في كتابه "الرحلة الحجازية".. لولي النعم الحاج عباس حلمي باشا الثاني خديو مصر، والصادر لأول مرة عام 1938، وقررته نظارة المعارف العمومية وزارة التعليم الحالية ككتاب للمطالعة في المدارس يروي الكاتب محمد لبيب البتانوني، قصة المحمل.

وعلي عكس ما يذهب إليه المؤرخين من أن تاريخ المحمل يبدأ من العام 645 هجرية، إلا أن "البتانوني"، يري أنها بدأت قبل الإسلام، مشيرا إلي: المحمل قديم جدا وربما كان قبل الإسلام، وكان يطلق علي الجمل الذي يحمل كسوة الكعبة، وقد سير الرسول محملا إلي مكة بهداياه إلي البيت المعظم.ومن ذلك ما نراه في التوايخ من اسم المحمل العراقي، والمحمل اليمني وما نشاهده الآن من محمل ابن الرشيد ومحمل ابن سعود ومحمل ابن دينار، وكل ذلك ليس إلا جمالا تحمل صرتهم إلي الحرمين مغطاة بقطعة بسيطة من الجوخ. 

وكذلك محمل النظام ملك حيدر آباد بالهند يأتي مكة مع الحاجين من بلاده حاملا هداياه إلي أهل الحرمين الشريفين. ولقد جاء في الكلام علي دارفور في تاريخ السودان لنعوم بك شقير تحت عنوان صرة الحرمين ما نصه: "وكانت سلطنة الفور مستقلة عن دول الأرض كلها لا تدفع جزية لأحد ما عدا الحرمين الشريفين فأنها كانت تخدمهما بمحمل وصرة  كل سنة فكان موكب المحمل يأتي إلي مصر ومعه الريش والصمغ وغيرهما من خيرات البلاد فيبيعها ويتم تثمينها نقود الصرة ثم يستطرد الحج إلي الحرمين مع الموكب المصري.

ــ محمل شجرة الدر للكعبة

يمضي “البتانوني” في روايته لقصة تاريخ المحمل لافتا إلي: ومحمل “شجرة الدر” كان يسير أمامها حاملا الهدايا التي أخدتها معها للبيت المكرم في هودج مزين بأبهي زينة وغاية ما هناك أنها عنيت به ورتبت له كثيرا من الخدم والحشم. ومن ثم صار عادة تقوم بها ملوك مصر كل سنة، ومازالوا يبالغون في زينته من سنة لأخري حتي صارت كسوته بحيث لا يستطيع الجمل حمل غيرها معها، (وكسوة المحمل الحالية مع هيكله الخشبي لا تقل عن 14 قنطارا) وصار ما كان يحمل عليه من الهدايا يحمل في صناديق علي جمال أخري تسير مع الحملة.

ــ موكب المحمل المصري 

يضيف “البتانوني”:يعمل للمحمل يوم خروجه من مصر احتفال كبير من أيام الدولة الأيوبية. وهذا الاحتفال الآن له يوم مشهود بالقاهرة، تمشي فيه الجنود الراكبة والبيادة وحرس المحمل وركبه وخدمته من ضوية وعكامة يتقدمهم أمير الحج الذي يعينه الجناب العالي الخديوي سنويا، وهو من الباشوات العسكريين في الغالب، وبعد أن يدور المحمل دورته المعتادة في ميدان القلعة يمر علي المصطبة، وهو المكان المعد لجلوس الجناب العالي الخديوي يوم هذا الاحتفال ومعه رجال حكومته السنية من الوزراء الفخام  والعلماء والأعلام وكبار ذوات العاصمة، وهنالك يأتي حضرة مأمور الكسوة الشريفة وبيده زمام جمل المحمل فيتسلمه الجناب العالي منه ويسلمه إلي أمير الحج، وعندها تضرب المدافع ويسير الموكب تتقدمه أشاير السادة الصوفية ثم الجنود ثم جمل المحمل يتقدمه أمير الحج، ويتلوه المحاملي والجمالة ثم الفريحية (الطبالون) علي جمالهم . 

ويستمر هذا الموكب سائرا إلي المحجر فالدرب الأحمر، ويمر من بوابة المؤيد فالغورية فالنحاسين فباب النصر فالعباسية.

وهناك يتفرق الموكب وينزل ركب  المحمل إلي خيامهم التي ضربت لهم في فضاء العباسية، وينصب المحمل في وسط ساحتها ليزوره من يريد التبرك به حتي إذا كان يوم السفر إلي السويس نقلوه مع أدواتهم وذخائرهم إلي وابور المحمل الذي يكون مهيأ في محطة العباسية، وبعد الشحنة يسير إلي السويس ومنها يبحر إلي  جدة، ثم يقصد مكة برا.