خصخصة التعليم.. الجزء الظاهر من جبل الجليد «1»
* محمد إبراهيم علي
– تعد مشكلات الخدمات (حفظ الأمن- الصحة- التعليم- المياه- النظافة- المواصلات… إلخ) من أكبر المشكلات التي عانى منها المجتمع جراء انقلاب الإسلاميين على السلطة عام 1989م ويرجع ذلك لطبيعة الفكر الاقتصادي للجماعات الإسلامية التي تعتمد على الاقتصاد الريعي الذي يحارب الإنتاج والمنتجين ويغذي اقتصاد السوق الطفيلي الذي يعمل على تسليع كل الخدمات ويخرج الدولة عن واجبها الاجتماعي تجاه المواطن ويتحول كل المجتمع لسماسرة صغار يخدمون سمسار أكبر هو هيكل الدولة وأباطرتها الجدد الذين جاءوا مندفعين من الخلف وسددوا طعنات نجلاء جعلت الشعب السوداني طريح الفراش في غرف العناية المركزية منتظراً الموت الطبيعي والدفن في مقابر الأمم والشعوب التي سادت ثم بادت.
– كانت الكارثة الأولى التخلي عن مجانية التعليم الذي كان يعتبر العامل الأقوى في محاربة الفقر والتخلف والجريمة والضامن الأقوى للوحدة الوطنية والقومية وتحقيق السلام الاجتماعي. وبدأت الحملة بتجفيف نظام السكن والإعاشة في مدارس التعليم العام والجامعات.
– فكرة مدارس الداخليات والتي تم التخلي عنها أضرت اضراراً بالغاً بالمجتمع كونها:-
* كانت تستوعب عدداً كبيراً من التلاميذ والطلاب.
* ترفع العبء الاقتصادي عن كاهل الأسر الفقيرة.
* توفر استقراراً كاملاً للطالب ليتفرغ للدراسة والتحصيل.
* تخلق الوحدة والتماسك يبن طلاب جاءوا من جميع أصقاع السودان.
* تعمل على توفير المعلمين وسد النقص.
– خلال حقبة التسعينات عمت الفوضى وصارت المدارس تفتح بدواعٍ قبلية وسياسية ومن غير مسح تربوي فأصبح في بعض المدارس عدد المعلمين أكبر من عدد الطلاب وبعض المدارس المكتظة لا يوجد بها معلمون!!
– كذلك تم تحويل كثير من المدارس الثانوية لجامعات وكثير من المدارس المتوسطة لمدارس ثانوية ومكاتب للمحليات مما عقد مشكلة الاستيعاب بالمدارس الثانوية ووقف حجر عثرة أمام عودة المرحلة المتوسطة.
– الدولة السودانية المركزية ساهمت في تعميق الأزمة بتخليها عن هم التعليم المتمثل في تعيين المعلمين وتوفير الكتاب المدرسي والإجلاس وتوفير المناخ الدراسي الجاذب وأوكلت ذلك للمحليات الفقيرة التي تعتمد على جيب المواطن وانحصر دور الدولة في دفع مرتبات المعلمين التي لا تسمن ولا تغني من جوع لذا صارت هذه المهنة طاردة وصارت مهنة هامشية يمارسها المعلم بجوار مهنة أخرى.
– هذا الوضع انعكس على التحصيل الدراسي ومخرجات التعليم التي أصبحت ضعيفة لا تقوى على المنافسة في ظل فضاء العولمة الذي اعتمد على تطبيق معايير الجودة في كل شيء.
– الدولة بدلاً من علاج المرض اتجهت لعلاج العرض فكانت فكرة المدارس النموذجية التي كانت شكلاً من أشكال الغش والخداع والتدليس على المجتمع.
– فنحن نبحث عن تعليم نموذجي جيد يتوفر فيه المنهج الدراسي الجاذب للطالب والمواكب للتطور العلمي الذي يميز عالم اليوم والذي يجعل خريجه ينافس في سوق العمل العالمي
ونوفر فيه المعلم المؤهل المدرب المستقر اقتصادياً واجتماعياً ومؤمن برسالته تجاه مجتمعه ويعمل على التغيير وله القدرة على ذلك
وكذلك فضاء مدرسي يتوفر فيه الإجلاس والمياه النظيفة والفصول الآمنة ويمارس فيه النشاط المصاحب للمنهج.
– تجربة المدارس النموذجية التي استحدثتها الدولة تم تجريب تطبيقها في ولاية الخرطوم وبعض الولايات حيث اعتمدت على استيعاب طلاب احرزوا درجات كبيرة في امتحانات شهادة الأساس التي تعتمد على الحفظ والتلقين وقد يكون مستوى الطالب متواضعاً لكن تم حشوه من قبل المدرسة والأسرة فأحرز هذه الدرجة.
ماذا وفرت الدولة لهذه المدارس؟
* جعلتها تحصل على المعلم والكتاب المدرسي على حساب المدارس الجغرافية.
* أرهقت كاهل المواطن بدفع رسوم خرافية تدفع حوافز للمعلمين.
* حولت معظم فصولها إلى فصول خاصة.
* حرمت أبناء المنطقة من التعليم في مناطقهم وأجبرتهم على الهجرة لتلقي التعليم في مناطق أخرى.
* ساهمت في تدهور المدارس الجغرافية.
* شجعت التعليم الخاص على حساب التعليم الحكومي
– الملاحظ أنه في امتحانات الشهادة الثانوية حصل طلاب هذه المدارس على نسب عالية أعلى بكثير مما حصل عليه العباقرة والمبدعون في تاريخ السودان أمثال التجاني الماحي ومحجوب عبيد ود أبو سن والطيب صالح!!
– ولكن السؤال الذي يفرض نفسه أين ذهب هؤلاء وماذا قدموا للسودان؟
بالإجابة عن السؤال أعلاه يمكن القول إن التجربة كانت عبارة عن حيلة خادعة ماكرة.
ولنا عودة
* المدير العام السابق لوزارة التربية والتعليم- ولاية الخرطوم
