كان الرئيس هربرت هوفر بعيد النظر بما يكفي لكي يفهم أن حكومة الولايات المتحدة يمكنها أن تساعد على نشر المعرفة الهندسية والإدارية والتنظيمية في مختلف قطاعات الاقتصاد.
يقودنا هذا إلى مسألة المصلحة. كل هذه الشخصيات كانت قادرة على إدراك حقيقة مفادها أنه حتى المجتمع الأشد فردانية يحتاج إلى درجة ما من التضامن الاجتماعي. وكما لاحظ ألكسيس دي توكفيل، فإن "مصلحة الأميركيين الذاتية، كما تفهم على الوجه الصحيح، تستند إلى مبدأ مفاده أن رخاء الفرد يكون مضمونا على أفضل وجه إذا كان محاطا بجيران مستقلين ومزدهرين. علاوة على ذلك، تعلم الجميع من التهديد الذي يفرضه الحكم الشمولي أن المجتمعات الصالحة هشة. في ذلك الوقت، كان قليلون يجرؤون على تعريض مصالحهم للخطر من خلال دفع المؤسسات والأعراف إلى نقطة الانهيار، حتى تتسنى لهم محاولة الاستيلاء على قطعة أكبر من الكعكة السياسية والاقتصادية بعدئذ.
باختصار، أدرك الجميع الحاجة إلى أدوات لتصحيح السياسات وتصويبها. لم يكن حتى الأثرياء في أميركا يستفيدون من التفاوت الشديد في الدخل والثروة في العصر المذهب.
سيقول المتشائمون إن التاريخ من غير المرجح أن يتكرر أو حتى يتناغم في هذه الحالة. فالجمهوريون اليوم ليسوا كمثل الجمهوريين قبل قرن من الزمن. حتى إن أرستقراطيا يفترض أنه معتدل، مثل ميت رومني، لم يترفع عن وصف 47 في المائة من إخوانه الأميركيين بأنهم ضحايا باختيارهم "يظنون أن لهم حق الحصول على الرعاية الصحية، والغذاء، والسكن، وكل ما إلى ذلك". وكما رأى الأمر عندما كان يخوض سباق الرئاسة في 2012، "وظيفتي ليست الاهتمام بهؤلاء الناس. فلن أقنعهم أبدا بأنهم ينبغي لهم أن يتحملوا المسؤولية الشخصية وأن يرعوا أمور حياتهم".
كان ذلك قبل أكثر من عشرة أعوام. اليوم، يذهب زملاء رومني إلى ما هو أبعد من هذا، فيشجبون كل شيء من "غوغاء الواعين" و"شركات التكنولوجيا الضخمة.. الشركات التي باعتنا للصين" إلى تفويضات اللقاح "الفصل العنصري في العصر الحديث" والجهود المبذولة لتعليم الأميركيين أن بلدهم على الرغم من كونه عظيما، فإنه ليس خيرا دائما.
قسم كبير من كل هذا قد يكون مجرد صخب لإرضاء قاعدة ناشطة. ينبغي لنا أن نتذكر هنا أنه عندما أجرى الجمهوريون اقتراعا سريا في 2021 حول ما إذا كان من الواجب الإبقاء على النائبة ليز تشيني في منصب رئيس المؤتمر الجمهوري في مجلس النواب، صـوت 145 عضوا لمصلحتها، مقابل 61 عضوا فقط صوتوا ضدها. على نحو مماثل، صـوت 17 عضوا جمهوريا في مجلس الشيوخ لمصلحة إقرار خطة البنية الأساسية التي تقدم بها الرئيس الأميريكي جو بايدن في 2021، وصوت الجمهوريون في مجلس النواب للتو 149 مقابل 71 لمصلحة اتفاق سقف الديون الذي تفاوض عليه بايدن ورئيس مجلس النواب كيفين مكارثي.
كان الفرار من العصر المذهب الأصلي عملية طويلة، امتدت من العصر التقدمي في أوائل القرن الـ20 إلى الصفقة الجديدة في ثلاثينيات القرن الـ20. وسيكون طريق الخروج من العصر المذهب الثاني طويلا أيضا، وهناك من الأسباب ما يدعونا إلى الأمل في أنه سيبنى حقا.
*نقلا عن صحيفة "الاقتصادية".