تلقت السوق النفطية دفعة إيجابية مستمرة منذ نحو أسبوعين حتى الآن بسبب تزامن عدد من العوامل الداعمة لأسعار النفط، وفي مقدمتها تخفيف قيود الجائحة في الصين، كورونا، إلى جانب إطلاق مجموعة الدول الصناعية السبع والاتحاد الأوروبي سقف الأسعار والحظر المفروض على روسيا، إضافة إلى تسجيل تحالف "أوبك +"، مستوى أقل من هدفه الإنتاجي بمقدار 2 مليون برميل يوميا.
وعلى الرغم من ذلك تستمر حالة الحذر لدى المتداولين في شراء النفط الخام بسبب المخاوف المتنامية للغاية من الركود الذي يلوح في الأفق، خاصة في الولايات المتحدة، وكندا في العام المقبل، وقد يكون هذا الركود طويل الأمد.
ويقول لـ"الاقتصادية"، مختصون ومحللون نفطيون إن السوق النفطية حاليا تحت وطأة انخفاض الإنفاق، وبالتالي انخفاض الطلب على النفط، وذلك على الرغم من أن "أوبك" أبقت توقعات الطلب العالمي على النفط دون تغيير في أحدث تقاريرها الشهرية.
وعد المختصون أن فتح الصين أبوابها مرة أخرى يعد عاملا صعوديا قويا للطلب على الخام، كما توقع "بنك أوف أمريكا" بأن فتح الاقتصاد الصيني بالكامل وبشكل مستدام يرتفع أسعار النفط بشكل كبير – رجح ارتفاع خام برنت 23 في المائة - خاصة إذا اقترنت إعادة الفتح مع تغيير في سياسات بنك الاحتياطي الفيدرالي في كفاحه لاحتواء التضخم بالعدول عن الرفع المستمر في أسعار الفائدة.
وفى هذا الإطار، يقول الدكتور فيليب ديبيش، رئيس المبادرة الأوروبية للطاقة إن البنك الاحتياطي الفيدرالي مستمر حتى في سياسات رفع أسعار الفائدة وهو الأمر الذي أثار مخاوف بشأن التباطؤ حتى الركود التضخمي، لافتا إلى أن السوق تتطلع إلى تهدئة وتيرة هذه الزيادات حتى لا تنال كثيرا من الطلب العالمي المثقل بالفعل بكثير من التحديات.
وأشار إلى أن رفع واشنطن لأسعار الفائدة ست مرات في 2022، أمر كبير وغير مسبوق، والآن السوق تتطلع إلى درجة معينة من الاسترخاء في هذا النهج على الرغم من أنه لا يبدو في الأفق نهاية لمحاربة التضخم.
ويرى، جوران جيراس مساعد مدير بنك "زد إيه إف" في كرواتيا أنه على الرغم من انتشار مخاوف الركود لا تزال أساسيات سوق النفط صعودية إلى حد ما، لافتا إلى تأكيد بنك "جي بي مورجان" أن الصناعة تواجه صعوبات متمثلة في النقص المزمن في الاستثمار في إنتاج النفط الجديد، ما ينال من أمن المعروض النفطي على مدار عامين أو ثلاثة أعوام قادمة.
وأوضح أن الإشارات القادمة من الاحتياطي الفيدرالي - المزيد من رفع أسعار الفائدة - تعمل على الحد نسبيا من أي تفاؤل بشأن أسعار النفط على المدى القريب على الرغم من إعلان روسيا بدء خفض الإنتاج ردا على فرض سقف لسعر بيع نفطها وأيضا تداعيات إغلاق خط أنابيب "كيستون"، ما يرجح معه أن يظل النفط مستقرا نسبيا في الأسبوعين المقبلين.
أما أندريه يانييف، المحلل البلغاري والباحث في شؤون الطاقة فيشير إلى أن السوق لم يفاجأ برد الفعل الروسي على قرار سقف الأسعار، حيث أصدرت السلطات الروسية مرسوما يحظر بيع النفط الخام الروسي للمشترين المشاركين في تحالف فرض حد أقصى للسعر والبالغ 60 دولارا للبرميل، الذي حددته الدول الغربية وذلك بدءا من الأول من يوليو المقبل مع إمكانية تمديده.
وذكر أن الجانب الروسي يرى أن سقف السعر يحد بشكل مصطنع من الأسعار في آلية غير سوقية لن تقبلها، كما ترى أن سقف الأسعار لن يؤثر بشكل خطير في إنتاج النفط أو على اقتصادها، موضحا أن البيانات الدولية تشير إلى انخفاض الإنتاج الروسي في الربيع الماضي مباشرة بعد الحرب، لكنه استقر لاحقا بحلول يونيو، ومع ذلك تشير التقديرات إلى أن روسيا تقل بنحو مليون برميل يوميا عن حصتها من إنتاج النفط في "أوبك +" منذ ذلك الحين.
وتضيف جولميرا رازيفا، كبير المحللين في المركز الاستراتيجي للطاقة في أذربيجان إلى أن أسعار الخام والمنتجات البترولية العالمية قد انخفضت بشكل حاد في الأسابيع الأخيرة على عكس التوقعات السابقة، لافتة إلى تأكيد شركة "جلوبال ريسيرش" الدولية أن الانخفاض في أسعار النفط جاء جزئيا في أعقاب تباطؤ حاد في مؤشرات الاقتصاد الكلي المستقبلية مثل نمو الصادرات الآسيوية.
وأضافت أن إعادة فتح الصين ستضيف 700 ألف برميل يوميا إلى نمو الاستهلاك العالمي للنفط العام المقبل، ولا سيما أن بنك "جولدمان ساكس" أفاد بأن الصين خففت بعض القيود، ولكن لا يمكن توقع إعادة فتح كاملة للاقتصاد في وقت قريب، التي قد تؤجل إلى أبريل المقبل.
ومن ناحية أخرى، وفيما يخص الأسعار، ارتفعت أسعار النفط الخام خلال تعاملات أمس، وسط مؤشرات زيادة الطلب على الوقود في الصين. وكانت أسواق النفط قد استهلت التعاملات المبكرة على تراجع، بعد أن أظهرت بيانات معهد النفط الأمريكي زيادة مفاجئة في مخزونات الخام الأمريكية مقابل توقعات المحللين بتراجعها، ما عزز المخاوف بشأن تراجع الطلب على الرغم من شح المعروض.
وسجلت أسعار العقود الآجلة لخام برنت القياسي- تسليم شهر فبراير 2023- ارتفاعا بنحو 0.10 في المائة، إلى 80.76 دولار للبرميل، بينما زاد سعر العقود الآجلة لخام غرب تكساس الأمريكي- تسليم يناير 2023- بنسبة 0.05 في المائة، إلى 75.43 دولار للبرميل.
وكانت أسعار النفط الخام قد أنهت تعاملاتها الثلاثاء على ارتفاع بأكثر من 3 في المائة، بعد تقرير "أوبك" الشهري ومع هبوط الدولار الأمريكي.
وقالت المحللة في سي إم سي ماركيتس، تينا تينج، إن تراجع الأسعار في التعاملات المبكرة جاء مع مساعي اللاعبين في السوق لجني الأرباح، إضافة إلى استمرار المخاطر قبل اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في الولايات المتحدة.
وأضافت "ما زلت أتوقع أن أسعار النفط الخام قد تواصل وتيرتها التعافي الأخيرة، وتوقفت عمليات البيع السابقة، التي تغذيها مخاوف الركود مؤقتا بعد صدور بيانات متتالية أشارت إلى انخفاض التضخم في الولايات المتحدة".
وقال رئيس أبحاث السلع الأساسية في مصرف أستراليا الوطني، بادن مور: "أي تعليق من الاحتياطي الفيدرالي يشير إلى مزيد من التباطؤ في رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة سيكون داعما لأسعار النفط الخام".
وارتفعت مخزونات النفط الأمريكية بنحو 7.8 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في التاسع من ديسمبر، وفقا لمصادر السوق، نقلا عن بيانات من معهد النفط الأمريكي. وخففت بيانات المخزون من المعنويات الصعودية، التي دفعت السوق للصعود بنسبة 3 في المائة، في الجلسة السابقة، على خلفية الآمال في انتعاش الطلب الصيني مع تخفيف قيود كورونا وضعف الدولار، بعد أن أظهرت البيانات تراجع التضخم في الولايات المتحدة.
ومن جانب آخر، ارتفعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 78.34 دولار للبرميل الثلاثاء مقابل 74.94 دولار للبرميل في اليوم السابق. وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أمس، إن سعر السلة، التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء بالمنظمة حقق ثاني ارتفاع بعد عدة انخفاضات على التوالي، وأن السلة خسرت نحو دولار واحد، مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي، الذي سجلت فيه 79.66 دولار للبرميل.