• كريم بوخصاص

بين الفينة والأخرى، يستفيق المغاربة على أحد خبرين: إما سحب بلد اعترافه بالبوليساريو، كما هو شأن كينيا التي كانت أحد قلاع الجبهة الانفصالية، قبل أن تعلن منتصف الشهر الجاري موقفها الجديد. أو تأسيس بلد علاقات مع الجبهة المدعومة من الجزائر ـ كما حصل مع جنوب السودان قبل يومين – لكن نادرا ما تم تسليط الضوء على الخريطة الكاملة للاعترافات التي تُفرح الرباط في كثير من الأحيان وتُغضبها في بعض المرات، كما حصل في موضوع البيرو. لذلك أخذنا على عاتقنا مهمة رسم خريطة شاملة للقارة الإفريقية لمعرفة موقف بلدانها الـ53 من نزاع الصحراء المفتعل، خاصة أنها القارة التي كانت تتركز فيها الدول المؤيدة للبوليساريو.

مع إعلان الرئيس الكيني الجديد ويليام روتو في 14 شتنبر الجاري سحب اعتراف بلاده بالبوليساريو، تكون نيروبي قد أصبحت رسميا البلد الـ39 في القارة الإفريقية الذي لا يعترف بما يسمى «الجمهورية الصحراوية»، مقلصة مجموعة الدول التي مازالت ترتبط بعلاقات مع الجبهة الانفصالية إلى 13 بلدا فقط، بعد أن كان عددها قرابة الأربعين في ثمانينيات القرن الماضي، حين انضمت الجمهورية الصحراوية المعلنة من جانب واحد إلى منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1984، في انتظار معرفة تموقع دولة جنوب السودان التي عبرت منذ نشأتها في 2011 ـ إثر انفصالها عن السودان – عن موقفها الداعم للحكم الذاتي، قبل أن يستقبل نائب رئيسها، أول أمس الثلاثاء، ممثلين عن البوليساريو.

ومنذ بداية الألفية الجديدة، وسنة بعد سنة، سحبت العديد من دول العالم اعترافها بالبوليساريو وجمدت علاقاتها معها، حيث تشير تقديرات مصدر بالخارجية تحدثت إليه «الأيام»، إلى 55 دولة من أصل حوالي 80 دولة لم تعد تعترف بالبوليساريو، أزيد من ثُلُثَيها تنتمي إلى إفريقيا.

وقد تبين من خلال مسح شامل لخريطة دول القارة، قامت به «الأيام»، أن ضمن الـ39 دولة التي لا تعترف بالبوليساريو وتعتبر الصحراء مغربية، 21 سَيَّجَت موقفها بفتح قنصلية عامة بالصحراء، اثنتين عربيتين (جزر القمر، وجيبوتي) والبقية من دول جنوب الصحراء. فيما ظهر أن الدول الـ13 الموجودة في قائمة المرتبطين بعلاقات مع جبهة البوليساريو ليست على قلب رجل واحد ويتفاوت دعمها وقربها من الانفصاليين، حيث أن اثنتين منها قريبتان جدا من اتخاذ خطوة كينيا، ويرشح حصول ذلك في غضون الأشهر القليلة المقبلة نظرا للتطورات التي تعرفها علاقاتهما مع المغرب، وهما تنزانيا التي أسست الزيارة الملكية التي شملتها في 2016 لعلاقات اقتصادية وثقافية وثيقة مع المغرب، وأنغولا التي استأنفت علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط في 2018 بعد ربع قرن من القطيعة، ومثل رئيس الحكومة عزيز أخنوش الملك في حفل تنصيب رئيسها الجديد منتصف الشهر الجاري.

المعطيات التي توصلت إليها «الأيام» تكشف أيضا أن ثلاثة من الدول المرتبطة بعلاقات مع البوليساريو تَطبخُ موقفها المعترف بمغربية الصحراء على نار هادئة، حيث يرجح أن تعلن تباعا عن قطع الصلة بالبوليساريو في ظل طفرة تشهدها علاقاتها مع الرباط، وعدم قدرتها على الاستغناء عن المغرب بعد ارتباطها معه في مشاريع استثمارية استراتيجية، وهذه الدول هي نيجيريا التي وقعت مع الرباط في 18 دجنبر مذكرة لإنشاء أهم مشروع في إفريقيا في الألفية الجديدة وهو أنبوب الغاز المغربي النيجيري، وإثيوبيا التي وقعت مع المغرب في شتنبر 2021 مشروعا ضخما لإنتاج الأسمدة في دير داوا، الواقعة شرق البلاد، بغلاف استثماري يناهز 3.7 مليار دولار (33 مليار درهم مغربي)، ثم أوغندا التي ارتبطت مع المغرب باتفاقية حول السكن تنتهي هذه السنة تهم تشيد مدن جديدة ومحاربة السكن غير اللائق.

ويبقى سحب اعتراف البلدان الخمسة السالفة الذكر اعترافها بالبوليساريو مسألة وقت فقد، إذ ترجح مصادر دبلوماسية، أن يتم ذلك خلال العام الجاري أو العام المقبل على أقصى تقدير، فيما قد يرفع حصول ذلك الحرج على كل من موريتانيا ومالي للخروج من المساحة الرمادية التي يتموقعان فيها والمرتبطة بوضعيتهما الخاصة جدا.

القائمة السوداء

إذا كانت خمس دول على وشك مغادرة القائمة السوداء واثنتان قريبتان من خلع «جلباب» الحياد الإيجابي، فإن خمس دول تبدو عصية على أن يشمل موقفها أي تغيير، ويتوقع أن تبقى آخر قلاع البوليساريو، وهي: الجزائر المحتضنة والممولة الرئيسية للبوليساريو، والتي اختارت جعل المغرب عدوها الأول، وأدخلت علاقاتها معه إلى مرحلة القطيعة منذ غشت 2021، وجنوب إفريقيا التي رغم تقلص دعمها للبوليساريو مع الطفرة التي عرفتها علاقاتها مع المغرب في السنوات الخمس الأخيرة، تبقى أكبر داعمي الانفصاليين سياسيا، بل إن تأثيرها يمتد إلى دول جوارها.

وضمن القائمة السوداء توجد أيضا زيمبابوي الدولة الفقيرة والمنهكة التي لم تحد عن دعم البوليساريو رغم إزاحة رئيسها عن السلطة «روبرت موغابي» في نونبر 2017، ثم ناميبيا وموزمبيق وبوتسوانا التي تشترك في عدائيتها للمغرب، علما أن هذه الدول الأربعة لها حدود مشتركة مع جنوب إفريقيا.

معركة التثبيت !

يظهر من خلال الخريطة المنجزة أن المغرب كسب معركة الاعترافات حتى الآن، وانطلق في مسار تسييج هذه المواقف وجعلها عصية على التغيير، حيث لم تعد الرباط تكتفي منذ 2019 بإعلان سحب الاعتراف بالجمهورية الوهمية، بل تتجاوزه إلى إقناع الدول التي جمدت علاقاتها أو التي تعترف تاريخيا بمغربية الصحراء إلى فتح قنصلية عامة بإحدى مدن الجنوب، وقد أثمرت هذه السياسة حتى الآن عن فتح 21 دولة إفريقية قنصلية عامة لها في الصحراء، 12 بالداخلة و9 بالعيون. وتحتفظ بقصب السبق دولة جزر القمر العربية التي افتتحت أول قنصلية عامة في الأقاليم الجنوبية للمملكة في 18 دجنبر 2019، قبل أن تتوالى عمليات فتح القنصليات، فيما كانت آخر دولة فتحت قنصلية هي جزر الرأس الأخضر في 31 غشت 2022.

ورغم أن ست دول أخرى (عربية ومن أمريكا اللاتينية) فتحت قنصليات عامة في الصحراء وهي: الإمارات، والبحرين، والأردن، وسورينام، وهايتي، ومنظمة دول شرق البحر الكاريبي، إلى جانب إعلان الولايات المتحدة الأمريكية منذ دجنبر 2020 نيتها فتح قنصلية لها في الداخلة، ضمن الاتفاق الثلاثي المعلن بين واشنطن والرباط وتل أبيب، فإن تركيز المغرب ينصب على دول القارة السمراء، حيث يريد ربح الرهان الاستراتيجي المتمثل في طرد البوليساريو من الاتحاد الإفريقي، والذي يمكن أن يتحقق في المستقبل القريب مع استمرار تهاوي قلاعه التاريخية، وآخرها نيروبي.

وفي انتظار إعلان دولة أخرى سحب اعترافها بالبوليساريو، تبقى معركة فتح قنصليات دول القارة بالصحراء مستمرة، وتستعد تشاد لتكون الدولة الـ22 التي ستنضم إلى الركب، بعد أن أبلغت في 7 شتنبر الجاري مذكرة شفوية للخارجية المغربية بقرارها فتح قنصلية لها قريبا بالداخلة.