“عايزة ورد يا إبراهيم” عبارة يسرية “هند صبري” التي قالتها لزوجها ابراهيم “خالد صالح” في فيلم أحلى الأوقات، ومن وقتها أصبحت عبارة شهيرة تداولها الألسن كتبير فكاهي، ولكن مقصود فى كثير من الأحيان، عن حاجة المرأة للعاطفة والاهتمام. ومن ناحية أخرى، دخلت هذه العبارة دائرة الجدل الخاص بطبيعة النساء والرجال، وبدت وكأنها المقابل الأيديولوجى لعبارة أخرى شهيرة وهى “إمرأة قوية مستقلة”، فنجد من ينحاز لمطلب الورد باعتبار أن المرأة من حيث طبيعتها الأنثوية تحتاج للحنان والاهتمام أو بمعنى عامى “الدلع”، وبالمقابل هناك من ينحاز لنموذج المرأة المستقلة والقوية، أى التى تمتلك أو تسعى لامتلاك مصيرها والتحرر من السيطرة الذكورية، وبين هذا وذاك هناك من لا يرى تناقضا بينهما فالاحتاج للحنان لا يتناقض مع كون المرأة مستقلة وقوية.

على أى حال فإن العبارة فى انشارها باتت تؤدى وظائف متعددة سواء فى التعبير عن جانب إنسانى تلقائى فى العلاقات بين الجنسين، أو فى تأكيد الصورة النمطية للذكورة والأنوثة والتى تختزل النساء داخل القوالب العاطفية، فضلا عن وظائف أخرى مثل الاستخدام للتسويق للهدايا وفى مواسم عيد الحب. ولو افترضنا أن الاحتياج للورد مطلب انسانى مشروع سواء كانت المرأة عاطفية أو قوية ومستقلة، أو كل هذا مجتمعا، ففى هذه الحالة لن يكون الورد هو الموضوع الذى ينبغى التركيز عليه، وإنما عملية تعميم مطلب “يسرية” الخاص، فالعبارة عندما تتداولها الألسن يتم انتزاعها من سياقها وتصبح عبارة عامة ومطلقة، وهكذا يتحول مانح الورد “ابراهيم” من شخص محدد إلى الرجل فى المطلق، تماما مثلما أصبحت “يسرية” إمرأة فى المطلق.

فى الحقيقة أننا لو نظرنا إلى ابراهيم كرجل محدد ويسرية كإمرأة محددة فى اطار علاقة خاصة محددة، سيتم وضع الأمر فى سياقه وخصوصيته، فقد يكون مشروعا فى العلاقات الخاصة طلب الاهتمام بأى شكل من الأشكال، أو حتى عدم طلبه، أو طلبه فى ظروف معينة. إنها مسألة خاصة تخضع لشروط العلاقة وخصوصيتها. أما الانتقال من الخاص للعام، والذى يعنى التعميم، فهو كالعادة يحول الموضوع من مسألة خاصة متعينة إلى مسألة ثقافة وطبيعة، وكأن كل إمرأة هى يسرية وكل رجل هو ابراهيم والورد، ليس مجرد هدية، ولكن أداة دالة على تقسيم الأدوار بين الرجال والنساء. فالنساء فى حاجة للتدليل والدلع، بحكم طبيعتهن، وعلى الرجال الاستجابة لهذه الطبيعة الأنثوية بالمنح والعناية والاهتمام. وهكذا يتم اختزال المرأة، كل إمرأة، فى هذا النمط من الاحتياج، واختزال الرجل، كل رجل، فى هذا النمط من المنح أوالعطاء. وربما تتسع دلالات العبارة ليختفى الرجل المحدد وتبقى صورة مانح الورد، وتختفى المرأة المحددة، وتبقى صورة المرأة المحرومة عاطفيا والتى تحتاج للورد لتشفى.

إن المشكلة فى تصور العلاقة بين الرجال والنساء هو التعميم، وعدم الفصل بين العام والخاص، أى بين طبيعة ومتطلبات العلاقات الخاصة من ناحية، ووضع النساء والرجال فى الحياة العامة من ناحية أخرى. فمن المؤكد أن المرأة لا تنتظر من كل رجل أن يلعب دور ابراهيم، كما لا ينبغى على كل رجل، أن يتوقع من كل إمرأة أن تلعب دور يسرية وتنتظر منه الاهتمام والورود. أما محبى فكرة فطرة النساء وفطرة الرجال، فلديهم رغبة دائمة فى الخلط بين العام والخاص، وهذا الخلط يفتح أبوابا لسوء الفهم من ناحية، وللتمييز والإقصاء من ناحية أخرى. فعندما نتحدث عن الحياة الخاصة فإننا نتحدث عن علاقات بالأساس، أما عندما ندخل المجال فإننا نتحدث عن معاملات بالأساس، معاملات ينبغى أن تحكمها قواعد ومعايير عامة ومجردة، وحتى إهداء الورود فى المجال العام، إن وجد، فمن المفترض أن تحكمه قواعد سلوك.

والخلاصة، من حق أى شخص أن ينتظر الورد والاهتمام من شريكه فى الحياة الخاصة، كما أنه من حق أى شخص، رجل أو إمرأة، أن ينتظر حقوقا متكافئة فى الحياة العامة، فالاحترام والانصاف والمساواة، هى ورود الحياة العامةوهى مسئولية الدولة والجميع وليس إبراهيم.