على الرغم من أن المدرب البوسني وحيد خليلهوزيتش هو الذي قاد النخبة المغربية إلى حجز مقعد في مونديال قطر، بعد فوزه على الكونغو الديمقراطية، فإن نهاية مسيرته على رأس المنتخب كانت شبه محتومة، بعد مطالب الجمهور المغربي بإقالته.

هكذا أتى وليد الركراكي إلى تدريب الأسود، على بعد أقلّ من ثلاثة أشهر من انطلاق المونديال، وبالتالي كانت مهمة صعبة تنتظره لتحقيق إنجاز طالما تمناه المغاربة. مع ذلك نجح في تحقيق تعادل وفوز ثمينين في أول مقابلتين له، ضد كرواتيا وبلجيكا، واعداً بتخطّي عقبة كندا والتأهل للدور الثاني.

الركراكي على رأس الأسود

مثّل اختيار الركراكي لتدريب منتخبهم لحظة ارتياح للجمهور المغربي، بعد فترة طويلة من الجدل الذي خلقه المدرب السابق، البوسني وحيد خليلهوزيتش. ورغم أن هذا الأخير نجح في إيصال الفريق إلى دور ربع النهائي في كأس أمم إفريقيا 2021، وضمِن بعد "سيناريو هيتشكوكي" موطئ قدم في المونديال، فإن وجوده حرم التشكيلة عدداً من أسمائها البارزة.

أسماء عالمية مثل مهاجم نادي تشيلسي الإنجليزي حكيم زياش، وظهير نادي باييرن ميونخ الألماني نُصير مزراوي، ظلت غائبة طوال الفترة الأخيرة من عهدة المدرب البوسني، بسبب مشكلات بينهم وبين المدرب، تحولت في النهاية إلى ما يشبه النزاع الشخصي. يُضاف هذا إلى الخيارات التدريبية لخليلوزيتش، التي لم تستقرّ على تشكيلة معينة، ما كان يؤثّر سلباً في مردود المنتخب.

بعد غموض شابَ مصير المدرب البوسني على رأس "أسود الأطلس"، أعلنت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم أواخر أغسطس/آب الماضي، قرارها تعيين لاعب المنتخب المغربي السابق وليد الركراكي خلفاً له.

قوبل الأمر على المستوى المحلي باستحسان كبير، بسبب الموسم الناجح الذي قضاه الركراكي مع نادي الوداد البيضاوي، إذ نجح في قيادة الفريق إلى التتوُّج بلقبَي الدوري المغربي ودوري أبطال إفريقيا، بجانب التأهل للمباراة النهائية لبطولة كأس العرش المغربي، إضافة إلى تحقيقه لقبَي البطولة والكأس مع نادي الفتح الرباطي، الذي دربه قبلها لست سنوات.

وصحب تعيين الركراكي على رأس المنتخب المغربي عودة عدد من اللاعبين المغاربة المميزين، الذين جُرّبوا في مباراتين وديتين في سبتمبر/أيلول الماضي، ونجح الركراكي وتشكيلته في تقديم أداء متميز خلال هاتين المبارتين، إذ حقّق المغرب فوزاً بثنائية ضدّ منتخب الشيلي المخضرم، وتعادل مع نظيره الباراغوياني.

حلم في طريق التحقق

في المؤتمر الصحفي الذي واكب تعيينه، كان وليد الركراكي واضحاً في تصريحه: "لديّ حالياً مشروع على المدى القصير يهدف إلى التحضير لكأس العالم، لا يمكن أن أغيّر قاعدة الفريق الموجودة الآن، لكن ستكون لي لمسة أو لمستان"، قبل أن يضيف: "أعرف الضغط الموجود، وهذا تحدٍّ لي (...)، لكننا متفقون جميعاً على أننا لا نريد الذهاب إلى كأس العالم لنخوض ثلاث مباريات فقط".

هذه الوعود التي سعى الركراكي إلى الوفاء بها، مع أن قرعة الكأس وضعته في "مجموعة الموت"، برفقة المنتخب الكرواتي وصيف بطل العالم، وبلجيكا المصنفة الثانية عالمياً، وكندا بمنتخبها الشابّ التي صعدت على رأس تأهيليات أمريكا الشمالية.

لكن "إذا اعتمدنا على القيمة السوقية، فالمنتخب المغربي هو أقوى المنتخبات العربية"، حسب المحلل الرياضي المغربي أيمن زيزي في حديثه لـTRT عربي، وبالتالي فـ"حظوظه وافرة" للمرور إلى الدور الثاني "بحكم وجود عدد من اللاعبين المهاريين ضمن تشكيلته". في المقابل لا ينفي أنه كذلك يواجه مهمة صعبة إذ سيلعب ضمن "مجموعة الموت"، كما يواجه "إكراه تغيير مدربه قبل وقت قصير من انطلاق المونديال".

ونجح الركراكي في إدارة هذه النخبة من الأسماء المغربية خلال مباراتيه الأوليين في المونديال. وضد كرواتيا انتهج المدرب نسقاً تكتيكياً متحفظاً، ساعياً إلى شلّ خطّ وسط الكروات الذي يُعَدّ نقطة قوة المنتخب، وبالتالي نجح في الحفاظ على شباكه نظيفة وحصد تعادلاً ثميناً في مباراته الأولى.

وفي مباراة بلجيكا استمرّ الركراكي في نهجه المتحفظ ولعبه الدفاعي، بلا مجازفة بالهجوم وخلق مساحات للخصم كي يهدّد منها مرمى الحارس منير المحمدي. وقرابة الدقيقة 70 من المباراة، أجرى الركراكي تغييرين في آن واحد، بإخراج أشرف حكيمي وسفيان بوفال وتعويضهما بعبد الحميد الصبيري ويحيى عطية الله.

هذا التغيير سيقلب المباراة بعد إنهاك الخصم، وسيتحول المنتخب المغربي إلى الهجوم وينجح في تسجيل هدفين. بهذا الانتصار، قطع أسود الأطلس شوطاً كبيراً في تحقيق معجزة العبور إلى الدور الثاني للمونديال، وأن يوفي الركراكي بوعوده فيكون ثاني مدرب يقود المنتخب إلى هذا الإنجاز.

ويدخل الركراكي مباراة كندا بمهمة وحيدة، هي الحيلولة دون الهزيمة. وهو ما أكّده المدرب في تصريحاته يوم الأربعاء، بقوله: "صحيح أن مجموعة من اللاعبين يعانون إصابات متفاوتة، بعضهم لعب المباراة الأخيرة مصاباً، لكن الجميع هنا جاهز ذهنياً للدفاع عن قميص المنتخب الوطني غداً، الأهمّ أن الجميع يريد اللعب والقتال دفاعاً عن قميص المنتخب".

صانع أفراح 2004

يُعَدّ وليد الركراكي أحد أبناء الجالية المغربية في فرنسا، الذين تفانوا للدفاع عن فريق الوطن الأم. وقبل تدريبه المنتخب، يذكر المغاربة جميعاً نجاحات منتخبهم التي شارك فيها الركراكي كلاعب أساسي.

وأبرز هذه النجاحات كانت أفراح كأس إفريقيا 2004 بتونس، إذ نجح أسود الأطلس في بلوغ النهائي ضد البلد المضيف، وبعدها حصد الميدالية الفضية. وقتها كان الركراكي محور دفاع التشكيلة، التي كان يقودها المدرب بادو الزاكي، ونجح في حماية شباك المنتخب من هجمات أقوى الفرق الإفريقية وقتها، كنيجيريا والجزائر.

تزامناً مع ذلك، احترف الركراكي في عدد من الأندية الأوروبية، منها تولوز الفرنسي وراسينغ سانتاندير الإسباني، قبل أن يعتزل اللعب عام 2012 ويتحول إلى التدريب، حين قاد ناديَي الفتح الرباطي والوداد الرياضي المغربيَّين إلى الفوز بعدد من البطولات الوطنية والقارّية.

TRT عربي