رد محمد جلال هاشم على عبد الله علي إبراهيم


رد محمد جلال هاشم على عبد الله علي إبراهيم

تحت عنوان: محمد جلال هاشم: هل جيلُنا الثقافي موصل رديء للمعرفة؟ كتب أستاذي عبد الله علي إبراهيم مقالاً تناول فيه ما ورد عني في مجتزأ فيديو انتشر مؤخراً في الوسائط الاجتماعية، تجدونه في الرابط أدناه:

https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=2587926574683648&id=100003989938512

وبقدر ما حاولت أن أتشرف بالتداخل معه عبر صفحته، لكن ذلك أعجزني لأسباب لا أعرفها. لهذا، سوف أقوم بإنزال مداخلتي معه في صفحتي:

أستاذي الجليل عبد الله علي إبراهيم، لك التحايا والتقدير، مشفوعةً بالامتنان لاهتمامك ومتابعتك الأبوية لما يكتبه أحد طلبة فصلك، وهذه حلية أتحلّى بها لدى العَطَلِ (كما جاء عن الطَغرائي في لامية العجم، والكلام وراهو كلام- وجه ضاحك).

جاء في المثل أن آفة الأخبار رواتُها. وفي عصر العولمة اللاجب هذا، رواةُ الأخبار في معظمهم الغالب خفافيش إسفيرية، نعرفهم بأسمائهم ولا نعرفُ لهم مَخبرا.

بالطبع، والأمر كهذا، ما كان في مقدورك، وكذلك في مقدور الكثيرين، أن يتناولوا ما تناولتَه في مقالك هذا إلا بالاتكاء على مجتزأ ذلك الفيديو الذي لم أكن أتكلم فيه عن رأيي في المسألة بقدر ما كنتُ استعرض فيه عين المقال الذي كتبه أخونا وأستاذُنا الدكتور محمد مهدي (عليه رحمة الله) بالاشتراك مع صديقنا وأخينا الدكتور محمد زكريا، ونشرتَه أنت في مجلة الدراسات السودانية. ذلك ما فعلتُه في ذلك المجتزأ، وكما تعلم يا صديقي أن رواية الكفر لا تُكفّر.

ثانياً استعرضتُ في مسائل طقوس العبور ما قاله أستاذُنا وشيخُنا بروف سيد حامد حريز في بحثه للماجستير (ليدز: 1966) من حيث العادات والتقاليد ذات الصلة بالمسيحية عند سكان الوسط النيلي؛ ثم استعرضتُ ما قاله أستاذُنا وشيخُنا بروف يوسف فضل بخصوص أن مجموعة الجعليين الكبرى هم نوبة مستعربون.

وكما ترى، ليس في كل هذا ما يمكن إحالتُه لي، وكل هذا بالفعل مما يدخل في العصف الذهني حتى نفتح مخيالَنا على زاوية منفرجة بأكبر قدر. والمحاضرة (فيما أذكر) كانت عن الحضارة النوبية وتأثيرها في تشكيل سودان اليوم. وبالطبع، بقدر ما تحرّى المرء وسعى للكمال، فإن التقديم والاستعراض the presentation يعتمل على محدوديات، ذلك برغم ما قد يسبغه المُقدّم من بهارات الكلام وشروحاته.

بعد هذا دعني يا أستاذي الصديق أن أورد لك (بعد تقديم الاستعراض أعلاه بطرق عديدة تختلف في تفاصيلها وتلتقي في عمومها) ما رفدتُ به من لدُن علمٍ عارف ووارف يا طالما تفيّأناه بفضلكم ولا نزال. وما سأقوله أدناه قد كتبتُه في عدة مقالات وفي أكثر من كتاب. وبالطبع، لا مجال لإيراده كله، إذ لا يسمح المجال بذلك، ولتُطلب هذه الآراء خاصتي في مظانِّها.

أولاً، أخذتُ بما قاله الصديقان محمد مهدي ومحمد زكريا، ثم توسعتُ في الأمثلة، لا على مستوى التراكيب فحسب، بل أيضاً على مستوى الخصائص النغمية للغات النوبية وكيف أن العامية العربية السودان قد اكتسبت جانباً مهماً من هذه الخصائص.

ثانياً، من ناحية منهجية، اعتمدتُ الفرضية التي تقول بأن الانتقال من لغة أم إلى لغة أخرى يستصحب معه تراكيب لغة الأم. وقدّمتُ أدلة لسانية على هذا.

ثالثاً، وبحكم ما درّبتمونا عليه، ما كان ينبغي القفز فوق ما قاله أستاذنا بروف محمد عمايرة (عليه رحمة الله) من أدلة ناقضة للأمثلة التي أوردها مهدي وزكريا. وقد كان ذلك سبباً في تجسير العلاقة بيني وبين عمايرة عبر طالبة سعودية له.

في هذا الصدد، قامت مراجعتي لما قاله عمايرة على الفرضية اللسانية التالية: في أي لغة مَحَكّية، وفي أي مستوى من مستويات تلك اللغة (المستوى العالي أو الداني)، إذا تلاحظ وجود خصائص نحوية غير مرصودة، أو غير معروفة، فيها تاريخياً diachronically، فإن تلك الخصائص تكون مما اكتسبتها لاحقاً اللغة المعنية عبر الاحتكاك الزماني والمكاني بلغة أخرى تختلف عنها؛ وتبعاً لذلك، في أي مستوى دانٍ low level (يعني المستوى العامّي) لأي لغة، إذا تلاحظ وجود خصائص نحوية غير معروفة آنيّاً synchronically وكذلك غير معروفة تاريخياً diachronically في المستوى العالي الذي تنتمي إليه اللغة في مستواها الداني، فإن هذه الخصائص ينبغي البحث عن مصادرها في لغة (أو لغات) أخرى تجاورت مع اللغة المعنية في مستواها الداني.

هذه هي الفرضيات العلمية التي قامت عليها مراجعاتي لأطروحة عمايرة القوية. هنا قمت بمراجعة اللغة العربية العالية (الفصحى) عبر تاريخها (ولا أزعم بالاستقصاء في هذا)، وتوصلت إلى نتائج أولية تفيد بأن وجود الفعل المساعد عبارة عن خاصية نحوية ليست أصيلة لغيابها في المستويات العالية والحالات التاريخية القديمة.

وعليه، فهي مما اكتسبته بعض العاميات العربية تأثّراً بلغة (أو لغات) تعتبر فيها هذه الخصائص أصيلةً. وبالطبع، خصيصاً الأفعال المساعدة موجودة ومثبّتة في اللغة النوبية القديمة. بعد هذا قمت بمراجعة تأثير اللغات النوبية في اللغات العربية داخل الجزيرة العربية (لغات عربية وليس فقط حرف قريش الذي نتحدث به الآن). هنا انفتحت أمامي أبواب وطاقات عديدة للتوصل إلى استنتاجات أولية فحواها أن تأثير اللغات النوبية (تحديداً لغة الممالك النوبية المسيحية المعتمدة وقتها دينياً ودنيوياً، أي اللغة النوبية القديمة) على اللغات العربية العالية ثم تلك الدانية، أي اللهجات، ليس بالقليل. وهذا مبحث لا يمكنني الزعم بالاستقصاء المحيط فيه، فهو مجرد نافذة جديدة للعصف الذهني أيضاً. من ذلك على المستوى الشعبي، مثلاً، فن النوبان في الخليج. ثم كذلك عملتُ على تقصي تأثير اللغة النوبية في لغة القرآن، انطلاقاً من إشارات عابرة  لبعض أصدقائي (كلمة “سورة” ومقارنتها بكلمة “soor” النوبية التي تعني “كتاب”؛ وكذلك كلمة “دسّ” بمعنى الإغواء، مقارنةً بنفس تصويت الكلمة في النوبية، وتعني الإغواء، فيما أحاله لي صديق إلى إفادة لليث بن سعد تقول بأنها ليست عربية، بل من لسان النوبة (في مجزوء الآية الكريمة “قد خاب من دسّاها”). وطبعا نعلم أن عربية القرآن الكريم فيها من كلام غير العرب الكثير، وهذا ما لا مجال للتعرض إليه هنا.

وبعد، وكما ترى، وبحسب مقروء مقالك، هذا ما يليني في تلك المفاكرة العاصفة للذهن التي قامت على مقال الأخوين مهدي وزكريا، فاعتصفتها أنت باستكتاباتك لتلك الثلة من العلماء. ولكنك لم تقع على رفدي في هذا إلا كما يقعُ الطائرُ على الماء رشَفاً وتعلّلاً وهو محلّق. وإني إذ أوردُ كل هذا إنما أوردُه طمعاً في نقدك له على واضحةٍ، ناصحةٍ، لا استناداً على مجتزءات الأسافير التي لا ترعى حرمة النص والاستئناس به في مظانِّه، كما لا ترعوي. ولا تثريب عليها في هذا، ذلك أن هذا هو قُصاراها.

ويدوم الود والإعجاب الذي تعرفه؛؛

محمد جلال أحمد هاشم

الخرطوم- 13 أكتوبر 2022م

محمد جلال هاشم: هل جسدنا الثقافي موصل رديء للمعرفة

تاريخ الخبر: 2022-10-15 03:22:34
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 48%
الأهمية: 63%

آخر الأخبار حول العالم

«الحليمي» يهدد النساء - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-09-20 03:25:08
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 55%

التقوا 12 مرة.. الزعيم «عُقدة» العميد - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-09-20 03:25:06
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 59%

«طيور الظلام».. محرضون ودعاة فتنة - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-09-20 03:25:14
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 50%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية