إمام جليل، سخّر حياته للعلم والعبادة، وترك خلفه إرثاً علمياً ضخماً، سار على دربه الملايين من المسلمين، فأخذ مذهباً وحده اتسم بالوسطية، والحديث هنا عن الإمام أبوعبدالله محمد بن إدريس الشافعى المطلبى القرشى، ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الشافعى فى الفقه الإسلامى، ومؤسس علم أصول الفقه، الذى تنسب له آراء فقهية وفتاوى عدة، أفادت المسلمين على مر العصور من بعده، علاوة على قضاء سنوات عديدة فى مصر، جمع خلالها تراث الأئمة وارتبط بعلاقة ود ومحبة مع أهل المحروسة، لذا جاء مسلسل «رسالة الإمام» راصداً حياة الشافعى خلال 6 سنوات عاشها داخل مصر.

الأحداث تسلط الضوء على دور الإمام فى منع القتال بين «الأحواف» وقافلة الأمير ابن موسى.. وتبرز جهده لإحياء علم الليث بن سعد

حكت أحداث المسلسل فى حلقاته الست الأولى، حياة الإمام الشافعى داخل مصر التى جاء إليها عام 198هـ - 813م، وألقى دروسه فى جامع عمرو بن العاص، ونبغ على يديه العديد من العلماء المصريين وقتها، واستعان العمل بمراجع تاريخى يلازم فريق المسلسل طوال فترة التصوير، إضافة إلى مراجعة الحلقات بشكل مستمر من قبل الأزهر الشريف، وكذلك وجود مراجع لغوى للسيناريو، لاسيما أنه يتم تقديم العمل باللغة العربية الفصحى، هذا بالإضافة إلى أن الفترة الماضية شهدت تدريب الفنانين المشاركين فى البطولة على ركوب الخيل والمبارزة بالسيف.

مكبلاً بالقيود داخل المعتقل، هكذا بدا الإمام الشافعى فى أولى حلقات المسلسل، بعد أن جرى إلقاء القبض عليه ونقله مقيداً بالسلاسل الحديدية إلى مدينة بغداد مقر الخلافة العباسية آنذاك، وذلك بعد اتهامه بتهم مزورة تتضمن دعمه للشيعة المتمردين فى اليمن، حينما كانت الخلافة فى ذلك الوقت تحت حكم هارون الرشيد، أما الإمام فكان حريصاً على قراءة القرآن داخل محبسه، لا شىء يمنعه من التقرب لله حتى وإن كان خلف قضبان.

أحداث العمل تنتقل بعد ذلك لعام 814م، الذى توجه فيه الإمام الشافعى الذى يجسد دوره النجم الفنان خالد النبوى، إلى مصر وفى طريق سفره من بغداد إلى مصر تعرضت زوجته لأزمة صحية، وتصبح غير قادرة على الحركة، وتقوم على رعايتها ابنتاها، لكن حالتها تزداد سوءاً، فيعرض الشافعى الأمر على الوالى، ويطلب منه أن يؤجل الركب حتى تقوى زوجته على الحركة، فيقرر الوالى استمرار الركب فى الرحل لأن تأخيره سيمنح المتآمرين فرصة للانقضاض عليهم، مع ترك مؤونة للشافعى وأسرته، وحين تقوى على السير يلحقون بهم إلى مصر، وهنا يشك الوالى أن الشافعى تخلف عن السير معهم إلى مصر فى مؤامرة منه مع خصومه.

يصل الإمام الشافعى إلى مصر، وتدور الأحداث فى نهاية القرن الثانى وبداية القرن الثالث الهجرى، حينما كانت الدولة المصرية تشهد تحزبات وتعصبات كبيرة للاستحواذ على السلطة، إضافة إلى ضغوط اقتصادية وتعددية مذهبية وفى ظل تلك الأجواء يصل الإمام محمد بن إدريس الشافعى، إلى مصر ليساعدها بعلمه وخبراته فى تجاوز المحنة، كما يتناول العمل استكشاف حياة الإمام وماضيه.

ووفق أحداث المسلسل، يلقى الشافعى شعراً فى حب مصر ويتغزل بها، «لَقَد أَصبَحَت نَفسى تَتوقُ إِلى مِصرِ، وَمِن دونِها أَرضُ المَهامَةِ وَالقَفرِ»، خلال أحداث الحلقة الثانية من العمل، بينما يعترض «الأحواف» قافلة الأمير عبدالله بن العباس بن موسى ابن والى مصر، وقبل أن تدور معركة بين الطرفين، يتدخل الإمام الشافعى، ليحاول منع القتال بين الفريقين، ليفترقا ويترك كل منهما الآخر.

يصل الإمام الشافعى إلى مصر برفقة جيش أمير المؤمنين قائلاً: «آن أوان اللقاء يا مصر»، واجتمع أهل مصر لاستقبال الإمام الشافعى، خاصة أبوالقاسم عبدالرحمن بن عبدالله بن عبدالحكم مؤرخ من أهل العلم بالحديث، والذى يجسد دوره الفنان جمال عبدالناصر، حيث كان على رأس المستقبلين من أهل مصر الذين رحبوا بالركب ترحيباً كبيراً.

وبمجرد أن وصل الإمام الشافعى وقبل أن يستريح، طلب من ابن عبدالحكم زيارة قبر الليث بن سعد، ولبّى ابن عبدالحكم طلب الشافعى بزيارة القبر معه وقراءة الفاتحة، وهنا يدور حوار بين الشافعى وأبى القاسم عن فضل الإمام «الليث» وخلال حديثهما عما ترك من علم.. سأل الشافعى: هل دوّن أهل مصر علم الليث أم لا؟، ليجيبه الأخير بأنّ الليث لم يترك كتباً نجمعها، ولم يدوَّن فى حياته إلا القليل، موضحاً أن كل عيون الليث محفوظة فى القلوب.

وفى الحلقة الخامسة من المسلسل، يشاهد الإمام الشافعى المخطوطات، ويذهب لمعمل كيمياء ويرى صاحبة المعمل، ويحاول أن يفهم منها كم من الوقت تستطيع أن تحفظ البرديات بالكلام الذى عليها، والتى قالت له إن مخطوطات ابن أخميم محفوظة، وذلك يعود إلى قدرة ورق البردى الذى تشتهر به مصر على ضفاف النيل على حفظ المخطوطات إذا تم اختيار الورق بعناية وكتب عليه بحبر معين.

ويقول الإمام الشافعى لأحد العلماء: «تغمدنى بنصحك فى انفرادى.. وجنبنى النصيحة فى الجماعة.. فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه.. وإن خالفتنى وعصيت قولى.. فلا تجزع إن لم تعط طاعة.. أما على المبدأ قول ربى زدنى علماً».

فريق العمل يستعين بمُراجع تاريخى ولغوى لضبط الأحداث التاريخية.. والأزهر يراجع العمل دينياً

من جانبه، حظى اختيار ملابس الرجال والنساء المُستخدمة فى المسلسل بإشادة الدكتور محمد أحمد إبراهيم، أستاذ التاريخ الإسلامى بكلية الآداب بجامعة بنى سويف، وصاحب رسالة بعنوان «تطور الملابس فى المجتمع المصرى من الفتح الإسلامى حتى نهاية العصر الفاطمى»، التى استند عليها فريق عمل مسلسل «رسالة الإمام».

وأوضح أستاذ التاريخ الإسلامى، أن الملابس جاءت مناسبة تماماً لمميزات هذه الحقبة التاريخة التى تدور فيها أحداث المسلسل وهى نهاية القرن الثانى وبداية القرن الثالث الهجرى، سواء فى تصميم الملابس أو اختيار الألوان.

مسلسل «رسالة الإمام» بطولة خالد النبوى، أروى جودة، نضال الشافعى، خالد أنور، وليد فواز، جيهان خليل، حمزة العيلى، أحمد الرافعى، سلمى أبوضيف، ونخبة من نجوم الوطن العربى، أبرزهم السوريان خالد القيش وهافال حمدى، والأردنية فرح بسيسو، والعمل سيناريو وحوار ورشة كتابة تحت إشراف المؤلف محمد هشام عبية، وإخراج السورى ليث حجو، وإنتاج الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية.