د. مصطفى سليم.. مجدد مناهج المسرح الذى رحل مبكرًا

 

مصطفى سليم.. شاعر وكاتب مسرح ورئيس قسم الدراما بالمعهد العالى للفنون المسرحية، ورئيس المركز القومى للمسرح الأسبق، رحل عن عالمنا منذ أيام بعد صراع قصير مع مرض السرطان الذى اكتشفه منذ قرابة الشهرين وقد استشرى فى جسده. رحل مصطفى سليم عن عمر ٥٢ عامًا تاركًا رصيدًا من المسرحيات والأشعار المسرحية المهمة، تاركًا تجديدًا منهجيًا فى مناهج دراسة الدراما، وتاركًا قبل ذلك رصيدًا كبيرًا من الحب لدى أصدقائه وتلاميذه وأساتذته، وقد رثاه زميل عمره الأستاذ الدكتور مدحت الكاشف عميد المعهد العالى للفنون المسرحية فى مقال كتبه خصيصًا لـ«الدستور». 

عرفته قبل ثلاثين عامًا.. كنت آنذاك أدرس فى الدراسات العليا وهو لتوه ملتحق بالمعهد بعد فترة من التردد على عروض وندوات كان يشارك فيها، مشاهدًا ومتحدثًا واصفًا نفسه بعاشق المسرح خجلًا منه أن يذكر اسمه الذى لم نكن نعرفه، وعندما التحق بقسم الدراما كان يعرف طريقه، إلا أنه بدأ بطرق كل الأبواب.

ساعدنى فى عرضين ومثّل فى أحدهما دورًا صامتًا، ولكننى كنت أجده واعيًا بحدود وأبعاد النص، بل ويجذبنى إلى الجدال حول النص، ثم عندما وضع يده على مكمن الإبداع بداخله بدأ فى الإنتاج، وهو فى ذات الوقت ينهل من العلم حول المسرح والأدب والشعر بل والفلسفة، وكأنه يبنى لنفسه بنيانًا بشريًا ويشيد أركانه، ليتخذ لنفسه عبر السنين مكانه ومكانته.

كان يعرف طريقين لا يحيد عنهما، المسالمة والمسامحة، فقد كان يلتمس العذر لأخطاء الآخرين، ويترفع عنها، بل ويقوّمها بهدوء مدهش، كان يعرف قيمة الوقت، ويوزع ساعات يومه فى إنجاز كل الأشياء، ومن بينها البر بوالده الذى أخذ نصيب الأسد فى حياته، وكأنه كان يسعى لأداء كل واجباته قبل الرحيل، وكأنه راحل غدًا، ويرسم الخطط للمستقبل وكأنه يعيش أبدًا. 

يقترب وصف مصطفى سليم من وصف نجيب سرور لياسين حينما قال: كان جدع.. كان مثل الخبز أسمر، فارع العود كنخلة.. وعريض المنكبين كالجمل، له جبهة مهر لم يروض، وأيضًا كان مصطفى سليم شهمًا كريمًا معطاء يشار له بالبنان ودماثة الخلق. كان كأبطال المسرح الإغريقى، ولذا جاء رحيله مثلهم على هذا النحو التراجيدى، بمثابة قصيدة شعرية تهز القلوب، وكأنه برحيله يصرخ واصفًا المرض الخبيث متمثلًا بكلمات نجيب سرور قائلًا: يا أيها الغول اللعين أنت لن تأخذ ما تبقى قبل أن تأخذ روحى.. بل ويزيد صراخه بضحكته المعهودة التى اشتهر بها والتى أصبحت أيقونة يستدل بها على حضوره الطاغى فى أى عرض مسرحى، نعم كان يضحك فى ذات الوقت الذى كنا فيه نخفى دموعنا إشفاقًا على عذاباته المرضية.

كانت كلماته لى فيما قبل الرحيل تشجعنى وتمنحنى الأمل فى أنه سيعود لسابق عهده مملوءًا نشاطًا كعادته، ولم أكن أدرى أنه يسابق الزمن ويفرغ من واجباته الإبداعية والإدارية، بل والإنسانية قبل أن يرحل، ولولا إصرارى على عدم انتهاك ما بيننا من خصوصية لنشرت رسائلنا المتبادلة عبر الماسنجر وصوته المتفرد المملوء بالأمل وخططه للمستقبل، واستشرافه للغد بأمل غير عادى، وأنها مسألة وقت يقضى فيها على خصمه اللعين بعد عدة جلسات ليعود، هكذا كان يتعامل مع مرضه ساخرًا، واتفقنا أنه سيأتى ليكمل محاضراته متكئًا على كرسيه المتحرك، ولمَ لا وهو يشبه نهر النيل فى غزارة مائه وعطائه وخصوبة التربة من حوله، فلم يترك مصطفى سليم أرضًا إلا وقد بذر بها بذورًا من الحب والعلم والفن، وجاءت ثمراته متمثلة فى إبداعه الشعرى والمسرحى، والإعداد المتفرد الذى يحسم الخلاف المحتدم حول وظيفة الدراماتورجى بأسانيد علمية، وغيرها من المصطلحات الشائكة والشائعة التى كان يجهر فى مواجهتها مصوبًا إياها مهما كلفه ذلك من ثمن، ولذا كان حضوره فى الفعاليات العلمية حضورًا طاغيًا، بل وفى تلامذته الذين عشقوه عشقًا مدهشًا، فقد كان يبدو أمامهم وكأنه القائد الملهم الذى يأخذ بأيديهم إلى آفاق بعيدة إلى جزر إبداعية لم تطأها قدم، وما زلت حتى هذه اللحظة أصرخ بصوت عالٍ متسائلًا: يا مصطفى.. هل ترجلت فعلًا؟! ألن تعود لنا ثانية؟!! لو كان هذا صحيحًا فانتظرنا حتى نلقاك.

 

تاريخ الخبر: 2022-12-11 21:21:36
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 47%
الأهمية: 63%

آخر الأخبار حول العالم

الجامعة العربية: قرار الجمعية العامة بإنهاء وجود إسرائيل خل

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-20 06:22:39
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 57%

اليوم.. آخر موعد لمعرض أهلا مدارس الرئيسى فى مدينة نصر

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-20 06:22:32
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 36%

أسعار اشتراكات مترو الأنفاق للطلبة.. إنفوجراف

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-20 06:22:33
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 48%

وزارة الأوقاف تفتتح اليوم 26 بيتًا من بيوت الله منها 24 مسجدًا جديدًا

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-20 06:22:30
مستوى الصحة: 40% الأهمية: 49%

وزير الصحة يعزي الخبراني في والدته - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-09-20 06:24:30
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 53%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية