إلى الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بمستقبل السُودان وعلاقات الصداقة والشراكة بين البلدين


إلى الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بمستقبل السُودان وعلاقات الصداقة والشراكة بين البلدين

نضال عبد الوهاب

من المعلوم اهتمام الإدارة الأمريكية الحالية بزعامة “الديمُقراطيين” بملف السُودان وما يجري فيه، خاصة بعد ثورة ديسمبر 2018 وسقوط نظام البشير والإسلام السياسي في السُودان، ثم ما حدث بعد ذلك، انقلاب 25 أكتوبر بقيادة الانقلابيين البرهان وحميدتي، وقطع مسار التحول الديمُقراطي في السُودان، بعد تدخل أطراف إقليمية ودولية في المنطقة داعمة لخط العسكر، تماشياً مع مصالحها، ولعبها دور قوى الثورة المُضادة.

عينت الولايات المُتحدة سفيراً للسُودان بعد قطيعة طويلة للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وتوقيع عقوبات عسكرية واقتصادية، وحظر السُودان بسبب سياسات النظام السابق، وضلوعه في ملفات الإرهاب، وحرب الإبادة في دارفور، وعدائه للديمُقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة.

بعد سقوط البشير، أصبح الأمر مُمهداً أكثر لعودة العلاقات، خاصة بعد أن أعلنت الولايات المُتحدة والإدارة الأمريكية دعمها غير المحدود للتحول المدني الديمُقراطي في السُودان، وبعد أن تكشف لها ضلوع دول إقليمية ودولية في الدعم والتخطيط للانقلاب العسكري في السُودان، ولعلمها بتعقيدات الوضع في السُودان، وانتشار المليشيات، وعدم التوقف النهائي للحرب. إضافة لوجود طامعين من العسكر والمليشيات في السُلطة، واختلافات داخل القوى المدنية نفسها، بعضها يعود للرغبة في تقاسُم السُلطة، وإن كان بالتعاون مع المؤسسة العسكرية والمليشيات.

كما أن وجود عناصر النظام السابق من الإسلاميين يلقي بظلاله على تأثيرات المشهد، لأنهم لايزالون يتحكمون في الاقتصاد بما نهبوه من أموال، ووجودهم في مؤسسات الدولة، وعلى رأسها المنظومة الأمنية والعسكرية وأجهزة الدولة القضائية والشرطة وغيرها.

كذلك تردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية بالبلاد، وخطر انتشار العنف وتفكيك الدولة وانهيارها في موقع حساس من العالم ومهم.

كل ذلك عاظم من اهتمام الولايات المُتحدة، والتي رغم وقوفها القوي ضد الانقلاب والانقلابيين، ودعمها للتحول المدني الديمُقراطي، وتحقيق رغبة السُودانيين، إلا أنها، ولعلمها أن ذلك ضد مصالح شركائها الاقتصاديين وأصدقائها، على رأسهم إسرائيل والإمارات والسعودية ومصر، وهم الذين ظلوا يدعمون العسكر، وبعضهم يجتهد في إجهاض الثورة وإيقاف التحول المدني الديمُقراطي، حاولت الولايات المُتحدة التوصل لصيغة تنزع بها فتيل الأزمة بالتوصل لتسوية، هي في الأساس وبشكلها الحالي لا تخدم السودانيين، بقدر ما تخدم تلك الدول في الثورة المُضادة، وتخدم كذلك مطامع العسكريين، خاصة البرهان وحميدتي في السُلطة.

كما أنها- التسوية- تُبقي على خطر وجود الإسلاميين أو عودتهم مرة أخرى، خاصة إذا أُقيمت انتخابات أشبه بالانتخابات المُبكرة، قبل أن يتم التفكيك التام لتمكين النظام السابق، وتوحيد جيش البلاد، وإعادة إصلاحه، وحل المليشيات، وعلى رأسها مليشيا الجنجويد أو الدعم السريع الضالعة في الإبادة الجماعية في دارفور، وعديد من الجرائم ضد الإنسانية الأخرى، بما فيها جريمة فض الاعتصام مع رموز المجلس العسكري السابق، وعلى رأسه الانقلابي البرهان وعدد من الجنرالات، والذين لايزالون ضمن المشهد والاتفاق الحالي الذي ترعاه وتسانده أمريكا وسفيرها بالخرطوم.

لايزال العُنف والقمع المُفرط يُمارس ضد المُتظاهرين السلميين، والانتهاكات الكبيرة لحقوق الإنسان في كافة أرجاء البلاد، والقتل خارج القانون، في وجود البرهان وحميدتي وأعوانهم من الانقلابيين، وبرُغم توقيع الاتفاق الإطاري للتسوية.

تقاطعات هذه المصالح بالنسبة للولايات المُتحدة يجب ألا تجعلها تُغمض عينها عن جرائم هؤلاء الانقلابيين، ومطامعهم الواضحة في السيطرة على السُلطة والإفلات من العقاب. هؤلاء الانقلابيون على علاقات مُباشرة بروسيا، ويحاولون تمديد نفوذها داخل الأراضي السُودانية، وكانوا في الطريق لإنشاء قواعد عسكرية لهم في البحر الأحمر بعلم أمريكا.

وفي أوج الحرب الروسية الأوكرانية، زار حميدتي موسكو داعماً، كما فعل هذا أيضاً البرهان من خلال محاولات التقوي بالروس الداعمين للعسكر في السُودان، والذين هم ضد التحول الديمُقراطي فيه. ويُشارك البرهان حالياً في القمة الخليجية العربية الصينية، لمحاولات تمديد النفوذ الصيني اقتصادياً في السُودان والمنطقة، وكل ذلك ليس من مصلحة الولايات المتحدة بالطبع.

الأجيال الجديدة في السُودان لن تقبل أن يتم الالتفاف على ثورتها ورغبتها الحقيقية في الحكم المدني الديمُقراطي الحقيقي، وإنهاء عهود الانقلابات العسكرية ووجود العسكر في السُلطة. وأي محاولة لإجبارهم على تسوية لا تُلبي مطالبهم سيُكتب لها الفشل.

الدول والشعوب تسعى لمصالحها، ويمكن للولايات المُتحدة أن تكون الصديق الأول للشعب السُوداني، والشريك الاقتصادي الأكبر بما يحقق فوائد جمة للبلدين معاً، إن هي سعت للمُساهمة الإيجابية المباشرة بدعم التحول الديمُقراطي، والوقوف مع رغبة السُودانيين، بعيداً عن أي محاولات لإرضاء شركاء وأصدقاء آخرين، هم أنفسهم غير حريصين إلا على مصالحهم، حتى وإن ارتبطت بتمدد النفوذ الروسي والصيني في بلادهم وكامل المنطقة، والسير عكس مصالح الولايات المتحدة نفسها.

السُودان يفوق كل تلك الدول بالثروات الطبيعية والموارد الاقتصادية الضخمة جداً، وهو بلد غني جداً، ينقصه الاستقرار والقيادة الديمُقراطية الراشدة، والوطنية التي يمكن أن تحوله لقوى عُظمى في أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط.

ومن المعلوم أن هنالك أعداء لا يُريدون له النهوض، والولايات المتحدة بما لها من تاريخ ورسوخ في قيم الديمُقراطية وحقوق الإنسان، وتُعتبر القوى العُظمى الأولى في العالم يُمكنها أن تكون صديقاً حقيقياً للسُودان وشعبه، وشريكاً اقتصادياً واستثمارياً أول، وخلق نموذج عملاق للشراكات بين الدول.

شهدنا في عهد الإدارة الحالية نموذجاً لشراكة مع أستراليا وبريطانيا، ولأمريكا شراكات مع كندا وغيرها. والسُودان من ناحية الموارد الطبيعية دولة غنية جداً تفوق العديد من الدول الأفريقية حتى من بين أصدقاء وشركاء الولايات المُتحدة بها، وكذلك له موقع مهم جداً في مسار الملاحة العالمية والتجارية.

السياسة الحالية لأمريكا في السُودان، ومحاولات ترضية شركاء وأصدقاء آخرين، تضر بالولايات المُتحدة نفسها على المدى الطويل، في ظل تسابق تمدد النفوذ الروسي والصيني والتركي والإيراني بالمنطقة.

الشعب السُوداني شعب قوي العزيمة والإرادة، شُجاع ومُحب لبلاده وللديمُقراطية وقيمها، خاصة الأجيال الحالية. لن يقبلوا الانكسار للعسكر والإسلاميين والانقلابيين والمليشيات، وإن طالت مُعاناتهم. شعب يرفض التبعية والاحتلال وفرض سياسة الأمر الواقع، مفتاح الوصول إليه وإلى صداقته وشراكته في الديمُقراطية وقيمها العظيمة.

نأمل أن تكون الولايات المتحدة والإدارة الأمريكية الحالية أكثر حسماً مع الانقلابيين، من العسكريين وأصحاب المليشيات في السُودان، المُهددين لمصالح السُودان وأمريكا نفسها، وشعبيهما.

تاريخ الخبر: 2022-12-12 03:23:20
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 57%
الأهمية: 52%

آخر الأخبار حول العالم

أسرع قطارات السكة الحديد.. تعرف على مواعيد وأسعار قطار تالجو

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-20 09:22:38
مستوى الصحة: 41% الأهمية: 46%

حارب الشيخوخة والأمراض المزمنة بهذه التمارين

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-20 09:22:40
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 43%

لحظة مينسكي .. هل أصبح انهيار سوق الأسهم مستحيلًا؟

المصدر: أرقام - الإمارات التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-09-20 09:25:06
مستوى الصحة: 31% الأهمية: 44%

5 معلومات عن مباراة الزمالك والشرطة الكينى فى الكونفدرالية

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-20 09:22:36
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 40%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية