, فهي حرفة من حيث إن أصحابها ومحرريها وسائر موظفيها وعمالها ينشدون منها الكسب أو الأجر كي يعيشوا, لكنها أيضا رسالة, لها شرف الرسالة وواجب التضحية وشهامة الإنسانية والوطنية, من هنا فإن الصحافة ليست مهنة من لا مهنة له, أو من يريد العظمة والغرور والمظهرة, بل هي مهنة المعاناة والبحث عن المتاعب, لأن الصحفي الحقيقي إنسان محب لبلده وشعبه والإنسانية يستخدم موهبته الصحفية في الكتابة والبحث عن مشاكل مجتمعه ومتاعب الناس ليدرسها ويقدم لنا الحلول, هو إنسان محب للخدمة العامة يبذل نفسه ووقته.
وما له في سبيل راحة الناس وسعادة مجتمعه, وهو يعلم أن الكلمة الطيبة صدقة, والكلمة الشريرة سيئة سيحاسب عليها في يوم ما, وأن القلم في يده كالمسدس في يد الجندي المدافع عن بلده وشرفه, بل إن القلم أخطر من المسدس, فالقلم يحرك الملايين والمسدس يقتل العشرات وحسب, ومن الكلمات الرائعات التي قالها سلامة موسي:
الصحفي الذي لا يبحث في قاع مجتمعه عن مشاكل الناس ومعاناتهم ويحاول إيجاد حلول لها ليتقدم هذا المجتمع لا يساوي ثمن القلم الذي يكتب به.
وتأتي حرية الصحافة لتساعد الصحفي علي تحقيق هدفه وخدمة الجماهير وكشف الفساد, والدفاع عن المظلومين, وتشجيع المرأة علي التحرر والعمل والحصول علي مكانتها اللائقة بها, وتحقيق السلام الاجتماعي, ودعوة الناس إلي الإيمان الحقيقي دون تعصب للون أو لغة أو جنس أو دين. وعلي الرغم من كفاح الصحافة والصحفيين من أجل حرية الصحافة التي هي بمثابة الماء والهواء للإنسان إلا أن البعض وهم قلة والحمد لله, استغلوا هذه الحرية في نشر أخبار أقل ما يقال عنها إنها تافهة ونشروا صورا فاضحة يعاقب عليها القانون, فهناك قانون يحكم العمل الصحفي, وهناك نقابة للصحفيين تعمل علي الارتقاء بالمهنة وتحافظ علي احترام ومهابة الصحفي وتشترط عدة شروط في الاعتراف بالصحفي أو منحه شرف عضويتها, وأهمها حسن السير والسلوك, والسمعة الطيبة, والقدرة علي العمل, ومن شروط الكتابة في الصحف أن يكون الكاتب عضوا في النقابة, أي أنه لا يسمح لأي فرد أن يكتب في الصحف والمجلات أخبارا أو تعليقات أو موضوعات بإمضائه باسمه, إلا إذا كان عضوا في نقابة الصحفيين, لكن وللأسف, وجدنا دخلاء علي مهنة الصحافة, تنشر الصحف لهم وبأسمائهم موضوعات وآراء, بل وأبواب ثابتة وهم غير أعضاء في النقابة, يحدث هذا علي مائدة الصحف وأمام المسئولين دون أن يتحركوا ويمنعوا هذه الجريمة التي يجرمها قانون النقابة, وهم بذلك يأخذون حق أعضاء النقابة في العمل, والسؤال الذي يفرض نفسه: لماذا تسمح نقابة الصحفيين لكل من هب ودب أن يكتب في الصحف باسمه وتوقيعه دون أن يكون عضوا بها؟
وقد نتج عن ذلك بالطبع أن وجدنا بعضا ليس له صلة بالصحافة أو الكتابة يقتحم العمل الصحفي دون أن تتوافر فيه الشروط.. وقد يقول البعض إن أعضاء النقابة أحيانا يرتكبون من الأخطاء الكثير, وهذا يحدث فعلا, ولكن النقابة في هذه الحال يمكن أن يكون لها موقف منهم, والسؤال ما هو موقفها من الذي يكتب دون أن يكون عضوا بها؟
إذا كنا ننادي بحرية الصحافة ونعمل من أجلها, ونتمتع بها ونسعد بأننا نعمل في محراب صحابة الجلالة, إلا أن حرية الصحافة لا تعني قلة الأدب, أو نشر صور جنسية, أو تصوير الفضائح والتدخل في حياة الناس الخاصة, أو ضرب السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية, أو التلفظ بألفاظ غير مهذبة وسب المسئولين وغيرهم, فالصحافة في أساسها رسالة وتربية وارتقاء بقارئها.
وقد تعرضت بعض صحف المعارضة الصفراء إلي كبار المسئولين وهاجمتهم وأساءت إلي أشخاصهم, وقضت المحكمة بعقابهم, ولكن بعد الإساءة الكبيرة وقلة الأدب المتناهية, من هنا نقول إن العمل الصحفي يحتاج إلي تنظيم, فلا يسمح لأي إنسان أن يكتب في الصحافة دون أن يكون عضوا بنقابة الصحفيين, ولا يسمح لأي فرد أن يكون عضوا بالنقابة إلا إذا كان موهوبا لديه استعداد للعمل الصحفي المرهق, وعلي قدر كبير من الأخلاق, والوعي بشئون بلاده ومشاكلها وتكون شخصيته سوية غير مريضة, وكذلك محبا للعمل العام بعامة والصحفي بخاصة.
الثقافة ضرورية للصحفي, وماذا أقول بعد ذلك؟ إن الواقع يعرفنا بأنه في الزمن الجميل كان يعقد امتحان كشف هيئة للصحفي حتي يكون مظهره مقبولا في المجتمع وأمام المسئولين والأجانب.
عن شرف المهنة ومصداقيتها يقول الدكتور نبيل راغب في كتابه أساسيات العمل الصحفي:
نصت معظم دساتير العالم علي حرية التعبير, وإبداء الرأي, وهي الحرية التي تعتبر مرادفا لحرية الصحافة, إذا فقدتها, فإنها تفقد دورها ورسالتها تماما, لكنها حرية مقننة حتي لا تتحول إلي فوضي أو سيف للقذف والتشهير بالآخرين, فلا حرية دون مسئولية, مما يحتم علي كل المحررين أو المسئولين عن النشر الصحفي أن يكونوا علي دراية بأساليب التعبير والصياغة, التي تجنبهم الوقوع في المناطق المحرمة التي يمكن أن تجلب لهم من المتاعب ماهم في غني عنه, فالقانون يجرم كل أساليب القذف في حق الآخرين وتشويه سمعتهم وصورهم والتشهير بهم, وهو لا يشكل قيدا علي حرية الصحافة بقدر ما ينظمها ويقننها, بحيث تمارس فعاليتها دون أن تدخل في متاهات جانبية أو طرق مسدودة أو دوائر مفرغة أو مشكلات أو متاعب من شأنها الانحراف برسالة الصحافة عن هدفها الاستراتيجي..
الصحفي الحقيقي يعرف مسئوليته الكاملة ودوره الخطير في المجتمع, وهو يختار كل كلمة يكتبها بدقة تماما مثل بائع الذهب, كل كلمة لها وزن وعيار وثمن, وعليه أن يختار الكلمة البسيطة المعبرة الجميلة التي يفهمها الناس, والتي لا تقبل معنيين, كذلك فإن الصحفي الموهوب المتمرس يعرف كيف يختار عنوان موضوعه, وقد علمنا أستاذنا الكبير جلال الحمامصي من خلال كتابه الصحيفة المثالية كيف نختار العنوان قليل الكلمات المعبر عن الموضوع المفهوم من الجميع غير المبالغ فيه, حتي نستطيع أن نصل إلي عقل وقلب القارئ ونشجعه علي القراءة.
إن الحديث عن الصحافة حديث ذو شجون, وبخاصة بعد الأخطاء والجرائم التي ارتكبها البعض باسم الصحافة, ومع ذلك فالصحافة المصرية ستظل شامخة برسالتها ورجالها وكل العاملين بها, وتبقي المسئولية الكاملة علي عاتق نقابة الصحفيين التي هي أهل لها.
